الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال ( ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثا ثلاثا ) ومن الناس من قال وظيفة الطهارة في الرجل المسح وقال الحسن البصري رحمه الله المضرور يتخير بين المسح والغسل وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال نزل القرآن بغسلين ومسحين يريد به القراءة بالكسر في قوله تعالى : { وأرجلكم إلى الكعبين } ، فإنه معطوف على الرأس وكذلك القراءة بالنصب عطف على الرأس من حيث المحل ، فإن الرأس محله من الإعراب النصب ، وإنما صار محفوظا بدخول حرف الجر وهو كقول القائل :

معاوي إننا بشر فأسجح فلسنا بالجبال ولا الحديدا

.

( ولنا ) : { أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على غسل الرجلين } وبه أمر من علمه الوضوء { ورأى رجلا يلوح عقبه فقال : ويل للأعقاب من النار } ، وفي رواية { ويل للعراقيب من النار } ، وكذلك القراءة بالنصب تنصيص على الأمر بالغسل وأنه عطف على اليد ; لأن العطف على المحل لا يجوز في موضع يؤدي إلى الالتباس إنما ذلك في موضع لا يؤدي إلى الاشتباه كما في البيت . والقراءة بالخفض عطف على الأيدي أيضا ، وإنما صار مخفوضا بالمجاورة كما يقال جحر ضب خرب وماء شن بارد أي خرب وبارد . ( فإن قيل : ) الاتباع بالمجاورة مع حرف العطف لم تتكلم به العرب . ( قلنا ) لا كذلك بل جوزوا الاتباع في الفعل مع حرف العطف قال القائل

علفتها تبنا وماء باردا

والماء لا يعلف ولكنه اتباع للمجاورة وكذلك في الإعراب قال جرير

فهل أنت إن ماتت أتانك راحل     إلى آل بسطام بن قيس فخاطب

[ ص: 9 ] أي فخاطب جوز الاتباع مع حرف العطف وهو الفاء .

وأما الكعب فهو العظم الناتئ المتصل بعظم الساق وهو المفهوم في اللسان إذا قيل ضرب كعب فلان وقال عليه الصلاة والسلام : { ألصقوا الكعاب بالكعاب في الصلاة } ، وفي قوله : { إلى الكعبين } دليل على هذا ; لأن ما يوحد من خلق الإنسان يذكر تثنيته بعبارة الجمع كما قال - تعالى - : { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } أي قلباكما وما كان مثنى يذكر تثنيته بعبارة التثنية فلما قال إلى الكعبين عرفنا أنه مثنى في كل رجل ، وذلك العظم الناتئ ، وروى هشام عن محمد رحمه الله أنه قال : المفصل الذي في وسط القدم عند معقد الشراك ووجهه أن الكعب اسم للمفصل ومنه كعوب الرمح أي مفاصله والذي في وسط القدم مفصل وهو المتيقن به وهذا سهو من هشام لم يرد محمد رحمه الله تعالى تفسير الكعب بهذا في الطهارة ، وإنما أراد في المحرم إذا لم يجد نعلين أنه يقطع خفيه أسفل من الكعبين وفسر الكعب بهذا ، فأما في الطهارة ، فلا شك أنه العظم الناتئ كما فسره في الزيادات فإن توضأ مثنى مثنى أجزأه وإن توضأ مرة سابغة أجزأه وتفسير السبوغ التمام وهو أن يمر الماء على كل جزء من المغسولات جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم : { توضأ مرة مرة } ، والأصل فيه ما رواه ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : { توضأ فغسل وجهه ثلاثا وذراعيه مرتين . وعبد الله بن عمر كان كثيرا ما يتوضأ مرة مرة . وقال هذا وضوء لا يقبل الله - تعالى - الصلاة إلا به ، ثم توضأ مرتين مرتين وقال هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرتين ، ثم توضأ ثلاثا ثلاثا وقال هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي ووضوء خليل الله إبراهيم عليه السلام فمن زاد أو نقص فقد تعدى وظلم } ، أي زاد على أعضاء الوضوء أو نقص عنها أو زاد على الحد المحدود أو نقص عنه أو زاد على الثلاث معتقدا أن كمال السنة لا يحصل بالثلاث ، فأما إذا زاد لطمأنينة القلب عند الشك أو بنية وضوء آخر ، فلا بأس به ; لأن الوضوء على الوضوء نور على نور يوم القيامة ، وقد أمر بترك ما يريبه إلى ما لا يريبه ، ولم يذكر الاستنجاء بالماء هنا ; لأن مقصوده تعليم الوضوء عند القيام من المنام وليس فيه استنجاء ، ولأن الاستنجاء بالماء بعد الإنقاء بالحجر ليس من السنن الراتبة وكان الحسن البصري رحمه الله يقول : إن هذا شيء أحدث بعد انقضاء عصر الصحابة رضوان الله عليهم ، وربما قال هو طهور النساء والمذهب أنه ليس من السنن الراتبة بل لاكتساب زيادة الفضيلة . جاء في [ ص: 10 ] الحديث أنه لما نزل قوله تعالى : { فيه رجال يحبون أن يتطهروا } { قال عليه الصلاة والسلام : لأهل قباء ما هذه الطهرة التي خصصتم بها فقالوا إنا كنا نتبع الأحجار الماء فقال هو ذاك } ، ولم يذكر فيه مسح الرقبة ، وبعض مشايخنا يقول إنه ليس من أعمال الوضوء والأصح أنه مستحسن في الوضوء قال ابن عمر رضي الله عنهما امسحوا رقابكم قبل أن تغل بالنار ولم يذكر تحريك الخاتم ولا نزعه وذكر أبو سليمان عن محمد رحمه الله أن نزع الخاتم في الوضوء ليس بشيء والحاصل أنه إن كان واسعا يدخله الماء ، فلا حاجة إلى النزع والتحريك ، وإن كان ضيقا لا يدخل الماء تحته ، فلا بد من تحريكه ، وفي التيمم لا بد من نزعه ولو لم يفعل لا تجزئه صلاته .

ثم سنن الوضوء وآدابه فرقها محمد رحمه الله تعالى في الكتاب فنذكر كل فصل في موضعه - إن شاء الله تعالى - تحرزا عن التطويل

التالي السابق


الخدمات العلمية