الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج أحمد، ومسلم ، والنسائي ، وابن جرير ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها، فلا يصاد صيدها، ولا يقطع عضاهها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج مسلم، وابن جرير عن رافع بن خديج قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 636 ] إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم ما بين لابتيها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ثم صلى بأرض سعد بأصل الحرة عند بيوت السقيا، ثم قال : اللهم إن إبراهيم خليلك وعبدك ونبيك دعاك لأهل مكة، وأنا محمد عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة مثل ما دعاك إبراهيم لمكة، أدعوك أن تبارك لهم في صاعهم ومدهم وثمارهم، اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة، واجعل ما بها من وباء بخم، اللهم إني حرمت ما بين لا بتيها كما حرمت على لسان إبراهيم الحرم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري، ومسلم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف على المدينة فقال : اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم به إبراهيم مكة، اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اللهم إن إبراهيم [ ص: 637 ] عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك وأنه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة ومثله معه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني في " الأوسط " عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك دعاك لأهل مكة بالبركة، وأنا محمد عبدك ورسولك، وإني أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في صاعهم ومدهم مثل ما باركت لأهل مكة، واجعل مع البركة بركتين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، والبخاري ، ومسلم عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن إبراهيم حرم مكة، ودعا لها، وحرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، ودعوت لها في مدها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم لمكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري، والجندي في " فضائل مكة " عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اللهم إن إبراهيم عبدك ونبيك دعاك لأهل مكة، وأنا أدعوك لأهل المدينة بمثل ما دعاك إبراهيم لأهل مكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، والبخاري ، ومسلم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 638 ] اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما بمكة من البركة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي في " تاريخ مكة " والجندي، عن محمد بن الأسود، أن إبراهيم عليه السلام هو أول من نصب أنصاب الحرم، أشار له جبريل إلى مواضعها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الجندي عن ابن عباس قال : إن في السماء لحرما على قدر حرم مكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي، والطبراني ، والبيهقي في " شعب الإيمان " عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ستة لعنتهم وكل نبي مجاب، الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمتسلط بالجبروت ليذل من أعز الله ويعز من أذل الله، والتارك لسنتي والمستحل من عترتي ما حرم الله عليه، والمستحل لحرم الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري تعليقا، وابن ماجه عن صفية بنت شيبة قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب عام الفتح فقال : يا أيها الناس، إن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، وهي حرام إلى يوم القيامة، ولا يعضد شجرها ولا [ ص: 639 ] ينفر صيدها، ولا يأخذ لقطتها إلا منشد . فقال العباس : إلا الإذخر فإنه للبيوت والقبور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا الإذخر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، والبخاري ، ومسلم وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، والأزرقي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض والشمس والقمر، ووضع هذين الأخشبين فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولا يحل لأحد بعدي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها ولا يلتقط لقطتها إلا من عرفها . فقال العباس : إلا الإذخر، فإنه لقينهم وبيوتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا الإذخر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، والبخاري ، ومسلم وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه عن أبي هريرة قال : لما فتح الله على رسوله مكة قام فيهم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليه رسوله والمؤمنين، وإنما أحلت لي ساعة من النهار، ثم هي حرام إلى يوم [ ص: 640 ] القيامة لا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين؛ إما أن يفدي وإما أن يقتل . فقام رجل من أهل اليمن يقال له : أبو شاه . فقال : يا رسول الله، اكتبوا لي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اكتبوا لأبي شاه، فقال العباس : يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقبورنا وبيوتنا : فقال : إلا الإذخر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مكة حرم حرمها الله، لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي في " تاريخ مكة " عن الزهري في قوله : رب اجعل هذا البلد آمنا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الناس لم يحرموا مكة، ولكن الله حرمها فهي حرام إلى يوم القيامة، وإن من أعتى الناس على الله رجل قتل في الحرم، ورجل قتل غير قاتله، ورجل أخذ بذحول الجاهلية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن قتادة قال : ذكر لنا أن الحرم حرم بحياله إلى العرش .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال : إن هذا الحرم حرم مناه من السماوات [ ص: 641 ] السبع والأرضين السبع، وإن هذا رابع أربعة عشر بيتا، في كل سماء بيت، وفي كل أرض بيت، ولو وقعن وقعن بعضهن على بعض .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن الحسن قال : البيت بحذاء البيت المعمور، وما بينهما بحذائه إلى السماء السابعة، وما أسفل منه بحذائه إلى الأرض السابعة- حرام كله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : البيت المعمور الذي في السماء يقال له : الصراخ . وهو على بناء الكعبة، يعمره كل يوم سبعون ألف ملك لم تزره قط، وأن للسماء السابعة لحرما على منا حرم مكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد، والأزرقي عن ابن عباس قال : أول من نصب أنصاب الحرم إبراهيم عليه السلام، يريه ذلك جبريل عليه السلام، فلما كان يوم الفتح بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم بن أسد الخزاعي فجدد ما رث منها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن حسين بن القاسم قال : سمعت بعض أهل العلم يقول : إنه لما خاف آدم على نفسه من الشيطان استعاذ بالله، فأرسل الله ملائكة حفوا بمكة من كل جانب، ووقفوا حواليها . قال : فحرم الله الحرم من حيث [ ص: 642 ] كانت الملائكة وقفت . قال : ولما قال إبراهيم عليه السلام : ربنا أرنا مناسكنا . نزل إليه جبريل فذهب به، فأراه المناسك ووقفه على حدود الحرم، فكان إبراهيم يرضم الحجارة، وينصب الأعلام، ويحثي عليها التراب، فكان جبريل يقفه على الحدود، قال : وسمعت أن غنم إسماعيل كانت ترعى في الحرم ولا تجاوزه ولا تخرج منه، فإذا بلغت منتهاه من ناحية من نواحيه رجعت صابة في الحرم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : إن إبراهيم عليه السلام نصب أنصاب الحرم يريه جبريل عليه السلام، ثم لم تحرك حتى كان قصي فجددها، ثم لم تحرك حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث عام الفتح تميم بن أسد الخزاعي فجددها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البزار، والطبراني عن محمد بن الأسود بن خلف عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجدد أنصاب الحرم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن عبد الله بن عمرو بن العاصي أنه قال : أيها الناس إن هذا البيت لاق ربه فسائله عنكم، ألا فانظروا فيما هو سائلكم عنه من أمره، [ ص: 643 ] ألا واذكروا إذ كان ساكنه لا يسفكون فيه دماء ولا يمشون فيه بالنميمة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البزار عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بنفر من قريش وهم جلوس بفناء الكعبة، فقال : انظروا ما تعملون فيها؛ فإنها مسؤولة عنكم فتخبر عن أعمالكم، واذكروا أن ساكنها من لا يأكل الربا، ولا يمشي بالنميمة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن أبي نجيح قال : لم تكن كبار الحيتان تأكل صغارها في الحرم زمن الغرق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا في " ذم الملاهي " عن جويرية بن أسماء عن عمه قال : حججت مع قوم فنزلنا منزلا ومعنا امرأة، فنامت فانتبهت وحية منطوية عليها، جمعت رأسها مع ذنبها بين ثدييها، فهالنا ذلك وارتحلنا، فلم [ ص: 644 ] تزل منطوية عليها لا تضرها شيئا حتى دخلنا أنصاب الحرم، فانسابت، فدخلنا مكة فقضينا نسكنا وانصرفنا، حتى إذا كنا بالمكان الذي تطوقت عليها فيه الحية، وهو المنزل الذي نزلنا فنامت، فاستيقظت والحية منطوية عليها ثم صفرت الحية، فإذا بالوادي يسيل علينا حيات فنهشتها، حتى بقيت عظاما، فقلت لجارية كانت معها : ويحك أخبرينا عن هذه المرأة . قال : بغت ثلاث مرات، كل مرة تلد ولدا فإذا وضعته سجرت التنور ثم ألقته فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال : من أخرج مسلما من ظله في حرم الله من غير ضرورة أخرجه الله من ظل عرشه يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة والأزرقي، عن عبد الله بن الزبير قال : إن كانت الأمة من بني إسرائيل لتقدم مكة، فإذا بلغت ذا طوى خلعت نعالها تعظيما للحرم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو نعيم في “ الحلية “ عن مجاهد قال : كان يحج من بني إسرائيل مائة ألف، فإذا بلغوا أنصاب الحرم خلعوا نعالهم، ثم دخلوا الحرم [ ص: 645 ] حفاة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : كانت الأنبياء إذا أتت علم الحرم نزعوا نعالهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي، وابن عساكر عن ابن عباس قال : حج الحواريون فلما دخلوا الحرم مشوا تعظيما للحرم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن عبد الرحمن بن سابط قال : لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينطلق إلى المدينة استلم الحجر، وقام وسط المسجد والتفت إلى البيت فقال : إني لأعلم ما وضع الله في الأرض بيتا أحب إليه منك، وما في الأرض بلد أحب إليه منك، وما خرجت عنك رغبة ولكن الذين كفروا هم أخرجوني .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخرج من مكة : أما والله إني لأخرج وإني لأعلم أنك أحب البلاد إلى الله، وأكرمها على الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 646 ] وأخرج الترمذي، والحاكم وصححاه، والبيهقي في " الشعب " عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة : ما أطيبك وأحبك إلي، ولولا أن قومك أخرجوني ما سكنت غيرك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد، وأحمد ، والترمذي وصححه، والنسائي ، وابن ماجه، والأزرقي، والجندي عن عبد الله بن عدي بن الحمراء قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته واقف بالحزورة يقول لمكة : والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : كان بمكة حي يقال لهم : العماليق فكانوا في عز وثروة وكثرة، فكانت لهم أموال كثيرة من خيل وإبل وماشية، فكانت ترعى مكة وما حولها من مر ونعمان وما حول ذلك، فكانت [ ص: 647 ] الحرف عليهم مظلة والأربعة مغدقة والأودية نجال، والعضاه ملتفة، والأرض مبقلة، فكانوا في عيش رخي، فلم يزل بهم البغي والإسراف على أنفسهم بالظلم وإظهار المعاصي والاضطهاد لمن قاربهم حتى سلبهم الله ذلك، فنقصهم بحبس المطر عنهم، وتسليط الجدب عليهم، وكانوا يكرون بمكة الظل، ويبيعون الماء، فأخرجهم الله من مكة بالذر سلطه عليهم حتى خرجوا من الحرم، فكانوا حوله، ثم ساقهم الله بالجدب يضع الغيث أمامهم، ويسوقهم بالجدب حتى ألحقهم بمساقط رءوس آبائهم، وكانوا قوما غرباء من حمير، فلما دخلوا بلاد اليمن تفرقوا وهلكوا، فأبدل الله الحرم بعدهم جرهم، فكانوا سكانه حتى بغوا فيه واستخفوا بحقه، فأهلكهم الله جميعا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سابط قال : كان الناس إذا كان الموسم بالجاهلية خرجوا فلم يبق أحد بمكة، وأنه تخلف رجل سارق فعمد إلى قطعة من ذهب فوضعها ثم دخل ليأخذ أيضا، فلما أدخل رأسه صره البيت [ ص: 648 ] فوجدوا رأسه في البيت واسته خارجه، فألقوه للكلاب وأصلحوا البيت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي، والطبراني عن حويطب بن عبد العزى قال : كنا جلوسا بفناء الكعبة في الجاهلية، فجاءت امرأة إلى البيت تعوذ به من زوجها، فجاء زوجها فمد يده إليها فيبست يده فلقد رأيته في الإسلام وإنه لأشل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن ابن جريج قال : الحطيم ما بين الركن والمقام وزمزم والحجر، وكان إساف ونائلة رجل وامرأة دخلا الكعبة فقبلها فيها فمسخا حجرين، فأخرجا من الكعبة، فنصب أحدهما في مكان زمزم، ونصب الآخر في وجه الكعبة، ليعتبر بهما الناس، ويزدجروا عن مثل ما ارتكبا فسمي هذا الموضع الحطيم، لأن الناس كانوا يحطمون هنالك بالأيمان، ويستجاب فيه الدعاء على الظالم للمظلوم، فقل من دعا هنالك على ظالم إلا هلك، وقل من حلف هنالك آثما إلا عجلت عليه العقوبة، وكان ذلك يحجز بين الناس عن الظلم ويتهيب الناس الأيمان هنالك، فلم يزل ذلك كذلك حتى جاء الله [ ص: 649 ] بالإسلام، فأخر الله ذلك لما أراد إلى يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن أيوب بن موسى، أن امرأة كانت في الجاهلية معها ابن عم لها صغير تكسب عليه، فقالت له : يا بني إني أغيب عنك، وإني أخاف عليك أن ظلمك ظالم، فإن جاءك ظالم بعدي، فإن لله بمكة بيتا لا يشبهه شيء من البيوت ولا يقاربه مفسد، وعليه ثياب، فإن ظلمك ظالم يوما فعذ به فإن له ربا يسمعك، قال : فجاءه رجل فذهب به فاسترقه، فلما رأى الغلام البيت عرف الصفة، فنزل يشتد حتى تعلق بالبيت، وجاء سيده فمد يده إليه ليأخذه فيبست يده، فمد الأخرى فيبست، فاستفتى في الجاهلية فأفتي لينحر عن كل واحدة من يديه بدنة، ففعل فانطلقت له يداه وترك الغلام وخلى سبيله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث قال : غدا رجل من بني كنانة من هذيل في الجاهلية على ابن عم له فظلمه واضطهده، فناشده بالله والرحم فأبى إلا ظلمه فلحق بالحرم فقال : اللهم إني أدعوك دعاء جاهد مضطر على فلان ابن عمي لترمينه بداء لا دواء له . قال : ثم انصرف فيجد ابن عمه قد [ ص: 650 ] رمي في بطنه، فصار مثل الزق فما زال ينتفخ حتى انشق . قال عبد المطلب : فحدثت هذا الحديث ابن عباس فقال : رأيت رجلا دعا على ابن عم له بالعمى، فرأيته يقاد أعمى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، والبيهقي في " شعب الإيمان " عن عمر بن الخطاب أنه قال : يا أهل مكة، اتقوا الله في حرمكم هذا، أتدرون من كان ساكن حرمكم هذا من قبلكم؟ كان فيه بنو فلان فأحلوا حرمته فهلكوا، وبنو فلان فأحلوا حرمته فهلكوا، حتى عد ما شاء الله، ثم قال : والله لأن أعمل عشر خطايا بغيره أحب إلي من أن أعمل واحدة بمكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الجندي، عن طاوس قال : إن أهل الجاهلية لم يكونوا يصيبون في الحرم شيئا إلا عجل لهم ويوشك أن يرجع الأمر إلى ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي، والجندي، وابن خزيمة عن عمر بن الخطاب أنه قال لقريش : إنه كان ولاة هذا البيت قبلكم طسم، فاستخفوا بحقه واستحلوا حرمته فأهلكهم الله، ثم ولي بعدهم جرهم فاستخفوا بحقه، واستحلوا حرمته، فأهلكهم الله فلا تهاونوا به وعظموا حرمته . [ ص: 651 ] وأخرج الأزرقي، والجندي عن عمر بن الخطاب قال : لأن أخطئ سبعين خطيئة بركبة أحب إلي من أن أخطئ خطيئة واحدة بمكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الجندي عن مجاهد قال : تضعف بمكة السيئات كما تضعف الحسنات .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن ابن جريج قال : بلغني أن الخطيئة بمكة مائة خطيئة والحسنة على نحو ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو بكر الواسطي في فضائل بيت المقدس عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن مكة بلد عظمه الله وعظم حرمته، خلق مكة وحفها بالملائكة قبل أن يخلق شيئا من الأرض يومئذ كلها بألف عام، ووصلها بالمدينة، ووصل المدينة ببيت المقدس، ثم خلق الأرض كلها بعد ألف عام خلقا واحدا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية