الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( وإذا نسي المضمضة ، والاستنشاق في الجنابة حتى صلى لم يجزه ) ، وهو عندنا المضمضة ، والاستنشاق فرضان في الجنابة سنتان في الوضوء ، وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه سنتان فيهما ، وقال أهل الحديث فرضان فيهما ، ومنهم من أوجب الاستنشاق دون المضمضة ، واستدلوا بمواظبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها في الوضوء ، ولكنا نقول كان يواظب في العبادات على ما فيه تحصيل الكمال كما يواظب على الأركان .

وفي كتاب الله تعالى أمر بتطهير أعضاء مخصوصة ، والزيادة على النص لا تجوز إلا بما يثبت به النسخ ، وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابي الوضوء ، ولم يذكرهما فيه . والشافعي رحمه الله تعالى استدل بقوله تعالى { وإن كنتم جنبا فاطهروا } ، والإطهار إمرار الطهور على الظواهر من البدن ، والفم في حكم الباطن بدليل أن الصائم إذا ابتلع بزاقه لم يضره ، وبدليل الوضوء فالفم ، والأنف موضعهما الوجه ، والغسل فرض فيهما .

وبدليل غسل الميت فإنه ليس فيه مضمضة ، ولا استنشاق ، وإمامنا في المسألة ابن عباس رضي الله عنهما فإنه قال : هما فرضان في الجنابة سنتان في الوضوء ، وقال صلى الله عليه وسلم { تحت كل شعرة جنابة ألا فبلوا الشعر ، وأنقوا البشرة } ، وفي الفم بشرة .

قال ابن الأعرابي البشرة الجلدة التي تقي اللحم من الأذى ، وقال صلى الله عليه وسلم { من ترك موضع شعرة في الجنابة عذبه الله بالنار } كذا قال علي رضي الله تعالى عنه فمن ثم عاديت شعري ، وفي الأنف شعرات ، والمعنى أن للفم حكمين حكم الظاهر من وجه حتى إذا أخذ الصائم الماء بفيه لم يضره ، وحكم الباطن من وجه كما قال ففيما يعم جميع الظاهر ألحقناه بالظاهر ، وفيما يخص بعضه ألحقناه بالباطن ; لأنه لما جعل بعض ما هو ظاهر من كل وجه عفوا فما هو باطن من وجه أولى ، ولأن الجنابة تحل الفم ، والأنف بدليل أن الجنب ممنوع عن قراءة القرآن .

والحدث لا يحلهما بدليل أن المحدث لا يمنع من قراءة القرآن ، وفي غسل الميت سقوط المضمضة ، والاستنشاق للتعذر ; لأنه لا يمكنه كبه حتى يخرج الماء من فيه ، وبدونه يكون سقيا لا مضمضة .

إذا ثبت هذا فنقول في كل موضع ترك شيئا من الفرائض لم يصح شروعه في الصلاة حتى إذا قهقه لا يلزمه إعادة الوضوء [ ص: 63 ] لأنه لم يصادف حرمة الصلاة في كل موضع ترك شيئا من المسنون صح شروعه في الصلاة فإذا قهقه فعليه إعادة الوضوء ، وإن كان متنقلا فعليه إعادة الصلاة ، وإن مسح رأسه بماء أخذه من لحيته لم يجزه ; لأنه مسح بالماء المستعمل فإن الماء إذا فارق عضوه يصير مستعملا ، وذلك مروي عن علي وابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، والذي روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الماء من لحيته ، واستعمله في لمعة رآها } تأويله في الجنابة ، وجميع البدن في الجنابة كعضو ، واحد ، وإن كان في كفه بلل فمسحه به أجزأه ; لأن الماء الذي بقي في كفه غير مستعمل فهو كالباقي في إنائه ، وقال الحاكم ، وهذا إذا لم يكن استعمله في شيء من أعضائه ، وهو غلط منه فإنه إذا استعمله في شيء من المغسولات لم يضره ; لأن فرض الغسل تأدى بما جرى على عضوه لا بالبلة الباقية في كفه إلا أن يكون استعمله في المسح بالخف ، وحينئذ الأمر على ما قاله الحاكم ; لأن فرض المسح يتأدى بالبلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية