الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 115 ] ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أنه تعالى لما أمر الرعاة والولاة بالعدل في الرعية أمر الرعية بطاعة الولاة ، فقال : ( ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله ) ولهذا قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله ويؤدي الأمانة ، فإذا فعل ذلك فحق على الرعية أن يسمعوا ويطيعوا . وفي الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قالت المعتزلة : الطاعة موافقة الإرادة ، وقال أصحابنا : الطاعة موافقة الأمر لا موافقة الإرادة . لنا أنه لا نزاع في أن موافقة الأمر طاعة ، إنما النزاع أن المأمور به هل يجب أن يكون مرادا أم لا ؟ فإذا دللنا على أن المأمور به قد لا يكون مرادا ثبت حينئذ أن الطاعة ليست عبارة عن موافقة الإرادة ، وإنما قلنا : إن الله قد يأمر بما لا يريد ؛ لأن علم الله وخبره قد تعلقا بأن الإيمان لا يوجد من أبي لهب البتة ، وهذا العلم وهذا الخبر يمتنع زوالهما وانقلابهما جهلا ، ووجود الإيمان مضاد ومناف لهذا العلم ولهذا الخبر ، والجمع بين الضدين محال ، فكان صدور الإيمان من أبي لهب محالا . والله تعالى عالم بكل هذه الأحوال فيكون عالما بكونه محالا ، والعالم بكون الشيء محالا لا يكون مريدا له ، فثبت أنه تعالى غير مريد للإيمان من أبي لهب وقد أمره بالإيمان ، فثبت أن الأمر قد يوجد بدون الإرادة ، وإذا ثبت هذا وجب القطع بأن طاعة الله عبارة عن موافقة أمره لا عن موافقة إرادته ، وأما المعتزلة فقد احتجوا على أن الطاعة اسم لموافقة الإرادة بقول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                            رب من أنضجت غيظا صدره قد تمنى لي موتا لم يطع



                                                                                                                                                                                                                                            رتب الطاعة على التمني وهو من جنس الإرادة .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب : أن العاقل عالم بأن الدليل القاطع الذي ذكرناه لا يليق معارضته بمثل هذه الحجة الركيكة .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية