الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( و ) أن ( يصلي بعده ركعتين ) و الأفضل للاتباع رواه الشيخان فعلهما ( خلف المقام ) الذي أنزل من الجنة ليقوم عليه إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه وسلم عند بناء الكعبة لما أمر به وأري محلها بسحابة على قدرها فكان يقصر به إلى أن يتناول الآلة من إسماعيل صلى الله عليه وسلم ثم يطول إلى أن يضعها ثم بقي مع طول الزمن وكثرة الأعداء بجنب باب الكعبة حتى وضعه صلى الله عليه وسلم بمحله الآن على الأصح من اضطراب في ذلك ، ولما صلى خلفه ركعتي الطواف قرأ { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } كما قرأ ما يتعلق بالصفا والمشعر الحرام عند وصوله إليهما إعلاما للأمة بشرفها ، وإحياء لذكر إبراهيم كما أحيا ذكره بكما صليت على إبراهيم في كل صلاة ؛ لأنه الأب الرحيم الداعي ببعثة نبينا صلى الله عليه وسلم في هذه الأمة لهدايتهم وتكميلهم ، والمراد بخلفه كل ما يصدق عليه ذلك عرفا وحدث الآن في السقف خلفه زينة عظيمة بذهب وغيره فينبغي عدم الصلاة تحتها ويليه في الفضل داخل الكعبة فتحت الميزاب فبقية الحجر فالحطيم فوجه الكعبة فبين اليمانيين فبقية المسجد فدار خديجة رضي الله عنها فمكة فالحرم كما بينته في الحاشية وغيرها وتوقف الإسنوي في داخل الكعبة ردوه بأن فعلهما خلف المقام هو الثابت عنه صلى الله عليه وسلم وبأنه لا خلاف بين الأمة في أفضلية ذلك بل قال الثوري ولا يجوز فعلهما إلا خلفه ومالك أن أداءهما يختص به ويرد أيضا بتصريحهم بأن النافلة في البيت أفضل منها بالكعبة للاتباع .

                                                                                                                              ( يقرأ ) ندبا ( في الأولى ) بعد الفاتحة ( { قل يا أيها الكافرون } وفي الثانية ) بعدها أيضا ( الإخلاص ) للاتباع رواه مسلم [ ص: 93 ] ( ويجهر ) ولو بحضرة الناس ( ليلا ) وبعد الفجر إلى طلوع الشمس ولا يعارضه خلافا لمن ظنه قولهم يسن التوسط في نافلة الليل بين الجهر والإسرار ؛ لأن محله في النافلة المطلقة ولو نواها مع ما سن الإسرار فيه كراتبة العشاء احتمل ندب الجهر مراعاة لها لتميزها بالخلاف الشهير في وجوبها والسر مراعاة للراتبة ؛ لأنها أفضل منها كما صرحوا به وهذا أقرب ثم رأيت بعضهم بحث أنه يتوسط بين الإسرار والجهر مراعاة للصلاتين وفيه نظر ؛ لأن التوسط بينهما بفرض تصوره وأنه واسطة بينهما ليس فيه مراعاة لواحدة منهما على أنهم لم يقولوا به إلا في النافلة المطلقة كما تقرر ( وفي قول تجب الموالاة ) بين أشواطه وبعضها ( والصلاة ) عقب الطواف الفرض وكذا النفل عند جمع ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أتى بهما وقال { خذوا عني مناسككم } وجوابه أن ذلك لا يكفي في الوجوب ، وإلا لوجب جميع السنن بل لا بد من عدم دال على الندب ، وقد دل عليه في الموالاة ما مر وفي الصلاة الخبر المشهور { هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع } ومحل الخلاف في تفريق كثير بأن يغلب على الظن أنه أضرب عن الطواف بلا عذر ومنه إقامة جماعة مكتوبة وفوت جنازة راتبة لا فعل جنازة ومكتوبة اتسع وقتها ، وهو فرض فيكره قطعه على الأول تسقط بغيرها أي ثم إن نويت أثيب عليها وإلا سقط الطلب فقط نظير ما مر في تحية المسجد ونحوها واستشكل هذا بقولهم لا يسقط طلبا ما دام حيا وأجيب بأن محله إذا نفاها عند فعل غيرها وبأنهم صرحوا بأن الاحتياط أن يصليها بعد فعل الفريضة والأفضل لمن طاف أسابيع فعلها عقب كل ويليه ما لو أخرها إلى ما بعد الكل ثم صلى لكل ركعتين ويليه ما لو اقتصر على ركعتين للكل وعلى الثاني يجب تعددها بعدد الأسابيع ، والقيام فيها ويتوقف التحلل عليها على وجه الأصح خلافه ويصح السعي قبلها اتفاقا .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : بمحله ) الآن لو نقل عن محله الآن فالوجه اعتبار محله الآن فيصلي خلفه لا خلف المحل المنقول إليه ؛ لأن فعله عليه الصلاة والسلام بين أن خلف محله الآن هو المراد من الآية وأنه المشروع ، وإن وجود الحجر في ذلك [ ص: 93 ] المحل أي محله الآن ليس إلا علامة على محل الصلاة فليتأمل فالكلام بعد محل نظر .

                                                                                                                              ( قوله : وبأنهم صرحوا بأن الاحتياط أن يصليها بعد فعل الفريضة ) قد يجاب بأن محله ما ذكر أيضا وبأن الساقط بغيرها أصل الطلب [ ص: 94 ] لا كماله



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( وأن يصلي بعده ركعتين ) ويجزئ عنهما غيرهما بتفصيله السابق في ركعتي الإحرام نهاية ومغني قول المتن ( خلف المقام ) أفضليته بالنسبة لسنة الطواف خاصة ا هـ كردي على بافضل .

                                                                                                                              ( قوله : بمحله الآن ) لو نقل عن محله الآن فالوجه اعتبار محله الآن فيصلي خلفه لا خلف المحل المنقول إليه سم ( قوله : فكان ) أي المقام ( يقصر به ) أي بإبراهيم يعني يقصر لأجله ليسهل عليه تناول الآلة من الحجر ونحوه ثم يطول ليسهل له وضع الآلة في الموضع المرتفع كردي ( قوله : بشرفها ) أي المقام والصفا والمشعر الحرام ( قوله : كل ما يصدق عليه ذلك إلخ ) أي خلف المقام قال الشيخ أبو الحسن البكري والقرب معتبر بقدر سترة المصلي ، وإن زاد بحيث يعد خلفه حصل أصل السنة وواضح أنه لو زاد على ثلثمائة ذراع بينه وبين المقام لم تحصل تلك السنة إذ لا يعد خلفه عرفا ولم أر من حرر هذا انتهى ا هـ كردي على بافضل عبارة شرح مناسك الشيخ الرئيس وضبطه بعض المتأخرين بثلثمائة ذراع أخذا من مقام المأمور مع الإمام ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وحدث الآن في السقف إلخ ) هذا باعتبار زمنه رحمه الله ثم اضمحلت في هذه الأزمنة فلله الحمد ( قوله : ويليه ) إلى قوله وبينت في النهاية وكذا في المغني إلا قوله فدار خديجة ( قوله داخل الكعبة ) يقدم منه مصلاه صلى الله عليه وسلم فما قرب منه ابن الجمال عبارة مختصر الإيضاح مع شرحه والأفضل أن يقصد مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجعل ظهره للباب ويستقبل الجدار المقابل له ويجعل بينه وبينه ثلاثة أذرع فيصلي ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : فبقية الحجر ) وفي الإيعاب ثم بقية الستة الأذرع وفي حاشية الإيضاح للشارح وشرحه للجمال الرملي ثم ما قرب من الحجر إلى البيت و ( قوله : فدار خديجة ) وفي الإيعاب ثم بقية الأماكن المأثورة بمكة وحرمها ا هـ كردي على بافضل ( قوله : فالحرم ) أي ثم حيث شاء من الأمكنة فيما شاء من الأزمنة ولا تفوتان إلا بموته نهاية ومغني ويتصور هذا بمن لم يصل بعد بالكلية وفيمن صرف صلاته عنهما كردي ( قوله : في داخل الكعبة ) أي في تأخيره عن خلف المقام عبارة المغني ومال الإسنوي إلى أن فعلها في الكعبة أولى منه خلف المقام والأفضل ما في المتن ؛ لأن الباب باب اتباع إلى آخر ما في الشرح ( قوله : في أفضلية ذلك ) أي خلف المقام ، وهو إجماع متوارث لا يشك [ ص: 93 ] فيه مغني ( قوله : وبعد الفجر ) إلى قوله ولو نواها في النهاية والمغني وهذا أقرب أي تغليبا للأفضل ونائي ( قوله بحث أنه يتوسط إلخ ) أفتى به الشهاب الرملي جازما به بصري ( قوله : وأنه واسطة بينهما ) يتأمل ( قوله : كما تقرر ) أي آنفا ( قوله : بين أشواطه ) إلى قوله وعلى الأول في النهاية والمغني إلا قوله وكذا إلى ؛ لأنه وقوله وفوت راتبة وقوله ومكتوبة اتسع وقتها ( قوله : وبعضها ) الأنسب وأبعاضها بصري ( قوله : وكذا النفل إلخ ) خلافا للنهاية والمغني عبارتهما والقولان في وجوب ركعتي الطواف إذا كان فرضا ، فإن كان نفلا فسنة قطعا وعلى الوجوب يصح الطواف بدونهما لانتفاء ركنيتهما وشرطيتهما ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وقد دل عليه ) أي على الندب ( قوله : ما مر ) أي من القياس على الوضوء ( قوله : أنه أضرب عن الطواف ) أي أو أنه أتمه نهاية ومغني ( قوله : بلا عذر ) أي ، فإن فرق يسيرا أو كثيرا بعذر لم يضر جزما كالوضوء مغني ونهاية ( قوله : ومنه إقامة جماعة إلخ ) أي وعروض حاجة لا بد منها شرح بافضل أي كشرب من ذهب خشوعه بعطشه ونائي ( قوله : وفوت راتبة ) خلافا لصريح الإيعاب وظاهر النهاية والمغني ( قوله : لا فعل جنازة ) قيدها في الإيعاب وابن الجمال بما إذا لم تتعين عليه ويندب قطع النفل لذلك ا هـ كردي على بافضل كذا قيدها بذلك المغني والونائي وقال ع ش ، وإن تعين ويعذر في التأخير إلى فراغه ، فإن خيف تغير الميت فينبغي وجوب قطعه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وعلى الأول ) أي القائل بكون هذه الصلاة سنة و ( قوله : بغيرها ) أي سواء كان الغير فرضا أو نفلا ا هـ كردي على بافضل ( قوله : وإلا سقط الطلب ) وقال م ر أي والخطيب يحصل الثواب ، وإن لم تنو ونائي ( قوله : واستشكل هذا ) أي سقوط صلاة الطواف بغيرها ( قوله : بأن محله إذا نفاها ) أي أو لم يصل بعد الطواف أصلا ع ش وونائي ( قوله : و بأنهم صرحوا إلخ ) عطف على بأن محله إلخ عبارة الونائي أو بأن يحمل قولهم أي لا يسقط إلخ على أنه لا يسقط من كل وجه ؛ لأنه ، وإن سقط طلبها نظرا إلى قواعد مذهبنا لكنه لم يسقط بالنسبة لقواعد مذهب من أوجبها فيسن فعلها بعد فعل الفريضة احتياطا نظرا لذلك خروجا من خلافه ا هـ وبحمل كلام الشارح على هذا يندفع استشكال السيد البصري ويستغني عما تكلفه في الجواب عنه عبارته قوله وبأنهم صرحوا إلخ محل تأمل فقد يقال إنه مقو للإشكال ؛ لأن الطلب إذا سقط فأنى تنعقد الصلاة بتلك النية فضلا عن أن تكون الاحتياط وقد يجاب على بعد بأن قوله وبأنهم إلخ معطوف على قوله بقولهم إلخ وسكت عن جوابه للعلم من الجواب المذكور ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وبأنهم صرحوا بأن الاحتياط إلخ ) قد يجاب بأن محله ما ذكر أيضا أي من النفي وبأن الساقط بغيرها أصل الطلب لا كماله سم وهذا مبني على ما تقدم عن البصري من العطف على بقولهم إلخ وتقدم آنفا ما يغني عنه ( قوله : والأفضل ) إلى قوله وعلى الثاني في المغني والنهاية ( قوله : ويليه ما لو أخرها إلخ ) أي بلا كراهة نهاية ومغني ( قوله : ويليه ما لو اقتصر إلخ ) أي بلا كراهة فهو خلاف الأفضل ونائي ( قوله : ما لو اقتصر على ركعتين إلخ ) يظهر أن يقال أنه لا يحتاج إلى قصد كونهما عن الجميع بالنسبة لسقوط الطلب وأما بالنسبة لحصول الثواب فلعل الأقرب اشتراطه بصري ( قوله : للكل ) أي للمجموع ( قوله : وعلى الثاني ) أي القائل بوجوب صلاة الطواف ( قوله : والقيام فيها ) يخالفه قول الونائي ويجوز فعلهما مع القعود ، وإن قيل بالوجوب قاله في المجموع ا هـ




                                                                                                                              الخدمات العلمية