الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : النساء في حكم الخطبة على ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : التي تجوز خطبتها تعريضا وتصريحا ، وهي التي تكون خالية عن الأزواج والعدد ؛ لأنه لما جاز نكاحها في هذه الحالة فكيف لا تجوز خطبتها، بل يستثنى عنه صورة واحدة، وهي ما روى الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يخطبن أحدكم على خطبة أخيه " ، ثم هذا الحديث وإن ورد مطلقا لكن فيه ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                                                                                                                            الحالة الأولى : إذا خطب امرأة فأجيب إليه صريحا ، هاهنا لا يحل لغيره أن يخطبها لهذا الحديث.

                                                                                                                                                                                                                                            الحالة الثانية : إذا وجد صريح الإباء عن الإجابة ، فهاهنا يحل لغيره أن يخطبها.

                                                                                                                                                                                                                                            الحالة الثالثة : إذا لم يوجد صريح الإجابة ولا صريح الرد ، للشافعي هاهنا قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : أنه يجوز [ ص: 112 ] للغير خطبتها ؛ لأن السكوت لا يدل على الرضا .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : وهو القديم وقول مالك : أن السكوت وإن لم يدل على الرضا لكنه لا يدل أيضا على الكراهة، فربما كانت الرغبة حاصلة من بعض الوجوه ، فتصير هذه الخطبة الثانية مزيلة لذلك القدر من الرغبة.

                                                                                                                                                                                                                                            القسم الثاني : التي لا تجوز خطبتها لا تصريحا ولا تعريضا، وهي ما إذا كانت منكوحة للغير ؛ لأن خطبته إياها ربما صارت سببا لتشويش الأمر على زوجها من حيث إنها إذا علمت رغبة الخاطب فربما حملها ذلك على الامتناع من تأدية حقوق الزوج، والتسبب إلى هذا حرام، وكذا الرجعية فإنها في حكم المنكوحة، بدليل أنه يصح طلاقها وظهارها ولعانها، وتعتد منه عدة الوفاة ويتوارثان.

                                                                                                                                                                                                                                            القسم الثالث : أن يفصل في حقها بين التعريض والتصريح ، وهي المعتدة غير الرجعية ، وهي أيضا على ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                                                                                                                            القسم الأول : التي تكون في عدة الوفاة ، فتجوز خطبتها تعريضا لا تصريحا، أما جواز التعريض فلقوله تعالى : ( ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء ) وظاهره أنه للمتوفى عنها زوجها؛ لأن هذه الآية مذكورة عقيب تلك الآية، أما أنه لا يجوز التصريح فقال الشافعي : لما خصص التعريض بعدم الجناح وجب أن يكون التصريح بخلافه، ثم المعنى يؤكد ذلك، وهو أن التصريح لا يحتمل غير النكاح، فلا يؤمن أن يحملها الحرص على النكاح على الإخبار عن انقضاء العدة قبل أوانها ، بخلاف التعريض فإنه يحتمل غير ذلك فلا يدعوها ذلك إلى الكذب.

                                                                                                                                                                                                                                            القسم الثاني : المعتدة عن الطلاق الثلاث، قال الشافعي رحمه الله في "الأم" : ولا أحب التعريض لخطبتها، وقال في "القديم" و "الإملاء" : يجوز لأنها ليست في النكاح، فأشبهت المعتدة عن الوفاة . وجه المنع هو أن المعتدة عن الوفاة يؤمن عليها بسبب الخطبة الخيانة في أمر العدة ، فإن عدتها تنقضي بالأشهر ، أما هاهنا تنقضي عدتها بالأقراء ، فلا يؤمن عليها الخيانة بسبب رغبتها في هذا الخاطب ، وكيفية الخيانة هي أن تخبر بانقضاء عدتها قبل أن تنقضي.

                                                                                                                                                                                                                                            القسم الثالث : البائن التي يحل لزوجها نكاحها في عدتها، وهي المختلعة والتي انفسخ نكاحها بعيب أو عنة أو إعسار نفقته ، فهاهنا لزوجها التعريض والتصريح؛ لأنه لما كان له نكاحها في العدة فالتصريح أولى ، وأما غير الزوج فلا شك في أنه لا يحل له التصريح ، وفي التعريض قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : يحل كالمتوفى عنها زوجها والمطلقة ثلاثا .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني، وهو الأصح : أنه لا يحل لأنها معتدة تحل للزوج أن ينكحها في عدتها ، فلم يحل التعريض لها كالرجعية.

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية