الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : اختلف أصحابنا قال بعضهم : حكم هذه الآية مشروع على الترتيب ، فإن ظاهر اللفظ وإن دل على الجمع ، إلا أن فحوى الآية يدل على الترتيب ، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - : يعظها بلسانه ، فإن انتهت فلا سبيل له عليها ، فإن أبت هجر مضجعها ، فإن أبت ضربها ، فإن لم تتعظ بالضرب بعث الحكمين . وقال آخرون : هذا الترتيب مراعى عند خوف النشوز ، أما عند تحقق النشوز فلا [ ص: 74 ] بأس بالجمع بين الكل . وقال بعض أصحابنا : تحرير المذهب أن له عند خوف النشوز أن يعظها ، وهل له أن يهجرها ؟ فيه احتمال ، وله عند إبداء النشوز أن يعظها أو يهجرها أو يضربها .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( فإن أطعنكم ) أي إذا رجعن عن النشوز إلى الطاعة عند هذا التأديب ( فلا تبغوا عليهن سبيلا ) أي لا تطلبوا عليهن الضرب والهجران طريقا على سبيل التعنت والإيذاء ( إن الله كان عليا كبيرا ) وعلوه لا بعلو الجهة ، وكبره لا بكبر الجثة ، بل هو علي كبير لكمال قدرته ونفاذ مشيئته في كل الممكنات . وذكر هاتين الصفتين في هذا الموضع في غاية الحسن ، وبيانه من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن المقصود منه تهديد الأزواج على ظلم النسوان ، والمعنى أنهن ضعفن عن دفع ظلمكم وعجزن عن الانتصاف منكم ، فالله سبحانه علي قاهر كبير قادر ينتصف لهن منكم ويستوفي حقهن منكم ، فلا ينبغي أن تغتروا بكونكم أعلى يدا منهن ، وأكبر درجة منهن .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : لا تبغوا عليهن إذا أطعنكم لعلو أيديكم . فإن الله أعلى منكم وأكبر من كل شيء ، وهو متعال عن أن يكلف إلا بالحق .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أنه تعالى مع علوه وكبريائه لا يكلفكم إلا ما تطيقون ، فكذلك لا تكلفوهن محبتكم ، فإنهن لا يقدرن على ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            الرابع : أنه مع علوه وكبريائه لا يؤاخذ العاصي إذا تاب ، بل يغفر له ، فإذا تابت المرأة عن نشوزها فأنتم أولى بأن تقبلوا توبتها وتتركوا معاقبتها .

                                                                                                                                                                                                                                            الخامس : أنه تعالى مع علوه وكبريائه اكتفى من العبد بالظواهر ، ولم يهتك السرائر ، فأنتم أولى أن تكتفوا بظاهر حال المرأة ، وأن لا تقعوا في التفتيش عما في قلبها وضميرها من الحب والبغض .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية