الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 51 ] ( والقهقهة في كل صلاة ذات ركوع وسجود ) والقياس أنها لا تنقض . وهو قول الشافعي رحمه الله لأنه ليس بخارج نجس ، ولهذا لم يكن حدثا في صلاة الجنازة وسجدة التلاوة وخارج الصلاة . ولنا قوله عليه الصلاة والسلام { ألا من ضحك منكم قهقهة فليعد الوضوء والصلاة جميعا } وبمثله يترك القياس . [ ص: 52 ] والأثر ورد في صلاة مطلقة فيقتصر عليها . والقهقهة ما يكون مسموعا له ولجيرانه ، والضحك ما يكون مسموعا له دون جيرانه وهو على ما قيل يفسد الصلاة دون الوضوء .

التالي السابق


( قوله ألا من ضحك إلخ ) حديث القهقهة روي مرسلا ومسندا . واعترف أهل الحديث بصحته مرسلا ، ومدار المرسل على أبي العالية وإن رواه غيره كالحسن البصري وإبراهيم النخعي وغيرهما . قاله عبد الرحمن بن مهدي وأخرج عن حماد بن زيد عن حفص بن سليمان قال : أنا حدثت به الحسن عن أبي العالية وعن شريك عن أبي هاشم قال : أنا حدثت به إبراهيم عن أبي العالية ، وأنه قرأ في كتاب ابن أخي الزهري عن الزهري عن سليمان بن أرقم عن الحسن ا هـ . يعني والحسن يرويه عن أبي العالية ، وقد رواه أبو حنيفة عن منصور بن زاذان الواسطي عن الحسن عن معبد بن أبي معبد الخزاعي عنه صلى الله عليه وسلم قال { بينما هو في الصلاة إذ أقبل أعمى يريد الصلاة ، فوقع في زبية فاستضحك القوم فقهقهوا ، فلما انصرف صلى الله عليه وسلم قال : من كان منكم قهقه فليعد الوضوء والصلاة } قيل ومعبد هذا لا صحبة له فهو مرسل أيضا ، وفيه نظر ، فإن معبدا الذي لا صحبة له هو معبد البصري الجهني كان الحسن يقول فيه : إياكم ومعبدا فإنه ضال مضل ، ومعبد هذا هو الخزاعي كما هو مصرح به في مسند أبي حنيفة ولا شك في صحبته ، ذكره ابن منده وأبو نعيم في الصحابة ، ورويا له أيضا حديث جابر أنه قال { لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه مرا بخباء أم معبد ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم معبدا وكان صغيرا فقال له : ادع هذه الشاة } الحديث ، ولو سلم ، فإذا صح المرسل ، وهو حجة عندنا لم يكن بد من القول بنقض الوضوء به ، وأبو العالية اسمه رفيع من ثقات التابعين . وأما روايته مسندا فعن عدة من الصحابة أبي موسى الأشعري وأبي هريرة وابن عمر وأنس وجابر وعمران بن الحصين ، وأغربها طريق عن أنس رواها أبو القاسم حمزة بن يوسف في تاريخ جرجان قال : حدثنا الإمام أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي [ ص: 52 ] حدثني أبو عمرو محمد بن عمرو بن شهاب بن طارق الأصبهاني ، حدثنا أيوب ، حدثنا جعفر ، حدثنا أحمد بن فورك ، حدثنا عبيد الله بن أحمد الأشعري ، حدثنا عمار بن يزيد البصري ، حدثنا موسى بن هلال حدثنا أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من قهقه في الصلاة قهقهة شديدة فعليه الوضوء والصلاة } وأسلمها حديث ابن عمر رواه ابن عدي في الكامل من حديث عطية بن بقية : حدثنا أبي حدثنا عمرو بن قيس السكوني عن عطاء عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من ضحك في الصلاة قهقهة فليعد الوضوء والصلاة } وما طعن به من أن بقية مدلس فكأنه سمعه من بعض الضعفاء فحذف اسمه ، دفع بأن بقية صرح فيه بالتحديث ، والمدلس إذا صرح بالتحديث وكان صدوقا زالت تهمة التدليس ، وبقية من هذا القبيل ( قوله والأثر ورد في صلاة مطلقة ) أما الوارد على واقعة الحال فظاهر .

وأما نحو حديث بقية هذا فلانصراف الصلاة مطلقا إلى ذات الركوع والسجود .

وهو بخلاف القياس فيقتصر النقض عليها .

والمراد ما أصلها الركوع والسجود ، فإنه لو قهقه فيما يصليه بالإيماء لعذر أو راكبا يومئ بالنفل أو الفرض لعذر انتقض ، وكذا أيضا لا تنقض قهقهة النائم في الصلاة ولا تبطل الصلاة .

وقيل تنقض وتبطل .

وعن شداد : تنقض ولا تبطل الصلاة وقيل عكسه .

والأول أصح ; لأنها إنما جعلت حدثا بشرط كونها جناية ، ولا جناية من النائم ، بخلاف السهو ; لأنه جناية فيؤاخذ به ، ولا يغلب وجود القهقهة ساهيا ; لأن حالة الصلاة مذكرة فلا يعذر ، وأما قهقهة الصبي فقيل تبطلهما ، وقيل لا تنقض .

وفي قهقهة الباني في الطريق بعد الوضوء روايتان ولو نسي .

وتنقض بعد العقود قدر التشهد خلافا لزفر ، ولو قهقه الإمام في هذه الحالة ثم قهقه القوم بطل وضوءه دونهم لخروجهم بقهقهته [ ص: 53 ] بخلاف سلامه فلو قهقهوا بعد سلامه ، بطل وضوءهم ، وجعل الأصح في الخلاصة أنه لا تبطل والخلاف مبني على أنه بعد سلام الإمام هل هو في الصلاة إلى أن يسلم بنفسه أو لا .

محدث غسل بعض أعضاء الوضوء ففني الماء فتيمم وشرع في الصلاة فقهقه ثم وجد الماء عند أبي يوسف يغسل باقي الأعضاء ويصلي ، وعندهما يغسل جميعها بناء على أن القهقهة هل تبطل ما غسل من أعضاء الوضوء ؟ عنده لا وعندهما نعم .

ولو اغتسل جنب وصلى فقهقه هل تبطل ويعيد الوضوء ؟ اختلف فيه ، فقيل لا يعيد ; لأنه ثابت في ضمن الغسل فإذا لم يبطل المتضمن ، لا يبطل المتضمن والصحيح أنه يعيد الوضوء ; لأن إعادته واجبة عقوبة كذا في المحيط ، ولو قهقه بعد كلام الإمام متعمدا فسدت كسلامه على الأصح على خلاف ما في الخلاصة بخلافه بعد حدثه عمدا .




الخدمات العلمية