الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1031 - مسألة : وأكل الطين لمن لا يستضر به حلال ، وأما أكل ما يستضر به من طين أو إكثار من الماء أو الخبز - : فحرام ; لأنه ليس مما فصل تحريمه لنا فهو حلال ، وأما كل ما أضر فهو حرام ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { إن الله كتب الإحسان على كل شيء } . روينا من طريق شعبة ، وسفيان ، وهشيم ، ومنصور بن المعتمر ، وابن علية ، وعبد الوهاب بن عبد المجيد ، كلهم عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن شداد بن أوس أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن الله كتب الإحسان على كل شيء } وذكر باقي الحديث ، فمن أضر بنفسه أو بغيره فلم يحسن ، ومن لم يحسن فقد خالف كتاب الله تعالى الإحسان على كل شيء . وقد روي في تحريم الطين آثار كاذبة - : منها : من طريق سويد بن سعيد الحدثاني وهو مذكور بالكذب ، ومرسلات - واحتج بعضهم بقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض } . قال : والطين ليس مما أخرج لنا من الأرض . قال أبو محمد : وهذا من التمويه الذي جروا على عادتهم فيه في إيهامهم أنهم يحتجون ، وإنما يأتون بما لا حجة لهم فيه ، وهذه الآية حق ولكن ليس فيها تحريم أكل ما لم يخرج لنا من الأرض وإنما فيها إباحة ما أخرج لنا من الأرض وليس فيها ذكر ما عدا ذلك لا بتحليل ولا بتحريم ; فحكم ما لم يخرج من الأرض مطلوب من غيرها . ولو كانت هذه الآية مانعة من أكل ما لم يخرج من الأرض لحرم أكل الحيوان كله بريه وبحريه ، ولحرم أكل العسل ، والطرنجبين ، والبرد ، والثلج ، لأنه ليس شيء من ذلك مما أخرج الله تعالى لنا من الأرض ; فالطين واحد من هذه فكيف وهو مما في الأرض ومما أخرج الله تعالى من الأرض ؟ لأنه معادن في الأرض مستخرجة من الأرض ، ولقد كان ينبغي لمن له دين أن لا يحتج بمثل هذا مما يفتضح فيه من قرب - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 112 ] وقد علمنا أن القليل من الفطر والكمأة ، ولحم التيس الهرم أضر من قليل الطين ، وأتى بعضهم بطريفة فقال : خلقنا من التراب فمن أكل التراب فقد أكل ما خلق منه . فقلنا : فكان ماذا ؟ وعلى هذا الاستدلال السخيف يحرم شرب الماء لأننا من الماء خلقنا بنص القرآن .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية