الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ويدخل في بيع الأرض الحجارة المخلوقة ) والمثبتة ( فيها ) ؛ لأنها من أجزائها ثم إن قصدت الأرض لزرع أو غرس فقط فهي عيب ( دون المدفونة ) من غير إثبات كالكنوز ( ولا خيار للمشتري إن علم ) ها وإن ضر قلعها كسائر العيوب [ ص: 445 ] نعم إن جهل ضرر قلعها ، أو ضرر تركها ، ولم يزل بالقلع ، أو كان لنقلها مدة لها أجرة تخير كما قالاه في الأولى والمتولي في الثانية قال في المطلب : وهو الذي لا يجوز غيره ، وكلامهم يشهد له ا هـ وبه يقيد ما اقتضاه كلامهما أنه لو جهل ضرر تركها دون ضرر قلعها لم يتخير ، وقول جمع قد يطمع في أن البائع يتركها له مردود بأن هذا الطمع لا يصلح علة لإثبات الخيار .

                                                                                                                              ( ويلزم البائع ) حيث لم يتخير المشتري ، أو اختار القلع ( النقل ) وتسوية الأرض بقيديهما الآتيين ، وله النقل من غير رضا المشتري وللمشتري إجباره عليه ، وإن وهبها له [ ص: 446 ] تفريغا لملكه بخلاف الزرع ؛ لأن له أمدا ينتظر ، ولا أجرة له مدة نقل طالت ، ولو بعد القبض كدار بها أقمشة ( وكذا ) لا خيار للمشتري ( إن جهل ) ها ( ولم يضر ) هـ ( قلعها ) بأن قصرت مدته ولم تتعيب به سواء أضره تركها أم لا لزوال ضرره بالقلع وللبائع النقل ، وعليه التسوية وللمشتري إجباره عليه ، وإن لم يضر تركها ( وإن ضر ) قلعها بأن نقصها ، وإن طال زمنه مع التسوية مدة لها أجرة ( فله الخيار ) ضر تركها أو لا دفعا لضرره نعم لو رضي بتركها له ولا ضرر فيه سقط خياره ، وهو إعراض حيث لم يوجد فيه شروط الهبة فله الرجوع فيها ، ويعود خيار المشتري ( فإن أجاز ) العقد ( لزم البائع النقل ) على العادة فلا يكلف خلافها على الأوجه نظير ما مر في الرد بالعيب ، وذلك ليفرغ ملكه ( وتسوية الأرض ) ؛ لأنه أحدث الحفر لتخليص ملكه ، وهي هنا وفيما مر أن يعيد التراب المزال بالقلع من فوق الحجارة إلى مكانه ، ولا يلزمه أن يسويها بتراب منها ؛ لأن فيه تغيير المبيع ، ولا من خارجها ؛ لأن فيه إيجاب عين لم تدخل في البيع ( وفي وجوب أجرة المثل لمدة النقل ) إذا خير المشتري ( أوجه أصحها ) أنها ( تجب إن نقل بعد القبض ) لتفويته على المشتري منفعة تلك المدة ( لا قبله ) ؛ لأن جنايته قبله كالآفة كما مر ، ومن ثم لو باعها لأجنبي لزمه الأجرة مطلقا ؛ لأن جنايته مضمونة مطلقا قالا : وكلزوم الأجرة لزوم أرش عيب بقي فيها بعد التسوية

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : نعم إن جهل ضرر قلعها ، أو ضرر تركها ، ولم يزل بالقلع إلخ ) قد يقال هذه الصورة الثانية ، وهي قوله : أو ضرر تركها أي : دون ضرر قلعها بدليل مقابلته بما قبله هي الصورة المنقولة عن قضية كلام الشيخين في قوله وبه يقيد ما اقتضاه كلامهما أنه لو جهل إلخ فتشكل التفرقة بينهما مع اتحاد صورتهما فإن أراد بالتقييد المذكور في قوله وبه يقيد إلخ حمل صورة قضية كلام الشيخين على ما إذا زال الضرر بالقلع في مدة لا أجرة لها وحينئذ يندفع إشكال التفرقة فقد يرد عليه أنه مع فرض ضرر كل من الترك والقلع كما هو فرض تلك الصورة كيف يتصور زوال الضرر بالقلع وكلام شرح الروض سالم من ذلك كما يعلم بالمراجعة اللهم إلا أن يجاب بأن الضرر ، وإن كان فيهما إلا أن ضرر الترك غير ضرر القلع ويجوز أن يزول الضرر المترتب على الترك بالقلع ، وإن حصل به ضرر آخر ، ولا يتخير وإن جهل ضرر الترك لزواله بالقلع ، وضرر القلع لا خيار به لعلمه به فليتأمل .

                                                                                                                              ( قوله : وبه يقيد ما اقتضاه كلامهما ) فيحمل عدم الخيار فيه على ما إذا زال الضرر بالقلع ولم يكن لنقلها مدة لها أجرة فليتأمل ( قوله : وله النقل من غير رضا المشتري ) قال في شرح الروض ، ولو سمح له بها لم يلزمه القبول ا هـ وقضية ما يأتي حال الجهل مع سقوط الخيار بتركها لزوم القبول فيحتاج للفرق ، وقد يفرق بأن في القبول حال الجهل رفع الفسخ ، وفي حال العلم لا فسخ ( قوله : وإن وهبها له ) يفيد أنه لا يلزمه [ ص: 446 ] القبول ( قوله : ولا أجرة له ) أي : لعلمه بالحال قال في شرح الروض وظاهر أنه لا أرش له أيضا ( قوله : وهو إعراض ) قال في شرح الإرشاد الصغير ويظهر في ترك الزرع أنه تمليك ؛ لأنه تابع لا يفرد بعقد وعينه زائلة غير باقية بخلاف نحو الحجارة فيهما ا هـ وهل يحتاج في ملكه إلى إيجاب وقبول بشرطهما فيه نظر وظاهر إطلاقهم عدم اشتراط ذلك ( قول المصنف أوجه أصحها يجب إلخ ) قال الناشري عللوا وجوب الأجرة بتفويته على المشتري منفعة تلك المدة ويشكل الفرق بينه وبين الزرع فإن قيل الزرع يجب إبقاؤه والحجارة لا يجب إبقاؤها قلنا مدة تفريغ الحجارة كمدة الزرع قاله السبكي هذا كلام الناشري وهو صريح في أنهم لا يوجبون أجرة مثل مدة نقل الزرع فما في شرح الروض من وجوبها ممنوع م ر



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : لأنها ) إلى قوله كما قالاه في النهاية إلا قوله : فقط ، وقوله : ولم يزل بالقلع وإلى قوله قال في المغني إلا قوله : فقط ( قوله والمثبتة ) أي : بالبناء ، أو نحوه كأن يحفر فيها مواضع ويثبت فيها الحجارة ثبات الأوتاد ا هـ ع ش ( قوله : أو غرس ) أي : أو بناء وكانت الحجارة تضر كمنعها من حفر الأس ا هـ ع ش ( قوله : فهي عيب ) أي : مثبت للخيار نهاية ومغني ( قوله : [ ص: 445 ] نعم إلخ ) استدراك على صورة العلم ( قوله ضرر قلعها ) أي : دون ضرر تركها ا هـ نهاية ( قوله : أو ضرر تركها إلخ ) فيه بحث لسم إن شئت راجعه ( قوله : في الأولى ) أي : في صورة الجهل بضرر القلع ( وقوله : في الثانية ) أي : في صورة الجهل بضرر الترك المقيد بقوله : ولم يزل بالقلع إلخ ( قوله : وهو ) أي : التخير ا هـ كردي والأولى أي : ما قاله المتولي .

                                                                                                                              ( قوله : وبه يقيد ما اقتضاه كلامهما ) فيحمل عدم الخيار فيه على ما إذا زال الضرر بالقلع ، ولم يكن لنقلها مدة لها أجرة فليتأمل ا هـ سم عبارة الكردي قوله وبه يقيد إلخ حاصله أن كلام الشيخين إن جهل ضرر قلعها تخير يقتضي أنه لو جهل ضرر تركها لم يخير لكن بسبب ما ذكر من كلام المتولي يقيد ذلك المقتضي بأنه إذا زال ضرر الترك بالقلع ا هـ وعبارة الرشيدي اعلم أن حاصل ما في هذا المقام أن الشيخين صرحا بثبوت الخيار فيما إذا جهل ضرر القلع وسكتا عما إذا جهل ضرر الترك فاقتضى ظاهر صنيعهما أنه لا خيار فيه واقتضى كلام غيرهما ثبوت الخيار فيه أيضا مطلقا وقيده المتولي في التتمة بما إذا كان ذلك الضرر لا يزول بالقلع ، أو كان يزول به لكن يستغرق القلع مدة تقابل بأجرة واختار هذا التقييد شيخ الإسلام في شرح الروض ا هـ ثم بعد سرد عبارته استشكل عبارة النهاية ثم سرد عبارة الشارح تأييدا لما ذكره من الحاصل المار ، قوله : واقتضى كلام غيرهما إلخ هو مراد الشارح بقوله الآتي وقول جمع إلخ .

                                                                                                                              ( قوله : أنه لو جهل إلخ ) بيان لما اقتضاه كلام الشيخين ( قوله : قد يطمع في أن البائع إلخ ) فليكن له الخيار إن جهل ضرر تركها مطلقا ( قوله : أو اختار القلع ) كذا في النهاية وكتب عليه ع ش ما نصه أي بأن رضي بها مع كونها مشتملة على الحجارة لكن طلب من البائع القلع ا هـ قول المتن ( النقل ) عبارة المغني وشرح المنهج القلع والنقل ( قوله : وتسوية الأرض ) إلى قول المتن ، وفي بيع البستان في النهاية والمغني إلا قوله : بقيديهما الآتيين ، وقوله : على العادة إلى وذلك وأسقطه المغني ، وهو الأولى ؛ لأنه مندرج في قول المتن الآتي فإن أجاز إلخ ولأن ذكره يوهم أن قول الشارح الآتي فلا أجرة إلخ راجع له أيضا مع أن رجوعه له مخالف لتصريحهم بلزوم أجرة مدة النقل الواقع بعد القبض حيث خير المشتري كما أفاده قوله : الآتي إذا خير المشتري ( قوله : بقيديهما إلخ ) لعله أراد بقيد الأول أي : النقل قوله الآتي : على العادة وبقيد الثاني أي : التسوية ما أفاده قوله الآتي ، وهي هنا ، وفيما مر إلخ من كون التسوية بالتراب المزال لا بتراب آخر من الأرض المبيعة أو من خارجها ( قوله : وللمشتري إجباره ) هذا معلوم من المتن وإنما ذكره تمهيدا لما بعده .

                                                                                                                              ( قوله : وإن وهبها ) أي الحجارة [ ص: 446 ] يفيد أنه لا يلزمه القبول سم و ع ش ( قوله تفريغا لملكه ) تعليل للمتن والشرح معا ، وكذا قوله : بخلاف الزرع راجع للمتن كما هو صريح المغني وللإجبار كما في ع ش ( قوله : ولا أجرة إلخ ) أي : حيث لم يتخير ا هـ مغني عبارة سم قوله : ولا أجرة له أي لعلمه بالحال قال في شرح الروض وظاهر أنه لا أرش أيضا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وللبائع النقل ) أي : وإن لم يرض به المشتري ( قوله : التسوية ) أي : والنقل ، ولا أجرة عليه لمدة ذلك كما مر ا هـ مغني ( قوله : زمنه ) أي : النقل قول المتن ( فله الخيار ) ولا يسقط خياره بقول البائع أنا أغرم لك الأجرة والأرش للمنة نهاية ومغني قال ع ش قوله : م ر ولا يسقط خياره أي : فله الفسخ ، ولا يجبر على موافقة البائع ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ولا ضرر فيه ) أفهم أنه إذا كان فيه ضرر لا يسقط خياره ، وهو ظاهر ع ش ورشيدي ( قوله : وهو إعراض إلخ ) قال في شرح الإرشاد الصغير يظهر في ترك الزرع أنه تمليك ؛ لأنه تابع لا يفرد بعقد وعينه زائلة لا باقية بخلاف نحو الحجارة فيهما انتهى وهل يحتاج في ملكه إلى إيجاب وقبول بشرطهما فيه نظر وظاهر إطلاقهم عدم اشتراط ذلك ا هـ سم ؛ على حج أقول بل ظاهر قولهم التمليك أنه لا بد من اللفظ ا هـ ع ش وأقول قول الشارح كالنهاية حيث لم يوجد فيه شروط الهبة ا هـ كالصريح في اشتراط الإيجاب والقبول والقبض وعبارة المغني نعم لو وهبها له واجتمعت شروط الهبة حصل الملك ، ولا رجوع للبائع فيها ، وإن فقد منها شرط فهو إعراض كالترك ؛ لأنه إذا بطل الخصوص بقي العموم ا هـ صريحة في الاشتراط .

                                                                                                                              ( قوله : إعراض إلخ ) أي : فيتصرف فيه كالضيف فينتفع به بوجوه الانتفاعات كأكله الطعام وإطعامه لأهل بيته ونحوهم وبنائه بالحجارة ، ولا يتصرف فيه ببيع ولا هبة ولا نحوهما ونقل مثله عن حواشي شرح الروض لوالد الشارح ا هـ ع ش قول المتن ( النقل ) أي : والقلع ا هـ مغني ( قوله : أن يعيد إلخ ) فلو تلف فعليه الإتيان بمثله م ر انتهى سم على منهج والكلام في التراب الطاهر أما النجس كالرماد النجس والسرجين فلا يلزمه مثله ؛ لأنه ليس مالا ا هـ ع ش ( قوله : أن يسويها ) أي : الحفر ( قوله : بتراب منها ) أي : بتراب آخر من الأرض المبيعة ( قوله : إذا خير المشتري ) كذا في المنهج والنهاية والمغني والإيعاب وقال ع ش قوله : م ر إذا خير المشتري مفهومه أنه إذا كان عالما لا أجرة له والقياس وجوبها مطلقا ؛ لأن تفريغها بعد القبض تصرف في يد غيره ا هـ وفيه أن الشارح والنهاية والمغني والأسنى صرحوا بالمفهوم المذكور في شرح قول المتن ويلزم البائع النقل المفروض في صورة العلم كما مر عن سم ، قوله : والقياس إلخ ظاهر المنع لرضا المشتري حين العقد بتلف المنفعة تلك المدة قول المتن ( إن نقل بعد القبض ) أي : ولا يمنع وجودها صحة القبض لصحته في المحل الخالي منها كالأمتعة إذا كانت ببعض الدار المبيعة ا هـ رشيدي ، وفي تقريب دليله نظر .

                                                                                                                              ( قوله : لأن جنايته ) أي : البائع ( قبله ) أي : قبل القبض ( قوله : ومن ثم ) أي : من أجل أن جنايته إلخ ( قوله : لو باعها ) أي : الحجارة ( وقوله : : لزمه ) أي : الأجنبي ( وقوله : لأن جنايته ) أي : الأجنبي وقوله : ( مطلقا ) أي قبل القبض ، أو بعده ا هـ ع ش ( قوله وكلزوم الأجرة إلخ ) قضية هذا التشبيه أنه إن حصل من التسوية قبل القبض لا يجب على البائع أو بعده وجب لكن قضية قول سم على حج فيما نقله عن شرح الروض من قوله وظاهر أنه لا أرش له أيضا عدم الفرق بين كونه قبل القبض ، أو بعده ا هـ ع ش ، وفيه أن ما تقدم عن سم عن شرح الروض في صورة العلم التي لا خيار للمشتري معه وما هنا في صورة الجهل التي معها الخيار والكلام في مقامين فلا [ ص: 447 ] منافاة




                                                                                                                              الخدمات العلمية