(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=5هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=5هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون )
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما ذكر الدلائل الدالة على الإلهية ، ثم فرع عليها صحة القول بالحشر والنشر ، عاد مرة أخرى إلى ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=28658الدلائل الدالة على الإلهية .
واعلم أن الدلائل المتقدمة في إثبات التوحيد والإلهية هي التمسك بخلق السماوات والأرض ، وهذا النوع إشارة إلى التمسك بأحوال الشمس والقمر ، وهذا النوع الأخير إشارة إلى ما يؤكد الدليل الدال على
[ ص: 28 ] nindex.php?page=treesubj&link=30340_30347صحة الحشر والنشر ، وذلك لأنه تعالى أثبت القول بصحة الحشر والنشر ، بناء على أنه لا بد من إيصال الثواب إلى أهل الطاعة ، وإيصال العقاب إلى أهل الكفر ، وأنه يجب في الحكمة تمييز المحسن عن المسيء ، ثم إنه تعالى ذكر في هذه الآية أنه جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل ؛ ليتوصل المكلف بذلك إلى معرفة السنين والحساب ، فيمكنه ترتيب مهمات معاشه من الزراعة والحراثة ، وإعداد مهمات الشتاء والصيف ، فكأنه تعالى يقول : تمييز المحسن عن المسيء والمطيع عن العاصي أوجب في الحكمة من تعليم أحوال السنين والشهور . فلما اقتضت الحكمة والرحمة خلق الشمس والقمر لهذا المهم الذي لا نفع له إلا في الدنيا . فبأن تقتضي الحكمة والرحمة تمييز المحسن عن المسيء بعد الموت ، مع أنه يقتضي النفع الأبدي والسعادة السرمدية كان ذلك أولى . فلما كان الاستدلال بأحوال الشمس والقمر من الوجه المذكور في هذه الآية مما يدل على التوحيد من وجه ، وعلى صحة القول بالمعاد من الوجه الذي ذكرناه ، لا جرم ذكر الله هذا الدليل بعد ذكر الدليل على صحة المعاد .
المسألة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=29426الاستدلال بأحوال الشمس والقمر على وجود الصانع المقدر هو أن يقال : الأجسام في ذواتها متماثلة ، وفي ماهياتها متساوية ، ومتى كان الأمر كذلك كان اختصاص جسم الشمس بضوئه الباهر وشعاعه القاهر ، واختصاص جسم القمر بنوره المخصوص لأجل الفاعل الحكيم المختار ، أما بيان أن الأجسام متماثلة في ذواتها وماهياتها ، فالدليل عليه أن الأجسام لا شك أنها متساوية في الحجمية والتحيز والجرمية ، فلو خالف بعضها بعضا لكانت تلك المخالفة في أمر وراء الحجمية والجرمية ؛ ضرورة أن ما به المخالفة غير ما به المشاركة ، وإذا كان كذلك فنقول : إن ما به حصلت المخالفة من الأجسام ، إما أن يكون صفة لها أو موصوفا بها ، أو لا صفة لها ولا موصوفا بها ، والكل باطل .
أما القسم الأول : فلأن ما به حصلت المخالفة لو كانت صفات قائمة بتلك الذوات ، فتكون الذوات في أنفسها مع قطع النظر عن تلك الصفات ، متساوية في تمام الماهية ، وإذا كان الأمر كذلك ، فكل ما يصح على جسم وجب أن يصح على كل جسم ، وذلك هو المطلوب .
وأما القسم الثاني : وهو أن يقال : إن الذي به خالف بعض الأجسام بعضا ، أمور موصوفة بالجسمية والتحيز والمقدار . فنقول : هذا أيضا باطل ؛ لأن ذلك الموصوف ، إما أن يكون حجما ومتحيزا أو لا يكون ، والأول باطل ، وإلا لزم افتقاره إلى محل آخر ، ويستمر ذلك إلى غير النهاية . وأيضا فعلى هذا التقدير يكون المحل مثلا للحال ، ولم يكن كون أحدهما محلا والآخر حالا أولى من العكس ، فيلزم كون كل واحد منهما محلا للآخر وحالا فيه ، وذلك محال ، وأما إن كان ذلك المحل غير متحيز ، وله حجم . فنقول : مثل هذا الشيء لا يكون له اختصاص بحيز ولا تعلق بجهة ، والجسم مختص بالحيز وحاصل في الجهة ، والشيء الذي يكون واجب الحصول في الحيز والجهة ، يمتنع أن يكون حالا في الشيء الذي يمتنع حصوله في الحيز والجهة .
وأما القسم الثالث ، وهو أن يقال : ما به خالف جسم جسما ، لا حال في الجسم ولا محل له ، فهذا أيضا باطل ؛ لأن على هذا التقدير يكون ذلك الشيء شيئا مباينا عن الجسم لا تعلق له به ، فحينئذ تكون ذوات الأجسام من حيث ذواتها متساوية في تمام الماهية ، وذلك هو المطلوب ، فثبت أن الأجسام بأسرها
[ ص: 29 ] متساوية في تمام الماهية .
وإذا ثبت هذا فنقول : الأشياء المتساوية في تمام الماهية تكون متساوية في جميع لوازم الماهية ، فكل ما صح على بعضها وجب أن يصح على الباقي ، فلما صح على جرم الشمس اختصاصه بالضوء القاهر الباهر ، وجب أن يصح مثل ذلك الضوء القاهر على جرم القمر أيضا ، وبالعكس . وإذا كان كذلك وجب أن يكون اختصاص جرم الشمس بضوئه القاهر ، واختصاص القمر بنوره الضعيف بتخصيص مخصص وإيجاد موجد وتقدير مقدر ، وذلك هو المطلوب ، فثبت أن اختصاص الشمس بذلك الضوء بجعل جاعل ، وأن اختصاص القمر بذلك النوع من النور بجعل جاعل ، فثبت بالدليل القاطع صحة قوله سبحانه وتعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=5هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا ) وهو المطلوب .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=5هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=5هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الدَّلَائِلَ الدَّالَّةَ عَلَى الْإِلَهِيَّةِ ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهَا صِحَّةَ الْقَوْلِ بِالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ ، عَادَ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى ذِكْرِ
nindex.php?page=treesubj&link=28658الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى الْإِلَهِيَّةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّلَائِلَ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي إِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ وَالْإِلَهِيَّةِ هِيَ التَّمَسُّكُ بِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَهَذَا النَّوْعُ إِشَارَةٌ إِلَى التَّمَسُّكِ بِأَحْوَالِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، وَهَذَا النَّوْعُ الْأَخِيرُ إِشَارَةٌ إِلَى مَا يُؤَكِّدُ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى
[ ص: 28 ] nindex.php?page=treesubj&link=30340_30347صِحَّةِ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِيصَالِ الثَّوَابِ إِلَى أَهْلِ الطَّاعَةِ ، وَإِيصَالِ الْعِقَابِ إِلَى أَهْلِ الْكُفْرِ ، وَأَنَّهُ يَجِبُ فِي الْحِكْمَةِ تَمْيِيزُ الْمُحْسِنِ عَنِ الْمُسِيءِ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ ؛ لِيَتَوَصَّلَ الْمُكَلَّفُ بِذَلِكَ إِلَى مَعْرِفَةِ السِّنِينَ وَالْحِسَابِ ، فَيُمْكِنُهُ تَرْتِيبُ مُهِمَّاتِ مَعَاشِهِ مِنَ الزِّرَاعَةِ وَالْحِرَاثَةِ ، وَإِعْدَادِ مُهِمَّاتِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : تَمْيِيزُ الْمُحْسِنِ عَنِ الْمُسِيءِ وَالْمُطِيعِ عَنِ الْعَاصِي أَوْجَبُ فِي الْحِكْمَةِ مِنْ تَعْلِيمِ أَحْوَالِ السِّنِينَ وَالشُّهُورِ . فَلَمَّا اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ وَالرَّحْمَةُ خَلْقَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لِهَذَا الْمُهِمِّ الَّذِي لَا نَفْعَ لَهُ إِلَّا فِي الدُّنْيَا . فَبِأَنْ تَقْتَضِيَ الْحِكْمَةُ وَالرَّحْمَةُ تَمْيِيزَ الْمُحْسِنِ عَنِ الْمُسِيءِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، مَعَ أَنَّهُ يَقْتَضِي النَّفْعَ الْأَبَدِيَّ وَالسَّعَادَةَ السَّرْمَدِيَّةَ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى . فَلَمَّا كَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِأَحْوَالِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مِنَ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى التَّوْحِيدِ مِنْ وَجْهٍ ، وَعَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالْمَعَادِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ، لَا جَرَمَ ذَكَرَ اللَّهُ هَذَا الدَّلِيلَ بَعْدَ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ الْمَعَادِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29426الِاسْتِدْلَالُ بِأَحْوَالِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ الْمُقَدِّرِ هُوَ أَنْ يُقَالَ : الْأَجْسَامُ فِي ذَوَاتِهَا مُتَمَاثِلَةٌ ، وَفِي مَاهِيَّاتِهَا مُتَسَاوِيَةٌ ، وَمَتَى كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَانَ اخْتِصَاصُ جِسْمِ الشَّمْسِ بِضَوْئِهِ الْبَاهِرِ وَشُعَاعِهِ الْقَاهِرِ ، وَاخْتِصَاصُ جِسْمِ الْقَمَرِ بِنُورِهِ الْمَخْصُوصِ لِأَجْلِ الْفَاعِلِ الْحَكِيمِ الْمُخْتَارِ ، أَمَّا بَيَانُ أَنَّ الْأَجْسَامَ مُتَمَاثِلَةٌ فِي ذَوَاتِهَا وَمَاهِيَّاتِهَا ، فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَجْسَامَ لَا شَكَّ أَنَّهَا مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْحَجْمِيَّةِ وَالتَّحَيُّزِ وَالْجِرْمِيَّةِ ، فَلَوْ خَالَفَ بَعْضُهَا بَعْضًا لَكَانَتْ تِلْكَ الْمُخَالَفَةُ فِي أَمْرٍ وَرَاءَ الْحَجْمِيَّةِ وَالْجِرْمِيَّةِ ؛ ضَرُورَةَ أَنَّ مَا بِهِ الْمُخَالَفَةُ غَيْرُ مَا بِهِ الْمُشَارَكَةُ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَنَقُولُ : إِنَّ مَا بِهِ حَصَلَتِ الْمُخَالَفَةُ مِنَ الْأَجْسَامِ ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ صِفَةً لَهَا أَوْ مَوْصُوفًا بِهَا ، أَوْ لَا صِفَةً لَهَا وَلَا مَوْصُوفًا بِهَا ، وَالْكُلُّ بَاطِلٌ .
أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : فَلِأَنَّ مَا بِهِ حَصَلَتِ الْمُخَالَفَةُ لَوْ كَانَتْ صِفَاتٍ قَائِمَةً بِتِلْكَ الذَّوَاتِ ، فَتَكُونُ الذَّوَاتُ فِي أَنْفُسِهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ ، مُتَسَاوِيَةً فِي تَمَامِ الْمَاهِيَّةِ ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، فَكُلُّ مَا يَصِحُّ عَلَى جِسْمٍ وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ عَلَى كُلِّ جِسْمٍ ، وَذَلِكَ هُوَ الْمَطْلُوبُ .
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي : وَهُوَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ الَّذِي بِهِ خَالَفَ بَعْضُ الْأَجْسَامِ بَعْضًا ، أُمُورٌ مَوْصُوفَةٌ بِالْجِسْمِيَّةِ وَالتَّحَيُّزِ وَالْمِقْدَارِ . فَنَقُولُ : هَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَوْصُوفَ ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَجْمًا وَمُتَحَيِّزًا أَوْ لَا يَكُونَ ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ ، وَإِلَّا لَزِمَ افْتِقَارُهُ إِلَى مَحَلٍّ آخَرَ ، وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِ النِّهَايَةِ . وَأَيْضًا فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْمَحَلُّ مَثَلًا لِلْحَالِّ ، وَلَمْ يَكُنْ كَوْنُ أَحَدِهِمَا مَحَلًّا وَالْآخَرِ حَالًّا أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ ، فَيَلْزَمُ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحَلًّا لِلْآخَرِ وَحَالًّا فِيهِ ، وَذَلِكَ مُحَالٌ ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ غَيْرَ مُتَحَيِّزٍ ، وَلَهُ حَجْمٌ . فَنَقُولُ : مِثْلُ هَذَا الشَّيْءِ لَا يَكُونُ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِحَيِّزٍ وَلَا تَعَلُّقٌ بِجِهَةٍ ، وَالْجِسْمُ مُخْتَصٌّ بِالْحَيِّزِ وَحَاصِلٌ فِي الْجِهَةِ ، وَالشَّيْءُ الَّذِي يَكُونُ وَاجِبَ الْحُصُولِ فِي الْحَيِّزِ وَالْجِهَةِ ، يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ حَالًّا فِي الشَّيْءِ الَّذِي يَمْتَنِعُ حُصُولُهُ فِي الْحَيِّزِ وَالْجِهَةِ .
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ : مَا بِهِ خَالَفَ جِسْمٌ جِسْمًا ، لَا حَالٌّ فِي الْجِسْمِ وَلَا مَحَلٌّ لَهُ ، فَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ شَيْئًا مُبَايِنًا عَنِ الْجِسْمِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ ، فَحِينَئِذٍ تَكُونُ ذَوَاتُ الْأَجْسَامِ مِنْ حَيْثُ ذَوَاتِهَا مُتَسَاوِيَةً فِي تَمَامِ الْمَاهِيَّةِ ، وَذَلِكَ هُوَ الْمَطْلُوبُ ، فَثَبَتَ أَنَّ الْأَجْسَامَ بِأَسْرِهَا
[ ص: 29 ] مُتَسَاوِيَةٌ فِي تَمَامِ الْمَاهِيَّةِ .
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : الْأَشْيَاءُ الْمُتَسَاوِيَةُ فِي تَمَامِ الْمَاهِيَّةِ تَكُونُ مُتَسَاوِيَةً فِي جَمِيعِ لَوَازِمَ الْمَاهِيَّةِ ، فَكُلُّ مَا صَحَّ عَلَى بَعْضِهَا وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ عَلَى الْبَاقِي ، فَلَمَّا صَحَّ عَلَى جِرْمِ الشَّمْسِ اخْتِصَاصُهُ بِالضَّوْءِ الْقَاهِرِ الْبَاهِرِ ، وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ مِثْلُ ذَلِكَ الضَّوْءِ الْقَاهِرِ عَلَى جِرْمِ الْقَمَرِ أَيْضًا ، وَبِالْعَكْسِ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ اخْتِصَاصُ جِرْمِ الشَّمْسِ بِضَوْئِهِ الْقَاهِرِ ، وَاخْتِصَاصُ الْقَمَرِ بِنُورِهِ الضَّعِيفِ بِتَخْصِيصِ مُخَصِّصٍ وَإِيجَادِ مُوجِدٍ وَتَقْدِيرِ مُقَدِّرٍ ، وَذَلِكَ هُوَ الْمَطْلُوبُ ، فَثَبَتَ أَنَّ اخْتِصَاصَ الشَّمْسِ بِذَلِكَ الضَّوْءِ بِجَعْلِ جَاعِلٍ ، وَأَنَّ اخْتِصَاصَ الْقَمَرِ بِذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ النُّورِ بِجَعْلِ جَاعِلٍ ، فَثَبَتَ بِالدَّلِيلِ الْقَاطِعِ صِحَّةُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=5هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا ) وَهُوَ الْمَطْلُوبُ .