الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( ثم يقرأ الفاتحة مرتبة متوالية مشددة ) أي بتشديداتها ، وهي ركن في كل ركعة لحديث عبادة مرفوعا { لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب } متفق عليه .

                                                                                                                      وفي لفظ { لا تجزئ صلاة من لم يقرأ بفاتحة الكتاب } رواه الدارقطني ، وقال إسناده صحيح .

                                                                                                                      وعن أبي هريرة مرفوعا { من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج يقول ثلاثا } رواه مسلم والخداج النقصان في الذات نقص فساد ، وبطلان تقول العرب أخدجت الناقة ولدها ، أي ألقته وهو دم لم يتم خلقه فإن نسيها في ركعة لم يعتد بها وسميت فاتحة [ ص: 337 ] لأنه يفتتح بقراءتها في الصلاة ، وبكتابتها في المصاحف وتسمى الحمد والسبع المثاني وأم الكتاب والراقية ، والشافية ، والأساس ، والصلاة ، وأم القرآن لأن المقصود منه - تقريرا - أمور الإلهيات والمعاد ، والنبوات ، وإثبات القضاء والقدر لله تعالى فالحمد لله إلى الرحيم يدل على الإلهيات " ومالك يوم الدين " يدل على المعاد ، " وإياك نعبد وإياك نستعين " يدل على نفي الجبر والقدر ، وعلى أن كلا بقضاء الله " واهدنا الصراط المستقيم " إلى آخرها : يدل على النبوات وتسمى : الشفاء والشافية ، والسؤال ، والدعاء .

                                                                                                                      وقال الحسن أودع الله فيها معاني القرآن كما أودع فيه معاني الكتب السابقة ( والمستحب أن يأتي بها مرتلة معربة ) لقوله تعالى { ورتل القرآن ترتيلا } ويأتي لذلك تتمة في أحكام القرآن ( يقف فيها ) أي : الفاتحة ( عند كل آية ) لقراءته صلى الله عليه وسلم ( وإن ) أي : ولو ( كانت الآية الثانية متعلقة بالأولى متعلق الصفة بالموصوف ) كالرحمن الرحيم بعد الحمد لله رب العالمين ( أو ) كانت متعلقة بها ( غير ذلك ) التعلق ، كتعلق البدل بالمبدل منه ، كصراط الذين أنعمت ، بعد اهدنا الصراط المستقيم .

                                                                                                                      ( ويمكن حروف المد واللين ) وهي الألف اللينة والواو المضموم ما قبلها ، والياء المكسور ما قبلها لقوله تعالى { ورتل القرآن ترتيلا } ( ما لم يخرجه ذلك ) التمكين ( إلى التمطيط ) فيتركه ( وهي ) أي الفاتحة ( أعظم سورة في القرآن ) وقال الشيخ تقي الدين : هي أفضل سورة وذكر ابن شهاب وغيره معناه لقوله صلى الله عليه وسلم فيها { أعظم سورة في القرآن } ( وأعظم آية فيه ) أي : القرآن ( آية الكرسي ) كما رواه أحمد ومسلم عنه صلى الله عليه وسلم ومنه : يؤخذ أن بعض القرآن قد يكون أفضل من بعض باعتبار متعلقه من المعاني والبلاغة ، وغير ذلك .

                                                                                                                      ولا يمنع من ذلك كون الجميع صفة لله تعالى لما ذكرنا من أن التفضل باعتبار المتعلق لا بالذات وللترمذي وغيره " أنها - آية الكرسي سيدة آي القرآن .

                                                                                                                      ( وفيها ) أي : الفاتحة ( إحدى عشرة تشديدة ) وذلك في : لله ، ورب ، والرحمن ، والرحيم ، والدين ، وإياك ، وإياك ، والصراط ، والذين ، وفي الضالين ثنتان .

                                                                                                                      وأما البسملة ففيها ثلاث تشديدات ( فإن ترك ترتيبها ) أي الفاتحة ، بأن قدم بعض الآيات على بعض لم يعتد بها لأن ترتيبها شرط صحة قراءتها فإن من نكسها لا يسمى قارئا لها عرفا وقال في الشرح عن القاضي : وإن قدم آية منها في غير موضعها [ ص: 338 ] عمدا أبطلها .

                                                                                                                      وإن كان غلطا رجع فأتمها ( أو ) ترك ( حرفا منها ) أي الفاتحة ، لم يعتد بها لأنه لم يقرأها ، وإنما قرأ بعضها ، ( أو ) ترك ( تشديدة ) منها ( لم يعتد بها ) لأن التشديدة بمنزلة حرف ، فإن الحرف المشدد قائم مقام حرفين ، فإذا أخل بها فقد أخل بحرف قال في شرح الفروع : وهذا إذا فات محلها وبعد عنه بحيث يخل بالموالاة ، أما لو كان قريبا منه فأعاد الكلمة ، أجزأه ذلك ، لأنه يكون بمثابة من نطق بها على غير الصواب فيأتي بها على وجه الصواب .

                                                                                                                      قال : وهذا كله يقتضي عدم بطلان صلاته ، ومقتضى ذلك : أن يكون ترك التشديدة سهوا أو خطأ ، أما لو تركها عمدا فقاعدة المذهب تقتضي بطلان صلاته إن انتقل عن محلها ، كغيرها من الأركان ، فأما ما دام في محلها ، وهو حرفها لم تبطل صلاته ، ا هـ وفيه نظر فإن الفاتحة ركن واحد محله القيام ، لأن كل حرف ركن .

                                                                                                                      ( تتمة ) إذا أظهر المدغم ، مثل أن يظهر " لام " الرحمن ، فصلاته صحيحة لأنه إنما ترك الإدغام ، وهو لحن لا يحيل المعنى ذكره في الشرح ( وإن قطعها ) أي : الفاتحة ( غير مأموم ) وهو الإمام أو المنفرد ( بذكر ) كثير ( أو دعاء ) كثير ( أو قرآن كثير ، أو سكوت طويل عمدا ، لزمه استئنافها ) لاختلال نظمها ( لا إن كان ) القرآن أو الذكر أو الدعاء ( يسيرا ) فلا يلزمه استئنافها لعدم إخلاله بنظمها ( أو ) كان القرآن أو الذكر أو الدعاء ( كثيرا سهوا أو نوما ) فلا يلزمه استئنافها لحديث { عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان } ( أو انتقل ) عن الفاتحة ( إلى ) قراءة ( غيرها غلطا فطال ) ذلك فلا يلزمه استئنافها لما تقدم ، ( ولا يضر ) القطع ( في حق مأموم إن كان القطع ) مشروعا .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية