النوع التاسع : من التكاليف المذكورة في هذه السورة :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا )
واعلم أنه تعالى لما أرشد كل واحد من الزوجين إلى المعاملة الحسنة مع الآخر وإلى إزالة الخصومة والخشونة ، أرشد في هذه الآية إلى سائر الأخلاق الحسنة وذكر منها عشرة أنواع .
النوع الأول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36واعبدوا الله ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : المعنى وحدوه ، واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28345العبادة عبارة عن كل
[ ص: 77 ] فعل وترك يؤتى به لمجرد أمر الله تعالى بذلك ، وهذا يدخل فيه جميع أعمال القلوب وجميع أعمال الجوارح ، فلا معنى لتخصيص ذلك بالتوحيد ، وتحقيق الكلام في العبادة قد تقدم في سورة البقرة في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21ياأيها الناس اعبدوا ربكم ) [ البقرة : 21 ] .
النوع الثاني : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36ولا تشركوا به شيئا ) وذلك لأنه تعالى لما أمر بالعبادة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36واعبدوا الله ) أمر بالإخلاص في العبادة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36ولا تشركوا به شيئا ) ؛ لأن من عبد مع الله غيره كان مشركا ولا يكون مخلصا ؛ ولهذا قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) [ البينة : 5 ] .
النوع الثالث : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وبالوالدين إحسانا ) واتفقوا على أن ههنا محذوفا ، والتقدير : وأحسنوا بالوالدين إحسانا ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4فضرب الرقاب ) [ محمد : 4 ] أي فاضربوها ، ويقال : أحسنت بفلان ، وإلى فلان . قال كثير :
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة لدينا ولا مقلية إن تقلت
واعلم أنه تعالى قرن إلزام بر الوالدين بعبادته وتوحيده في مواضع :
أحدها : في هذه الآية .
وثانيها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) [ الإسراء : 23 ] .
وثالثها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=14أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ) [ لقمان : 14 ] وكفى بهذا دلالة على تعظيم حقهما ووجوب برهما والإحسان إليهما . ومما يدل على وجوب البر إليهما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ) [ الإسراء : 23 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=8ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ) [ العنكبوت : 8 ] وقال في الوالدين الكافرين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=15وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ) [ لقمان : 15 ] وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012374nindex.php?page=treesubj&link=18028_26485_30523_27530_29437أكبر الكبائر الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، واليمين الغموس " . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012375أن رجلا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من اليمن استأذنه في الجهاد ، فقال - عليه السلام - : " هل لك أحد باليمن ؟ فقال : أبواي . فقال : أبواك أذنا لك ؟ فقال : لا . فقال : فارجع واستأذنهما ، فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما " .
واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=18010_19806الإحسان إلى الوالدين هو أن يقوم بخدمتهما ، وألا يرفع صوته عليهما ، ولا يخشن في الكلام معهما ، ويسعى في تحصيل مطالبهما والإنفاق عليهما بقدر القدرة من البر ، وأن لا يشهر عليهما سلاحا ، ولا يقتلهما . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر الرازي : إلا أن يضطر إلى ذلك بأن يخاف أن يقتله إن ترك قتله ، فحينئذ يجوز له قتله ؛ لأنه إذا لم يفعل ذلك كان قد قتل نفسه بتمكين غيره منه ، وذلك منهي عنه ، روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
نهى حنظلة بن أبي عامر الراهب عن قتل أبيه وكان مشركا .
النوع الرابع : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وبذي القربى ) وهو أمر
nindex.php?page=treesubj&link=18040_18036بصلة الرحم كما ذكر في أول السورة بقوله : ( والأرحام ) .
واعلم أن الوالدين من الأقارب أيضا ، إلا أن قرابة الولاد لما كانت مخصوصة بكونها أقرب القرابات وكانت مخصوصة بخواص لا تحصل في غيرها ، لا جرم ميزها الله تعالى في الذكر عن سائر الأنواع ، فذكر في هذه الآية قرابة الولاد ، ثم أتبعها بقرابة الرحم .
النوع الخامس : قوله : ( واليتامى ) واعلم أن اليتيم مخصوص بنوعين من العجز :
أحدهما : الصغر .
والثاني : عدم المنفق .
ولا شك أن من هذا حاله كان في غاية العجز واستحقاق الرحمة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس :
[ ص: 78 ] يرفق بهم ويربيهم ويمسح رأسهم ، وإن كان وصيا لهم فليبالغ في حفظ أموالهم .
النوع السادس : قوله : ( والمساكين ) واعلم أنه وإن كان عديم المال إلا أنه لكبره يمكنه أن يعرض حال نفسه على الغير ، فيجلب به نفعا أو يدفع به ضررا ، وأما اليتيم فلا قدرة له عليه ؛ فلهذا المعنى قدم الله اليتيم في الذكر على المسكين .
nindex.php?page=treesubj&link=19805_30495والإحسان إلى المسكين إما بالإجمال إليه أو بالرد الجميل ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=10وأما السائل فلا تنهر ) [ الضحى : 10 ] .
النوع السابع : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36والجار ذي القربى ) قيل : هو الذي قرب جواره ، والجار الجنب هو الذي بعد جواره . قال - عليه الصلاة والسلام - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012377nindex.php?page=treesubj&link=18096لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ، ألا وإن nindex.php?page=treesubj&link=18126الجوار أربعون دارا " وكان
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري يقول : أربعون يمنة ، وأربعون يسرة ، وأربعون أماما ، وأربعون خلفا .
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012378وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قيل : يا رسول الله ، إن فلانة تصوم النهار وتصلي الليل وفي لسانها شيء يؤذي جيرانها - أي هي سليطة - فقال - عليه الصلاة والسلام - : " لا خير فيها ، هي في النار " وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012379والذي نفس محمد بيده لا يؤدي حق الجار إلا من رحم الله وقليل ما هم ، أتدرون ما nindex.php?page=treesubj&link=18091_18092_18093_19809حق الجار ؛ إن افتقر أغنيته ، وإن استقرض أقرضته ، وإن أصابه خير هنأته ، وإن أصابه شر عزيته ، وإن مرض عدته ، وإن مات شيعت جنازته " وقال آخرون : عنى بالجار ذي القربى : القريب النسيب ، وبالجار الجنب : الجار الأجنبي ، وقرئ (
nindex.php?page=treesubj&link=18111_18113_19810والجار ذا القربى ) نصبا على الاختصاص ، كما قرئ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) [ البقرة : 238 ] تنبيها على عظم حقه ؛ لأنه اجتمع فيه موجبان : الجوار والقرابة .
النوع الثامن : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36nindex.php?page=treesubj&link=18115_18116_19811والجار الجنب ) وقد ذكرنا تفسيره . قال
الواحدي : الجنب نعت على وزن فعل ، وأصله من الجنابة ضد القرابة وهو البعيد . يقال : رجل جنب إذا كان غريبا متباعدا عن أهله ، ورجل أجنبي وهو البعيد منك في القرابة . وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35واجنبني وبني ) [ إبراهيم : 35 ] أي بعدني ، والجانبان الناحيتان ؛ لبعد كل واحد منهما عن الآخر ، ومنه الجنابة من الجماع ؛ لتباعده عن الطهارة وعن حضور المساجد للصلاة ما لم يغتسل ، ومنه أيضا الجنبان ؛ لبعد كل واحد منهما عن الآخر . وروى
المفضل عن
عاصم : " والجار الجنب " بفتح الجيم وسكون النون ، وهو يحتمل معنيين :
أحدهما : أنه يريد بالجنب الناحية ، ويكون التقدير : والجار ذي الجنب ، فحذف المضاف ؛ لأن المعنى مفهوم .
والآخر : أن يكون وصفا على سبيل المبالغة ، كما يقال : فلان كرم وجود .
النوع التاسع : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36والصاحب بالجنب ) وهو الذي صحبك بأن حصل بجنبك إما رفيقا في سفر ، وإما جارا ملاصقا ، وإما شريكا في تعلم أو حرفة ، وإما قاعدا إلى جنبك في مجلس أو مسجد أو غير ذلك ، من أدنى صحبة التأمت بينك وبينه ، فعليك أن ترعى ذلك الحق ولا تنساه وتجعله ذريعة إلى الإحسان . قيل : الصاحب الجنب : المرأة ، فإنها تكون معك وتضجع إلى جنبك .
النوع العاشر : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وابن السبيل ) وهو المسافر الذي انقطع عن بلده ، وقيل : الضيف .
النوع الحادي عشر : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وما ملكت أيمانكم ) .
واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=19800_19804الإحسان إلى المماليك طاعة عظيمة ، روى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
[ ص: 79 ] "
من ابتاع شيئا من الخدم فلم توافق شيمته شيمته فليبع وليشتر حتى توافق شيمته شيمته ، فإن للناس شيما ، ولا تعذبوا عباد الله " وروي أنه - عليه الصلاة والسلام - كان آخر كلامه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012381الصلاة وما ملكت أيمانكم "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012382وروي أنه كان رجل بالمدينة يضرب عبده ، فيقول العبد : أعوذ بالله ، ويستمعه الرسول - عليه السلام - والسيد كان يزيده ضربا ، فطلع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال : أعوذ برسول الله ، فتركه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله كان أحق أن يجار عائذه " قال : يا رسول الله ، فإنه حر لوجه الله ، فقال النبي - عليه الصلاة والسلام - : " والذي نفس محمد بيده لو لم تقلها لدافع وجهك سفع النار " .
واعلم أن الإحسان إليهم من وجوه :
أحدها : أن لا يكلفهم ما لا طاقة لهم به .
وثانيها : أن لا يؤذيهم بالكلام الخشن ، بل يعاشرهم معاشرة حسنة .
وثالثها : أن يعطيهم من الطعام والكسوة ما يحتاجون إليه . وكانوا في الجاهلية يسيئون إلى المملوك فيكلفون الإماء البغاء ، وهو الكسب بفروجهن وبضوعهن . وقال بعضهم : كل حيوان فهو مملوك ، والإحسان إلى الكل بما يليق به طاعة عظيمة .
واعلم أن ذكر اليمين تأكيد ، وهو كما يقال : مشت رجلك ، وأخذت يدك ، قال - عليه الصلاة والسلام - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012383على اليد ما أخذت " وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71مما عملت أيدينا أنعاما ) [ يس : 71 ] ولما ذكر تعالى هذه الأصناف قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ) والمختال ذو الخيلاء والكبر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يريد بالمختال العظيم في نفسه الذي لا يقوم بحقوق أحد . قال
الزجاج : وإنما ذكر الاختيال ههنا ، وذكرنا اشتقاق هذه اللفظة عند قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14والخيل المسومة ) [ آل عمران : 14 ]
nindex.php?page=treesubj&link=24622ومعنى الفخر التطاول ، والفخور الذي يعدد مناقبه كبرا وتطاولا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هو الذي يفخر على عباد الله بما أعطاه الله من أنواع نعمه ، وإنما خص الله تعالى هذين الوصفين بالذم في هذا الموضع ؛ لأن المختال هو المتكبر ، وكل من كان متكبرا فإنه قلما يقوم برعاية الحقوق ، ثم أضاف إليه
nindex.php?page=treesubj&link=32502ذم الفخور ؛ لئلا يقدم على رعاية هذه الحقوق لأجل الرياء والسمعة ، بل لمحض أمر الله تعالى .
النَّوْعُ التَّاسِعُ : مِنَ التَّكَالِيفِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا )
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَرْشَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ إِلَى الْمُعَامَلَةِ الْحَسَنَةِ مَعَ الْآخَرِ وَإِلَى إِزَالَةِ الْخُصُومَةِ وَالْخُشُونَةِ ، أَرْشَدَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى سَائِرِ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ وَذَكَرَ مِنْهَا عَشَرَةَ أَنْوَاعٍ .
النَّوْعُ الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَاعْبُدُوا اللَّهَ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : الْمَعْنَى وَحِّدُوهُ ، وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28345الْعِبَادَةَ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ
[ ص: 77 ] فِعْلٍ وَتَرْكٍ يُؤْتَى بِهِ لِمُجَرَّدِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ ، وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَجَمِيعُ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ ، فَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِ ذَلِكَ بِالتَّوْحِيدِ ، وَتَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِي الْعِبَادَةِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ) [ الْبَقَرَةِ : 21 ] .
النَّوْعُ الثَّانِي : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِالْعِبَادَةِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَاعْبُدُوا اللَّهَ ) أَمَرَ بِالْإِخْلَاصِ فِي الْعِبَادَةِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ) ؛ لِأَنَّ مَنْ عَبَدَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ كَانَ مُشْرِكًا وَلَا يَكُونُ مُخْلِصًا ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) [ الْبَيِّنَةِ : 5 ] .
النَّوْعُ الثَّالِثُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَهُنَا مَحْذُوفًا ، وَالتَّقْدِيرُ : وَأَحْسِنُوا بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4فَضَرْبَ الرِّقَابِ ) [ مُحَمَّدٍ : 4 ] أَيْ فَاضْرِبُوهَا ، وَيُقَالُ : أَحْسَنْتُ بِفُلَانٍ ، وَإِلَى فُلَانٍ . قَالَ كُثَيِّرٌ :
أَسِيئِي بِنَا أَوْ أَحْسِنِي لَا مَلُومَةً لَدَيْنَا وَلَا مَقْلِيَةً إِنْ تَقَلَّتِ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى قَرَنَ إِلْزَامَ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ بِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ فِي مَوَاضِعَ :
أَحَدُهَا : فِي هَذِهِ الْآيَةِ .
وَثَانِيهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 23 ] .
وَثَالِثُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=14أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) [ لُقْمَانَ : 14 ] وَكَفَى بِهَذَا دَلَالَةً عَلَى تَعْظِيمِ حَقِّهِمَا وَوُجُوبِ بِرِّهِمَا وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا . وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْبِرِّ إِلَيْهِمَا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 23 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=8وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ) [ الْعَنْكَبُوتِ : 8 ] وَقَالَ فِي الْوَالِدَيْنِ الْكَافِرَيْنِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=15وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) [ لُقْمَانَ : 15 ] وَعَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012374nindex.php?page=treesubj&link=18028_26485_30523_27530_29437أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ " . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012375أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْيَمَنِ اسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : " هَلْ لَكَ أَحَدٌ بِالْيَمَنِ ؟ فَقَالَ : أَبَوَايَ . فَقَالَ : أَبَوَاكَ أَذِنَا لَكَ ؟ فَقَالَ : لَا . فَقَالَ : فَارْجِعْ وَاسْتَأْذِنْهُمَا ، فَإِنْ أَذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا " .
وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18010_19806الْإِحْسَانَ إِلَى الْوَالِدَيْنِ هُوَ أَنْ يَقُومَ بِخِدْمَتِهِمَا ، وَأَلَّا يَرْفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِمَا ، وَلَا يَخْشُنَ فِي الْكَلَامِ مَعَهُمَا ، وَيَسْعَى فِي تَحْصِيلِ مَطَالِبِهِمَا وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ الْقُدْرَةِ مِنَ الْبِرِّ ، وَأَنْ لَا يُشْهِرَ عَلَيْهِمَا سِلَاحًا ، وَلَا يَقْتُلَهُمَا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11943أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ : إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَخَافَ أَنْ يَقْتُلَهُ إِنْ تَرَكَ قَتْلَهُ ، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَانَ قَدْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِتَمْكِينِ غَيْرِهِ مِنْهُ ، وَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
نَهَى حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ الرَّاهِبَ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ وَكَانَ مُشْرِكًا .
النَّوْعُ الرَّابِعُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَبِذِي الْقُرْبَى ) وَهُوَ أَمْرٌ
nindex.php?page=treesubj&link=18040_18036بِصِلَةِ الرَّحِمِ كَمَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ بِقَوْلِهِ : ( وَالْأَرْحَامَ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْأَقَارِبِ أَيْضًا ، إِلَّا أَنَّ قَرَابَةَ الْوِلَادِ لَمَّا كَانَتْ مَخْصُوصَةً بِكَوْنِهَا أَقْرَبَ الْقَرَابَاتِ وَكَانَتْ مَخْصُوصَةً بِخَوَاصَّ لَا تَحْصُلُ فِي غَيْرِهَا ، لَا جَرَمَ مَيَّزَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الذِّكْرِ عَنْ سَائِرِ الْأَنْوَاعِ ، فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَرَابَةَ الْوِلَادِ ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِقَرَابَةِ الرَّحِمِ .
النَّوْعُ الْخَامِسُ : قَوْلُهُ : ( وَالْيَتَامَى ) وَاعْلَمْ أَنَّ الْيَتِيمَ مَخْصُوصٌ بِنَوْعَيْنِ مِنَ الْعَجْزِ :
أَحَدُهُمَا : الصِّغَرُ .
وَالثَّانِي : عَدَمُ الْمُنْفِقِ .
وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ هَذَا حَالُهُ كَانَ فِي غَايَةِ الْعَجْزِ وَاسْتِحْقَاقِ الرَّحْمَةِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ :
[ ص: 78 ] يَرْفُقُ بِهِمْ وَيُرَبِّيهِمْ وَيَمْسَحُ رَأْسَهُمْ ، وَإِنْ كَانَ وَصِيًّا لَهُمْ فَلْيُبَالِغْ فِي حِفْظِ أَمْوَالِهِمْ .
النَّوْعُ السَّادِسُ : قَوْلُهُ : ( وَالْمَسَاكِينَ ) وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَدِيمَ الْمَالِ إِلَّا أَنَّهُ لِكِبَرِهِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْرِضَ حَالَ نَفْسِهِ عَلَى الْغَيْرِ ، فَيَجْلِبُ بِهِ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعُ بِهِ ضَرَرًا ، وَأَمَّا الْيَتِيمُ فَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ ؛ فَلِهَذَا الْمَعْنَى قَدَّمَ اللَّهُ الْيَتِيمَ فِي الذِّكْرِ عَلَى الْمِسْكِينِ .
nindex.php?page=treesubj&link=19805_30495وَالْإِحْسَانُ إِلَى الْمِسْكِينِ إِمَّا بِالْإِجْمَالِ إِلَيْهِ أَوْ بِالرَّدِّ الْجَمِيلِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=10وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ) [ الضُّحَى : 10 ] .
النَّوْعُ السَّابِعُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ) قِيلَ : هُوَ الَّذِي قَرُبَ جِوَارُهُ ، وَالْجَارُ الْجُنُبُ هُوَ الَّذِي بَعُدَ جِوَارُهُ . قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012377nindex.php?page=treesubj&link=18096لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ، أَلَا وَإِنَّ nindex.php?page=treesubj&link=18126الْجِوَارَ أَرْبَعُونَ دَارًا " وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ يَقُولُ : أَرْبَعُونَ يُمْنَةً ، وَأَرْبَعُونَ يُسْرَةً ، وَأَرْبَعُونَ أَمَامًا ، وَأَرْبَعُونَ خَلْفًا .
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012378وَعَنْ nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ فُلَانَةً تَصُومُ النَّهَارَ وَتُصَلِّي اللَّيْلَ وَفِي لِسَانِهَا شَيْءٌ يُؤْذِي جِيرَانَهَا - أَيْ هِيَ سَلِيطَةٌ - فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - : " لَا خَيْرَ فِيهَا ، هِيَ فِي النَّارِ " وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012379وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يُؤَدِّي حَقَّ الْجَارِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ ، أَتَدْرُونَ مَا nindex.php?page=treesubj&link=18091_18092_18093_19809حَقُّ الْجَارِ ؛ إِنِ افْتَقَرَ أَغْنَيْتَهُ ، وَإِنِ اسْتَقْرَضَ أَقْرَضْتَهُ ، وَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ هَنَّأْتَهُ ، وَإِنْ أَصَابَهُ شَرٌّ عَزَّيْتَهُ ، وَإِنْ مَرِضَ عُدْتَهُ ، وَإِنْ مَاتَ شَيَّعْتَ جَنَازَتَهُ " وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى : الْقَرِيبَ النَّسِيبَ ، وَبِالْجَارِ الْجُنُبِ : الْجَارَ الْأَجْنَبِيَّ ، وَقُرِئَ (
nindex.php?page=treesubj&link=18111_18113_19810وَالْجَارَ ذَا الْقُرْبَى ) نَصْبًا عَلَى الِاخْتِصَاصِ ، كَمَا قُرِئَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ) [ الْبَقَرَةِ : 238 ] تَنْبِيهًا عَلَى عِظَمِ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ مُوجِبَانِ : الْجِوَارُ وَالْقَرَابَةُ .
النَّوْعُ الثَّامِنُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36nindex.php?page=treesubj&link=18115_18116_19811وَالْجَارِ الْجُنُبِ ) وَقَدْ ذَكَرْنَا تَفْسِيرَهُ . قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : الْجُنُبُ نَعْتٌ عَلَى وَزْنِ فُعُلٍ ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْجَنَابَةِ ضِدَّ الْقَرَابَةِ وَهُوَ الْبَعِيدُ . يُقَالُ : رَجُلٌ جُنُبٌ إِذَا كَانَ غَرِيبًا مُتَبَاعِدًا عَنْ أَهْلِهِ ، وَرَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ وَهُوَ الْبَعِيدُ مِنْكَ فِي الْقَرَابَةِ . وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ ) [ إِبْرَاهِيمَ : 35 ] أَيْ بَعِّدْنِي ، وَالْجَانِبَانِ النَّاحِيَتَانِ ؛ لِبُعْدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنِ الْآخَرِ ، وَمِنْهُ الْجَنَابَةُ مِنَ الْجِمَاعِ ؛ لِتَبَاعُدِهِ عَنِ الطَّهَارَةِ وَعَنْ حُضُورِ الْمَسَاجِدِ لِلصَّلَاةِ مَا لَمْ يَغْتَسِلْ ، وَمِنْهُ أَيْضًا الْجَنْبَانِ ؛ لِبُعْدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنِ الْآخَرِ . وَرَوَى
الْمُفَضَّلُ عَنْ
عَاصِمٍ : " وَالْجَارِ الْجَنْبِ " بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْجَنْبِ النَّاحِيَةَ ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ : وَالْجَارِ ذِي الْجُنُبِ ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مَفْهُومٌ .
وَالْآخَرُ : أَنْ يَكُونَ وَصْفًا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ ، كَمَا يُقَالُ : فُلَانٌ كَرَمٌ وَجُودٌ .
النَّوْعُ التَّاسِعُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ) وَهُوَ الَّذِي صَحِبَكَ بِأَنْ حَصَلَ بِجَنْبِكَ إِمَّا رَفِيقًا فِي سَفَرٍ ، وَإِمَّا جَارًا مُلَاصِقًا ، وَإِمَّا شَرِيكًا فِي تَعَلُّمٍ أَوْ حِرْفَةٍ ، وَإِمَّا قَاعِدًا إِلَى جَنْبِكَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، مِنْ أَدْنَى صُحْبَةٍ الْتَأَمَتْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ ، فَعَلَيْكَ أَنْ تَرْعَى ذَلِكَ الْحَقَّ وَلَا تَنْسَاهُ وَتَجْعَلَهُ ذَرِيعَةً إِلَى الْإِحْسَانِ . قِيلَ : الصَّاحِبُ الْجَنْبُ : الْمَرْأَةُ ، فَإِنَّهَا تَكُونُ مَعَكَ وَتَضْجَعُ إِلَى جَنْبِكَ .
النَّوْعُ الْعَاشِرُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَابْنِ السَّبِيلِ ) وَهُوَ الْمُسَافِرُ الَّذِي انْقَطَعَ عَنْ بَلَدِهِ ، وَقِيلَ : الضَّيْفُ .
النَّوْعُ الْحَادِي عَشَرَ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19800_19804الْإِحْسَانَ إِلَى الْمَمَالِيكِ طَاعَةٌ عَظِيمَةٌ ، رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
[ ص: 79 ] "
مَنِ ابْتَاعَ شَيْئًا مِنَ الْخَدَمِ فَلَمْ تُوَافِقْ شِيمَتُهُ شِيمَتَهُ فَلْيَبِعْ وَلْيَشْتَرِ حَتَّى تُوَافِقَ شِيمَتُهُ شِيمَتَهُ ، فَإِنَّ لِلنَّاسِ شِيَمًا ، وَلَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ " وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012381الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012382وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ رَجُلٌ بِالْمَدِينَةِ يَضْرِبُ عَبْدَهُ ، فَيَقُولُ الْعَبْدُ : أَعُوذُ بِاللَّهِ ، وَيَسْتَمِعُهُ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالسَّيِّدُ كَانَ يَزِيدُهُ ضَرْبًا ، فَطَلَعَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : أَعُوذُ بِرَسُولِ اللَّهِ ، فَتَرَكَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّ اللَّهَ كَانَ أَحَقَّ أَنْ يُجَارَ عَائِذُهُ " قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَإِنَّهُ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - : " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تَقُلْهَا لَدَافَعَ وَجْهَكَ سَفْعُ النَّارِ " .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِحْسَانَ إِلَيْهِمْ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنْ لَا يُكَلِّفَهُمْ مَا لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِ .
وَثَانِيهَا : أَنْ لَا يُؤْذِيهِمْ بِالْكَلَامِ الْخَشِنِ ، بَلْ يُعَاشِرُهُمْ مُعَاشَرَةً حَسَنَةً .
وَثَالِثُهَا : أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنَ الطَّعَامِ وَالْكُسْوَةِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ . وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُسِيئُونَ إِلَى الْمَمْلُوكِ فَيُكَلِّفُونَ الْإِمَاءَ الْبِغَاءَ ، وَهُوَ الْكَسْبُ بِفُرُوجِهِنَّ وَبُضُوعِهِنَّ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : كُلُّ حَيَوَانٍ فَهُوَ مَمْلُوكٌ ، وَالْإِحْسَانُ إِلَى الْكُلِّ بِمَا يَلِيقُ بِهِ طَاعَةٌ عَظِيمَةٌ .
وَاعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ الْيَمِينِ تَأْكِيدٌ ، وَهُوَ كَمَا يُقَالُ : مَشَتْ رِجْلُكَ ، وَأُخِذَتْ يَدُكَ ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012383عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ " وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا ) [ يس : 71 ] وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى هَذِهِ الْأَصْنَافَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ) وَالْمُخْتَالُ ذُو الْخُيَلَاءِ وَالْكِبْرِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : يُرِيدُ بِالْمُخْتَالِ الْعَظِيمَ فِي نَفْسِهِ الَّذِي لَا يَقُومُ بِحُقُوقِ أَحَدٍ . قَالَ
الزَّجَّاجُ : وَإِنَّمَا ذَكَرَ الِاخْتِيَالَ هَهُنَا ، وَذَكَرْنَا اشْتِقَاقَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 14 ]
nindex.php?page=treesubj&link=24622وَمَعْنَى الْفَخْرِ التَّطَاوُلُ ، وَالْفَخُورُ الَّذِي يُعَدِّدُ مَنَاقِبَهُ كِبْرًا وَتَطَاوُلًا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : هُوَ الَّذِي يَفْخَرُ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ بِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ نِعَمِهِ ، وَإِنَّمَا خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ بِالذَّمِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَالَ هُوَ الْمُتَكَبِّرُ ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ مُتَكَبِّرًا فَإِنَّهُ قَلَّمَا يَقُومُ بِرِعَايَةِ الْحُقُوقِ ، ثُمَّ أَضَافَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=treesubj&link=32502ذَمَّ الْفَخُورِ ؛ لِئَلَّا يُقْدِمَ عَلَى رِعَايَةِ هَذِهِ الْحُقُوقِ لِأَجْلِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ ، بَلْ لِمَحْضِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى .