الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال ( وإن خرج من جرحه دم ، أو صديد ، أو قيح فسال عن رأس الجرح نقض الوضوء عندنا ) ، وهو قول علي وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما ، وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا ينتقض الوضوء ، وهو قول ابن عباس وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما ، واحتج الشافعي رحمه الله تعالى بقوله صلى الله عليه وسلم { لا وضوء إلا من حدث ، قيل وما الحدث ؟ قال : صوت ، أو ريح } ، وهذا إشارة إلى موضع الحدث لا عينيه فدل أن الحدث ما يكون من السبيل المعتاد ، والمعنى فيه أن قليل الخارج من غير السبيل ليس بحدث بالاتفاق ، وما يكون حدثا فالقليل منه ، والكثير سواء كالخارج من السبيل ، والدليل عليه الريح إذا خرج من الجرح لم يكن حدثا بخلاف ما إذا خرج من السبيل ، وهذا ; لأن الشرع أقام المخرج مقام الخارج في ثبوت حكم الحدث فما لا يخرج منه إلا النجاسة جعل الخارج منه حدثا ، ونجسا ، وما يختلف الخارج منه لم يكن حدثا ، وإن خرج منه ما هو نجس تيسيرا للأمر .

( ولنا ) حديث زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { الوضوء من كل دم سائل } ، وقال سلمان رضي الله تعالى عنه { مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والدم يسيل من أنفي فقال أحدث لما حدث بك وضوء } ، والمعنى فيه أنه خارج نجس ، وصل إلى موضع يلحقه حكم التطهير فكان حدثا كالخارج من السبيل ، وهذا ; لأن الحكم للخارج دون المخرج حتى الواجب باختلاف الخارج فخروج المني يوجب الغسل ، وخروج المذي يوجب الوضوء ، والمخرج واحد ، وهو بخلاف القليل الذي لم يسل ; لأنه ما صار خارجا إنما تقشر عنه الجلد فظهر ما هو في موضعه ، والشيء لا يعطى له حكم النجاسة ، وفي السبيل ، وإن قل ما ظهر فقد فارق مكانه ، وكذلك الريح إذا خرج من السبيل ، ومعه قليل شيء ، وذلك كاف في انتقاض الطهارة بخلاف الخارج من غير السبيل . يقرر ما قلنا أنه وجب عليه غسل ذلك الموضع لمعنى من [ ص: 77 ] بدنه فيكون حدثا كالخارج من السبيل بخلاف ما إذا لم يسل فإنه لم يلزمه غسل ذلك الموضع ، وبخلاف ما إذا أصابته نجاسة ; لأن وجوب غسله لم يكن لمعنى من بدنه فلا تتغير صفة طهارة بدنه ، ثم حاصل المذهب أن الدم سال بقوة نفسه حتى انحدر انتقض به الوضوء ، وإن لم ينحدر ، ولكنه علا فصار أكثر من رأس الجرح لم تنتقض به الطهارة إلا في رواية شاذة عن محمد رحمه الله تعالى فإنه إن مسحه قبل أن يسيل فإن كان بحال لو ترك لسال فعليه الوضوء ، وإن كان بحال لو تركه لم يسل فلا وضوء عليه لحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال في الدم إذ سال عن رأس الجرح فهو حدث ، وإلا فلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية