الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
150- لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا أي: إلا أن يحتج عليكم الظالمون بباطل من الحجج. وهو قول اليهود: كنت [ ص: 66 ] وأصحابك تصلون إلى بيت المقدس; فإن كان ذلك ضلالا فقد مات أصحابك عليه. وإن كان هدى فقد حولت عنه.

فأنزل الله: وما كان الله ليضيع إيمانكم أي: صلاتكم. فلم تكن لأحد حجة.

* * *

157- أولئك عليهم صلوات من ربهم أي: مغفرة. والصلاة تتصرف على وجوه قد بينتها في كتاب "المشكل" .

* * *

158- فلا جناح عليه أي: لا إثم عليه.

أن يطوف بهما أي: يتطوف. فأدغمت التاء في الطاء. وكان المسلمون في صدر الإسلام يكرهون الطواف بينهما، لصنمين كانا عليهما; حتى أنزل الله هذا .

وقرأ بعضهم: (ألا يطوف بهما . وفي هذه القراءة وجهان:

أحدهما: أن يجعل الطواف مرخصا في تركه بينهما.

والوجه الآخر: أن يجعل "لا" مع "أن" صلة. كما قال: ما منعك [ ص: 67 ] ألا تسجد . هذا قول الفراء .

159- ويلعنهم اللاعنون قال ابن مسعود: إذا تلاعن اثنان وكان أحدهما غير مستحق للعن، رجعت اللعنة على المستحق لها; فإن لم يستحقها أحد منهما رجعت على اليهود .

* * *

160- إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا أي بينوا التوبة بالإخلاص والعمل .

164- والفلك السفن، واحد وجمع بلفظ واحد . [ ص: 68 ]

166- وتقطعت بهم يعني: الأسباب التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا.

167- لو أن لنا كرة أي رجعة.

كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم يريد: أنهم عملوا في الدنيا أعمالا لغير الله، فضاعت وبطلت.

* * *

168- ولا تتبعوا خطوات الشيطان أي لا تتبعوا سبيله ومسلكه. وهي جمع خطوة. والخطوة: ما بين القدمين - بضم الخاء - والخطوة: الفعلة الواحدة; بفتح الخاء. واتباعهم خطواته: أنهم كانوا يحرمون أشياء قد أحلها الله، ويحلون أشياء حرمها الله.

170- نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أي وجدنا عليه آباءنا.

* * *

171- ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء أراد: مثل الذين كفروا ومثلنا في وعظهم. فحذف "ومثلنا" اختصارا. إذ كان في الكلام ما يدل عليه; على ما بينت في "تأويل المشكل" .

كمثل الذي ينعق وهو: الراعي; [يقال: نعق بالغنم ينعق بها] ; إذا صاح بها.

بما لا يسمع يعني الغنم. [ ص: 69 ] إلا دعاء ونداء حسب; ولا يفهم قولا .

173- فمن اضطر غير باغ أي غير باغ على المسلمين، مفارق لجماعتهم، ولا عاد عليهم بسيفه .

ويقال: غير عاد في الأكل حتى يشبع ويتزود .

وما أهل به لغير الله أي: ما ذبح لغير الله. وإنما قيل ذلك: لأنه يذكر عند ذبحه غير اسم الله فيظهر ذلك، أو يرفع الصوت به. وإهلال الحج منه، إنما هو إيجابه بالتلبية. واستهلال الصبي منه إذا ولد، أي: صوته بالبكاء.

* * *

175- فما أصبرهم على النار ما أجرأهم. وحكى الفراء عن [ ص: 70 ] الكسائي أنه قال: أخبرني قاضي اليمن: أنه اختصم إليه رجلان، فحلف أحدهما على حق صاحبه. فقال له الآخر: ما أصبرك على الله. ويقال منه قوله: اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا قال مجاهد: ما أصبرهم على النار، ما أعملهم بعمل أهل النار. وهو وجه حسن. يريد ما أدومهم على أعمال أهل النار. وتحذف الأعمال.

قال أبو عبيدة: ما أصبرهم على النار. بمعنى ما الذي أصبرهم على ذلك ودعاهم إليه. وليس بتعجب .

* * *

177- " ابن السبيل " الضيف .

و والصابرين في البأساء أي في الفقر. وهو من البؤس.

والضراء المرض والزمانة والضر. ومنه يقال: ضرير بين الضر. فأما الضر - بفتح الضاد - فهو ضد النفع.

وحين البأس أي حين الشدة. ومنه يقال: لا بأس عليك. وقيل للحرب: البأس. [ ص: 71 ]

178- كتب عليكم القصاص قال ابن عباس كان القصاص في بني إسرائيل ولم تكن [فيهم] الدية. فقال الله عز وجل لهذه الأمة: (كتب عليكم القصاص والكتاب يتصرف على وجوه قد بينتها في "تأويل المشكل"

فمن عفي له من أخيه شيء قال قبول الدية في العمد، والعفو عن الدم.

فاتباع بالمعروف أي مطالبة بالمعروف . يريد ليطالب آخذ الدية الجاني مطالبة جميلة لا يرهقه فيها.

وأداء إليه بإحسان أي ليؤد المطالب ما عليه أداء بإحسان لا يبخسه ولا يمطله مطل مدافع.

ذلك تخفيف من ربكم عما كان على من قبلكم. يعني القصاص. [ ص: 72 ] ورحمة لكم.

فمن اعتدى بعد ذلك أي قتل بعد أخذ الدية.

فله عذاب أليم قال قتادة: يقتل ولا تؤخذ منه الدية.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا أعافي رجلا قتل بعد أخذه الدية " .

* * *

179- ولكم في القصاص حياة يريد: أن سافك الدم إذا أقيد منه، ارتدع من يهم بالقتل فلم يقتل خوفا على نفسه أن يقتل. فكان في ذلك حياة .

* * *

180- كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا أي مالا.

الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف أي يوصي لهم ويقتصد في ذلك، لا يسرف ولا يضر. وهذه منسوخة بالمواريث. [ ص: 73 ] * * *

181- فمن بدله بعدما سمعه أي بدل الوصية. فإثم ما بدل عليه.

* * *

182- ( الجنف ) الميل عن الحق. يقال: جنف يجنف جنفا. يقول: إن خاف أي علم من الرجل في وصيته ميلا عن الحق، فأصلح بينه وبين الورثة، وكفه عن الجنف - فلا إثم عليه ، أي على الموصي.

قال طاوس: هو الرجل يوصي لولد ابنته يريد ابنته .

183- كتب عليكم الصيام فرض.

184- فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر أي فعليه عدة من أيام أخر مثل عدة ما فاته.

وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وهذا منسوخ بقوله: فمن شهد منكم الشهر فليصمه . والشهر منصوب لأنه ظرف. ولم ينصب بإيقاع شهد عليه. كأنه قال: فمن شهد [ ص: 74 ] منكم في الشهر ولم يكن مسافرا فليصم. لأن الشهادة للشهر قد تكون للحاضر والمسافر .

* * *

186- فليستجيبوا لي أي: يجيبوني، هذا قول أبي عبيدة، وأنشد:


وداع دعا يا من يجيب إلى الندى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب



أي: فلم يجبه.

* * *

187- الرفث الجماع. ورفث القول هو الإفصاح بما يجب أن يكنى عنه من ذكر النكاح.

تختانون أنفسكم أي: تخونونها بارتكاب ما حرم الله عليكم .

وابتغوا ما كتب الله لكم يعني من الولد. أمر تأديب لا فرض.

وكلوا واشربوا أمر إباحة.

حتى يتبين لكم الخيط الأبيض وهو بياض النهار. [ ص: 75 ] من الخيط الأسود وهو سواد الليل. ويتبين هذا [من هذا] عند الفجر الثاني .

عاكفون في المساجد [أي مقيمون] والعاكف: المقيم في المسجد الذي أوجب العكوف فيه على نفسه.

* * *

188- ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل أي لا يأكل بعضكم مال بعض بشهادات الزور.

وتدلوا بها إلى الحكام أي تدلي بمال أخيك إلى الحاكم ليحكم لك به وأنت تعلم أنك ظالم له. فإن قضاءه باحتيالك في ذلك عليك لا يحل لك شيئا كان محرما عليك .

وهو مثل قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله " فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه; فإنما أقطع له قطعة من النار ".

* * *

189- وقوله: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها قال [ ص: 76 ] الزهري: كان أناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء، يتحرجون من ذلك. وكان الرجل يخرج مهلا بها فتبدو له الحاجة فيرجع فلا يدخل من باب الحجرة من أجل السقف ولكنه يقتحم الجدار من وراء. ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته. وكانت قريش وحلفاؤها الحمس لا يبالون ذلك. فأنزل الله: (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى أي: بر من اتقى. كما قال: ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر أي بر من آمن بالله.

* * *

190- وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا أي لا تعتدوا على من وادعكم وعاقدكم.

* * *

191- واقتلوهم حيث ثقفتموهم أي حيث وجدتموهم.

وأخرجوهم من حيث أخرجوكم يعني من مكة.

والفتنة أشد من القتل يقول: الشرك أشد من القتل في الحرم. [ ص: 77 ]

193- وكذلك قوله: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة أي شرك .

وقوله: فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين أي لا سبيل. وأصل العدوان الظلم. وأراد بالعدوان الجزاء. يقول: لا جزاء ظلم إلا على ظالم. وقد بينت هذا في كتاب "تأويل المشكل" .

194- الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص قال مجاهد: فخرت قريش أن صدت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن البيت الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرام. فأقصه الله فدخل عليهم من قابل في الشهر الحرام في البلد الحرام إلى البيت الحرام. وأنزل الله (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص .

وقوله: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه أي: من ظلمكم فجزاؤه [ ص: 78 ] جزاء الاعتداء. على ما بينت في كتاب "المشكل" .

196- فإن أحصرتم من الإحصار. وهو أن يعرض للرجل ما يحول بينه وبين الحج من مرض أو كسر أو عدو. يقال: أحصر الرجل إحصارا فهو محصر. فإن حبس في سجن أو دار قيل: قد حصر فهو محصور.

فما استيسر من الهدي أي فما تيسر من الهدي وأمكن. والهدي ما أهدي إلى البيت. وأصله هدي مشدد فخفف. وقد قرئ: (حتى يبلغ الهدي محله بالتشديد . واحده هدية. ثم يخفف فيقال: هدية.

ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله هو من حل يحل والمحل: الموضع الذي يحل به نحره.

فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه أراد فحلق.

ففدية من صيام فحذف "فحلق" اختصارا، على ما بينت في "تأويل المشكل"

أو نسك أي ذبح. يقال: نسكت لله، أي: ذبحت له.

197- الحج أشهر معلومات شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة. [ ص: 79 ] فمن فرض فيهن الحج أي: أحرم .

فلا رفث أي: لا جماع.

ولا فسوق أي: لا سباب.

ولا جدال أي لا مراء.

198- ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم أي: نفعا بالتجارة في حجكم.

فإذا أفضتم أي دفعتم من عرفات

199- ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس كانت قريش لا تخرج من الحرم، وتقول: لسنا كسائر الناس، نحن أهل الله وقطان حرمه: فلا نخرج منه. وكان الناس يقفون خارج الحرم ويفيضون منه. فأمرهم الله أن يقفوا حيث يقف الناس: ويفيضوا من حيث أفاض الناس.

التالي السابق


الخدمات العلمية