المسألة الثانية : ( اصطفى ) في اللغة اختار ، فمعنى : اصطفاهم ، أي جعلهم صفوة خلقه ، تمثيلا بما يشاهد من الشيء الذي يصفى وينقى من الكدورة ، ويقال على ثلاثة أوجه : صفوة ، وصفوة وصفوة ، ، ونظير هذه الآية قوله
لموسى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=144إني اصطفيتك على الناس برسالاتي ) [الأعراف : 144 ] وقال في
إبراهيم وإسحاق ويعقوب (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=47وإنهم عندنا لمن المصطفين ) [ص : 47 ] .
إذا عرفت هذا فنقول . في الآية قولان الأول : المعنى أن
nindex.php?page=treesubj&link=33953_31820_29638الله اصطفى دين آدم ودين نوح فيكون الاصطفاء راجعا إلى دينهم وشرعهم وملتهم ، ويكون هذا المعنى على تقدير حذف المضاف والثاني : أن يكون المعنى : إن الله اصطفاهم ، أي صفاهم من الصفات الذميمة ، وزينهم بالخصال الحميدة ، وهذا القول أولى لوجهين أحدهما : أنا لا نحتاج فيه إلى الإضمار . والثاني : أنه موافق لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124الله أعلم حيث يجعل رسالته ) [الأنعام : 124 ] وذكر
الحليمي في كتاب " المنهاج " أن
nindex.php?page=treesubj&link=30173_29397_31775الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - لا بد وأن يكونوا مخالفين لغيرهم في القوى الجسمانية ، والقوى الروحانية ، أما القوى الجسمانية ، فهي إما مدركة ، وإما محركة .
أما المدركة : فهي إما الحواس الظاهرة ، وإما الحواس الباطنة ، أما الحواس الظاهرة فهي خمسة ؛ أحدها :
nindex.php?page=treesubj&link=29638_29397القوة الباصرة ، ولقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - مخصوصا بكمال هذه الصفة ويدل عليه وجهان :
الأول : قوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012077زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها " .
والثاني : قوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012078أقيموا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري " .
ونظير هذه القوة ما حصل
لإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وهو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=75وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض ) [الأنعام : 75 ] ذكروا في تفسيره أنه تعالى قوى بصره حتى شاهد جميع الملكوت من الأعلى والأسفل قال
الحليمي - رحمه الله - : وهذا غير مستبعد لأن البصراء يتفاوتون فروي أن
زرقاء اليمامة كانت تبصر الشيء من مسيرة ثلاثة أيام ، فلا يبعد أن يكون بصر النبي - صلى الله عليه وسلم - أقوى من بصرها .
وثانيها :
nindex.php?page=treesubj&link=29638_29397_31775القوة السامعة ، وكان - صلى الله عليه وسلم - أقوى الناس في هذه القوة ، ويدل عليه وجهان :
أحدهما : قوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012079أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد لله تعالى " فسمع أطيط السماء .
والثاني :
أنه سمع دويا وذكر أنه هوي صخرة قذفت في جهنم فلم تبلغ قعرها إلى الآن ، قال
الحليمي : ولا سبيل للفلاسفة إلى استبعاد هذا ، فإنهم زعموا أن
فيثاغورث راض نفسه حتى سمع خفيف الفلك ، ونظير هذه القوة
لسليمان - عليه السلام - في قصة النمل (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=18قالت نملة ياأيها النمل ادخلوا مساكنكم ) [النمل : 18 ] فالله تعالى أسمع
سليمان كلام النمل وأوقفه على معناه وهذا داخل أيضا في باب تقوية الفهم ، وكان ذلك حاصلا
لمحمد - صلى الله عليه وسلم - حين تكلم مع الذئب ومع البعير .
ثالثها :
nindex.php?page=treesubj&link=29638_29397_31775تقوية قوة الشم ، كما في حق
يعقوب -عليه السلام - ، فإن
يوسف - عليه السلام - لما أمر بحمل قميصه إليه وإلقائه على وجهه ، فلما فصلت العير قال
يعقوب : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=94إني لأجد ريح يوسف ) [يوسف : 94 ] فأحس بها من مسيرة أيام .
ورابعها :
nindex.php?page=treesubj&link=29638_29397_31775تقوية قوة الذوق ، كما في حق رسولنا - صلى الله عليه وسلم - حين قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012081إن هذا الذراع يخبرني أنه مسموم " .
وخامسها :
nindex.php?page=treesubj&link=29638_29397_31775تقوية القوة اللامسة كما في حق الخليل حيث جعل الله تعالى النار بردا وسلاما عليه ، فكيف يستبعد هذا ويشاهد مثله في السمندل والنعامة ، وأما
nindex.php?page=treesubj&link=29638_29397_31775الحواس الباطنة فمنها
nindex.php?page=treesubj&link=29638_29397_31775قوة [ ص: 20 ] الحفظ ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=6سنقرئك فلا تنسى ) [الأعلى : 6 ] ومنها
nindex.php?page=treesubj&link=29638_29397_31775قوة الذكاء قال علي - عليه السلام - : " علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألف باب من العلم واستنبطت من كل باب ألف باب " فإذا كان حال الولي هكذا ، فكيف حال النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=29638_29397_31775القوى المحركة : فمثل
nindex.php?page=treesubj&link=29638عروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المعراج ، وعروج عيسى حيا إلى السماء ، ورفع
إدريس وإلياس على ما وردت به الأخبار ، وقال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=40قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ) [النمل : 40 ] .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=29638_29397_31775القوى الروحانية العقلية : فلا بد وأن تكون في غاية الكمال ، ونهاية الصفاء .
واعلم أن تمام الكلام في هذا الباب أن
nindex.php?page=treesubj&link=31778_31775النفس القدسية النبوية مخالفة بماهيتها لسائر النفوس ، ومن لوازم تلك النفس الكمال في الذكاء ، والفطنة ، والحرية ، والاستعلاء ، والترفع عن الجسمانيات والشهوات ، فإذا كانت الروح في غاية الصفاء والشرف ، وكان البدن في غاية النقاء والطهارة كانت هذه القوى المحركة المدركة في غاية الكمال ؛ لأنها جارية مجرى أنوار فائضة من جوهر الروح واصلة إلى البدن ، ومتى كان الفاعل والقابل في غاية الكمال كانت الآثار في غاية القوة والشرف والصفاء .
إذا عرفت هذا فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=33إن الله اصطفى آدم ونوحا ) معناه :
nindex.php?page=treesubj&link=29638_31775_31808إن الله تعالى اصطفى آدم إما من سكان العالم السفلي على قول من يقول : الملك أفضل من البشر ، أو من سكان العالم العلوي على قول من يقول : البشر أشرف المخلوقات ، ثم وضع
nindex.php?page=treesubj&link=29638_31808كمال القوة الروحانية في شعبة معينة من أولاد آدم -عليه السلام - ، هم
شيث وأولاده ، إلى
إدريس ، ثم إلى
نوح ، ثم إلى
إبراهيم ، ثم حصل من
إبراهيم شعبتان :
إسماعيل وإسحاق ، فجعل
إسماعيل مبدأ لظهور الروح القدسية
لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، وجعل
إسحاق مبدأ لشعبتين :
يعقوب وعيصو ، فوضع النبوة في نسل
يعقوب ، ووضع الملك في نسل
عيصو ، واستمر ذلك إلى زمان
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فلما ظهر
محمد - صلى الله عليه وسلم - نقل نور النبوة ونور الملك إلى
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وبقيا أعني الدين والملك لأتباعه إلى قيام القيامة ، ومن تأمل في هذا الباب وصل إلى أسرار عجيبة .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : ( اصْطَفَى ) فِي اللُّغَةِ اخْتَارَ ، فَمَعْنَى : اصْطَفَاهُمْ ، أَيْ جَعَلَهُمْ صَفْوَةَ خَلْقِهِ ، تَمْثِيلًا بِمَا يُشَاهَدُ مِنَ الشَّيْءِ الَّذِي يُصَفَّى وَيُنَقَّى مِنَ الْكُدُورَةِ ، وَيُقَالُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : صَفْوَةٌ ، وَصُفْوَةٌ وَصِفْوَةٌ ، ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ
لِمُوسَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=144إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي ) [الْأَعْرَافِ : 144 ] وَقَالَ فِي
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=47وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ ) [ص : 47 ] .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ . فِي الْآيَةِ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ : الْمَعْنَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33953_31820_29638اللَّهَ اصْطَفَى دِينَ آدَمَ وَدِينَ نُوحٍ فَيَكُونُ الِاصْطِفَاءُ رَاجِعًا إِلَى دِينِهِمْ وَشَرْعِهِمْ وَمِلَّتِهِمْ ، وَيَكُونُ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُمْ ، أَيْ صَفَّاهُمْ مِنَ الصِّفَاتِ الذَّمِيمَةِ ، وَزَيَّنَهُمْ بِالْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنَّا لَا نَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الْإِضْمَارِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) [الْأَنْعَامِ : 124 ] وَذَكَرَ
الْحَلِيمِيُّ فِي كِتَابِ " الْمِنْهَاجِ " أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30173_29397_31775الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونُوا مُخَالِفِينَ لِغَيْرِهِمْ فِي الْقُوَى الْجِسْمَانِيَّةِ ، وَالْقُوَى الرُّوحَانِيَّةِ ، أَمَّا الْقُوَى الْجِسْمَانِيَّةُ ، فَهِيَ إِمَّا مُدْرِكَةٌ ، وَإِمَّا مُحَرِّكَةٌ .
أَمَّا الْمُدْرِكَةُ : فَهِيَ إِمَّا الْحَوَاسُّ الظَّاهِرَةُ ، وَإِمَّا الْحَوَاسُّ الْبَاطِنَةُ ، أَمَّا الْحَوَاسُّ الظَّاهِرَةُ فَهِيَ خَمْسَةٌ ؛ أَحَدُهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=29638_29397الْقُوَّةُ الْبَاصِرَةُ ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَخْصُوصًا بِكَمَالِ هَذِهِ الصِّفَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012077زُوِيَتْ لِيَ الْأَرْضُ فَأُرِيتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا " .
وَالثَّانِي : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012078أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي " .
وَنَظِيرُ هَذِهِ الْقُوَّةِ مَا حَصَلَ
لِإِبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=75وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) [الْأَنْعَامِ : 75 ] ذَكَرُوا فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ تَعَالَى قَوَّى بَصَرَهُ حَتَّى شَاهَدَ جَمِيعَ الْمَلَكُوتِ مِنَ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ قَالَ
الْحَلِيمِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ لِأَنَّ الْبُصَرَاءَ يَتَفَاوَتُونَ فَرُوِيَ أَنَّ
زَرْقَاءَ الْيَمَامَةِ كَانَتْ تُبْصِرُ الشَّيْءَ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ بَصَرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْوَى مِنْ بَصَرِهَا .
وَثَانِيهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=29638_29397_31775الْقُوَّةُ السَّامِعَةُ ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْوَى النَّاسِ فِي هَذِهِ الْقُوَّةِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012079أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ قَدَمٍ إِلَّا وَفِيهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ لِلَّهِ تَعَالَى " فَسَمِعَ أَطِيطَ السَّمَاءِ .
وَالثَّانِي :
أَنَّهُ سَمِعَ دَوِيًّا وَذَكَرَ أَنَّهُ هُوِيُّ صَخْرَةٍ قُذِفَتْ فِي جَهَنَّمَ فَلَمْ تَبْلُغْ قَعْرَهَا إِلَى الْآنِ ، قَالَ
الْحَلِيمِيُّ : وَلَا سَبِيلَ لِلْفَلَاسِفَةِ إِلَى اسْتِبْعَادِ هَذَا ، فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ
فِيثَاغُورْثَ رَاضَ نَفْسَهُ حَتَّى سَمِعَ خَفِيفَ الْفَلَكِ ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْقُوَّةِ
لِسُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قِصَّةِ النَّمْلِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=18قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ) [النَّمْلِ : 18 ] فَاللَّهُ تَعَالَى أَسْمَعَ
سُلَيْمَانَ كَلَامَ النَّمْلِ وَأَوْقَفَهُ عَلَى مَعْنَاهُ وَهَذَا دَاخِلٌ أَيْضًا فِي بَابِ تَقْوِيَةِ الْفَهْمِ ، وَكَانَ ذَلِكَ حَاصِلًا
لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تَكَلَّمَ مَعَ الذِّئْبِ وَمَعَ الْبَعِيرِ .
ثَالِثُهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=29638_29397_31775تَقْوِيَةُ قُوَّةِ الشَّمِّ ، كَمَا فِي حَقِّ
يَعْقُوبَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، فَإِنَّ
يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَمَرَ بِحَمْلِ قَمِيصِهِ إِلَيْهِ وَإِلْقَائِهِ عَلَى وَجْهِهِ ، فَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ
يَعْقُوبُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=94إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ) [يُوسُفَ : 94 ] فَأَحَسَّ بِهَا مِنْ مَسِيرَةِ أَيَّامٍ .
وَرَابِعُهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=29638_29397_31775تَقْوِيَةُ قُوَّةِ الذَّوْقِ ، كَمَا فِي حَقِّ رَسُولِنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012081إِنَّ هَذَا الذِّرَاعَ يُخْبِرُنِي أَنَّهُ مَسْمُومٌ " .
وَخَامِسُهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=29638_29397_31775تَقْوِيَةُ الْقُوَّةِ اللَّامِسَةِ كَمَا فِي حَقِّ الْخَلِيلِ حَيْثُ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى النَّارَ بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَيْهِ ، فَكَيْفَ يُسْتَبْعَدُ هَذَا وَيُشَاهَدُ مِثْلُهُ فِي السَّمَنْدَلِ وَالنَّعَامَةِ ، وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29638_29397_31775الْحَوَاسُّ الْبَاطِنَةُ فَمِنْهَا
nindex.php?page=treesubj&link=29638_29397_31775قُوَّةُ [ ص: 20 ] الْحِفْظِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=6سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ) [الْأَعْلَى : 6 ] وَمِنْهَا
nindex.php?page=treesubj&link=29638_29397_31775قُوَّةُ الذَّكَاءِ قَالَ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : " عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْفَ بَابٍ مِنَ الْعِلْمِ وَاسْتَنْبَطْتُ مِنْ كُلِّ بَابٍ أَلْفَ بَابٍ " فَإِذَا كَانَ حَالُ الْوَلِيِّ هَكَذَا ، فَكَيْفَ حَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29638_29397_31775الْقُوَى الْمُحَرِّكَةُ : فَمِثْلُ
nindex.php?page=treesubj&link=29638عُرُوجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمِعْرَاجِ ، وَعُرُوجِ عِيسَى حَيًّا إِلَى السَّمَاءِ ، وَرَفْعِ
إِدْرِيسَ وَإِلْيَاسَ عَلَى مَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=40قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) [النَّمْلِ : 40 ] .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29638_29397_31775الْقُوَى الرُّوحَانِيَّةُ الْعَقْلِيَّةُ : فَلَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ فِي غَايَةِ الْكَمَالِ ، وَنِهَايَةِ الصَّفَاءِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ تَمَامَ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31778_31775النَّفْسَ الْقُدْسِيَّةَ النَّبَوِيَّةَ مُخَالِفَةٌ بِمَاهِيَّتِهَا لِسَائِرِ النُّفُوسِ ، وَمِنْ لَوَازِمِ تِلْكَ النَّفْسِ الْكَمَالُ فِي الذَّكَاءِ ، وَالْفِطْنَةِ ، وَالْحُرِّيَّةِ ، وَالِاسْتِعْلَاءُ ، وَالتَّرَفُّعُ عَنِ الْجِسْمَانِيَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ ، فَإِذَا كَانَتِ الرُّوحُ فِي غَايَةِ الصَّفَاءِ وَالشَّرَفِ ، وَكَانَ الْبَدَنُ فِي غَايَةِ النَّقَاءِ وَالطَّهَارَةِ كَانَتْ هَذِهِ الْقُوَى الْمُحَرِّكَةُ الْمُدْرِكَةُ فِي غَايَةِ الْكَمَالِ ؛ لِأَنَّهَا جَارِيَةٌ مَجْرَى أَنْوَارٍ فَائِضَةٍ مِنْ جَوْهَرِ الرُّوحِ وَاصِلَةٌ إِلَى الْبَدَنِ ، وَمَتَى كَانَ الْفَاعِلُ وَالْقَابِلُ فِي غَايَةِ الْكَمَالِ كَانَتِ الْآثَارُ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ وَالشَّرَفِ وَالصَّفَاءِ .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=33إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا ) مَعْنَاهُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29638_31775_31808إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اصْطَفَى آدَمَ إِمَّا مِنْ سُكَّانِ الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : الْمَلَكُ أَفْضَلُ مِنَ الْبَشَرِ ، أَوْ مِنْ سُكَّانِ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : الْبَشَرُ أَشْرَفُ الْمَخْلُوقَاتِ ، ثُمَّ وَضَعَ
nindex.php?page=treesubj&link=29638_31808كَمَالَ الْقُوَّةِ الرُّوحَانِيَّةِ فِي شُعْبَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، هُمْ
شِيثٌ وَأَوْلَادُهُ ، إِلَى
إِدْرِيسَ ، ثُمَّ إِلَى
نُوحٍ ، ثُمَّ إِلَى
إِبْرَاهِيمَ ، ثُمَّ حَصَلَ مِنْ
إِبْرَاهِيمَ شُعْبَتَانِ :
إِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ ، فَجَعَلَ
إِسْمَاعِيلَ مَبْدَأً لِظُهُورِ الرُّوحِ الْقُدْسِيَّةِ
لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَجَعَلَ
إِسْحَاقَ مَبْدَأً لِشُعْبَتَيْنِ :
يَعْقُوبَ وَعِيصُو ، فَوَضَعَ النُّبُوَّةَ فِي نَسْلِ
يَعْقُوبَ ، وَوَضَعَ الْمُلْكَ فِي نَسْلِ
عِيصُو ، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ إِلَى زَمَانِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَلَمَّا ظَهَرَ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُقِلَ نُورُ النُّبُوَّةِ وَنُورُ الْمُلْكِ إِلَى
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَبَقِيَا أَعْنِي الدِّينَ وَالْمُلْكَ لِأَتْبَاعِهِ إِلَى قِيَامِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ تَأَمَّلَ فِي هَذَا الْبَابِ وَصَلَ إِلَى أَسْرَارٍ عَجِيبَةٍ .