الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم إنه تعالى لما ذكر هذه الصفات الثمانية قال : ( وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم ( وما يفعلوا من خير فلن يكفروه ) بالياء على المغايبة ، لأن الكلام متصل بما قبله من ذكر مؤمني أهل الكتاب ، يتلون ويسجدون ويؤمنون ويأمرون وينهون ويسارعون ، ولن يضيع لهم ما يعملون ، والمقصود أن جهال اليهود لما قالوا لعبد الله بن سلام إنكم خسرتم بسبب هذا الإيمان ، قال تعالى بل فازوا بالدرجات العظمى ، فكان المقصود تعظيمهم ليزول عن قلبهم أثر كلام أولئك الجهال ، ثم هذا وإن كان بحسب اللفظ يرجع إلى كل ما تقدم ذكره من مؤمني أهل الكتاب ، فإن سائر الخلق يدخلون فيه نظرا إلى العلة .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما الباقون فإنهم قرءوا بالتاء على سبيل المخاطبة فهو ابتداء خطاب لجميع المؤمنين على معنى أن أفعال مؤمني أهل الكتاب ذكرت ، ثم قال : وما تفعلوا من خير معاشر المؤمنين الذين من جملتكم هؤلاء ، فلن تكفروه ، والفائدة أن يكون حكم هذه الآية عاما بحسب اللفظ في حق جميع المكلفين ، ومما يؤكد ذلك أن نظائر هذه الآية جاءت مخاطبة لجميع الخلائق من غير تخصيص بقوم دون قوم كقوله : ( وما تفعلوا من خير يعلمه الله ) [ البقرة : 197 ] ( وما تنفقوا من خير يوف إليكم ) [ البقرة : 272 ] ( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله ) [ البقرة : 110 ] وأما أبو عمرو فالمنقول عنه أنه كان يقرأ هذه الآية بالقراءتين .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : ( فلن يكفروه ) أي لن تمنعوا ثوابه وجزاءه ، وإنما سمي منع الجزاء كفرا لوجهين . الأول : أنه تعالى سمى إيصال الثواب شكرا قال الله تعالى : ( فإن الله شاكر عليم ) [ البقرة : 158 ] وقال : ( فأولئك كان سعيهم مشكورا ) [ الإسراء : 19 ] فلما سمى إيصال الجزاء شكرا سمى منعه كفرا . والثاني : أن الكفر في اللغة هو الستر فسمي منع الجزاء كفرا ، لأنه بمنزلة الجحد والستر .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : لم قال : ( فلن يكفروه ) فعداه إلى مفعولين مع أن شكر وكفر لا يتعديان إلا إلى واحد يقال شكر النعمة وكفرها .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : لأنا بينا أن معنى الكفر هاهنا هو المنع والحرمان ، فكان كأنه قال : فلن تحرموه ، ولن تمنعوا جزاءه .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية