الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قال الشافعي - رحمة الله عليه - : الثيب الذمي إذا زنى يرجم ، وقال أبو حنيفة - رضي الله عنه - : لا يرجم ، حجة الشافعي أنه حصل الزنا مع الإحصان وذلك علة لإباحة الدم ، فوجب أن يثبت إباحة الدم ، وإذا ثبت ذلك وجب أن يكون ذلك بطريق الرجم ، أما قولنا : حصل الزنا مع الإحصان ، فهذا يعتمد إثبات قيدين : أحدهما : حصول الزنا ولا شك فيه .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : حصول الإحصان وهو حاصل ؛ لأن قوله تعالى : ( والمحصنات من النساء ) يدل على أن المراد من المحصنة : المزوجة ، وهذه المرأة مزوجة فهي محصنة ، فثبت أنه حصل الزنا مع الإحصان ، وإنما قلنا : إن الزنا مع الإحصان علة لإباحة الدم لقوله عليه الصلاة والسلام : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا لإحدى معان ثلاثة " ومنها قوله : " وزنا بعد إحصان " جعل الزنا بعد الإحصان علة لإباحة الدم في حق المسلم ، والمسلم محل لهذا الحكم ، أما العلة فهي مجرد الزنا بعد الإحصان ، بدليل أن لام التعليل إنما دخل عليه . أقصى ما في الباب أنه حكم في حق المسلم أن الزنا بعد الإحصان علة لإباحة الدم ، إلا أن كونه مسلما محل الحكم ، وخصوص محل الحكم لا يمنع من التعدية إلى غير ذلك المحل ، وإلا لبطل القياس بالكلية ، وأما العلة فهي ما دخل عليه لام التعليل ، وهي ماهية الزنا بعد الإحصان ، وهذه الماهية لما حصلت في حق الثيب الذمي ، وجب أن يحصل في حقه إباحة الدم ، فثبت أنه مباح الدم ، ثم ههنا طريقان : إن شئنا اكتفينا بهذا القدر ، فإنا ندعي كونه مباح الدم والخصم لا يقول به ، [ ص: 34 ] فصار محجوبا ، أو نقول : لما ثبت أنه مباح الدم وجب أن يكون ذلك بطريق الرجم لأنه لا قائل بالفرق .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : ما ذكرتم إن دل على أن الذمي محصن ، فههنا ما يدل على أنه غير محصن ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام : " من أشرك بالله فليس بمحصن " .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : ثبت بالدليل الذي ذكرناه أن الذمي محصن ، وثبت بهذا الخبر الذي ذكرتم أنه ليس بمحصن ، فنقول : إنه محصن بمعنى أنه ذو زوج ، وغير محصن بمعنى أنه لا يحد قاذفه ، وقوله : " من أشرك بالله فليس بمحصن " يجب حمله على أنه لا يحد قاذفه ، لا على أنه لا يحد على الزنا ، لأنه وصفه بوصف الشرك وذلك جناية ، والمذكور عقيب الجناية لا بد وأن يكون أمرا يصلح أن يكون عقوبة ، وقولنا : إنه لا يحد قاذفه يصلح أن يكون عقوبة ، أما قولنا : لا يحد على الزنا ، لا يصلح أن يكون عقوبة له ، فكان المراد من قوله : " من أشرك بالله فليس بمحصن " ما ذكرناه ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية