الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ويخرج من كلامه مسألة حسنة ، وهي : مسبوق أدرك الإمام في السجدة الأولى من صلب صلاته فسجد معه ثم رفع الإمام رأسه فأحدث وانصرف ، قال ابن أبي هريرة وابن كج : على المسبوق أن يأتي بالسجدة الثانية ; لأنه صار في حكم من لزمه السجدتان . ونقل عن القاضي أبو الطيب عن عامة الأصحاب أنه لا يسجد ; لأنه بحدث الإمام انفرد ، فهي زيادة محضة بغير متابعة ، فكانت مبطلة . ا هـ . والثاني أصح وخرج بفعل زيادة ركن قولي غير تكبيرة الإحرام والسلام ( إلا أن ينسى ) ; { لأنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا ولم يعد صلاته بل سجد للسهو } ، ولو قرأ آية سجدة في صلاته فهوى للسجود فلما وصل لحد الركوع بدا له تركه جاز كقراءة بعض التشهد الأول .

                                                                                                                            ولو سجد على خشن فرفع رأسه خوفا من جرح جبهته ثم سجد ثانيا بطلت صلاته إن كان قد تحامل على الخشن بثقل رأسه في أقرب احتمالين حكاهما القاضي الحسين . ثانيهما تبطل مطلقا ، ومثله ما لو سجد على شيء فانتقل عنه لغيره بعد تحامله عليه ورفع رأسه عنه ، بخلاف ما لو فعل قبل سجود محسوب له كأن سجد على نحو يده ثم رفعها وسجد على الأرض ( وإلا ) أي ، وإن لم يكن من جنس أفعالها كضرب ومشي ( فتبطل ) صلاته ( بكثيره ) في غير نفل السفر وشدة الخوف ; لأنه يقطع نظمها ، ولا تدعو الحاجة له غالبا ( لا قليله ) إن لم يقصد به لعبا أخذا مما مر ; لأنه عليه الصلاة والسلام فعل القليل وأذن فيه ، فخلع نعليه في الصلاة ووضعهما عن يساره ، وغمز رجل عائشة في السجود ، وأشار برد السلام ، وأمر بقتل الأسودين في الصلاة الحية والعقرب ، وأمر بدفع المار وأذن في تسوية الحصى ، ولأن [ ص: 50 ] المصلي يعسر عليه السكون على هيئة واحدة في زمان طويل ، ولا بد من رعاية التعظيم فعفي عن القليل الذي لا يخل به دون الكثير ( والكثرة ) والقلة ( بالعرف ) فما يعده للناس قليلا كنزع خف ولبس ثوب فغير ضار ويحرم إلقاء نحو قملة في المسجد ، وإن كانت حية ولا يحرم إلقاؤها خارجه ( فالخطوتان ) ، وإن اتسعتا حيث لا وثبة كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى خلافا للإمام ( أو الضربتان قليل ) لما مر ( والثلاث كثير ) من ذلك أو من غيره ( إن توالت ) ، وإن كانت بقدر خطوة واحدة مغتفرة ، واضطرب المتأخرون في تعريف الخطوة ، والذي أفتى به الوالد رحمه الله تعالى أنها عبارة عن نقل رجل واحدة إلى أي جهة كانت ، فإن نقل الأخرى عدت ثانية سواء أساوى بها الأولى أم قدمها عليها أم أخرها عنها ، إذ المعتبر تعدد الفعل ، وخرج بأن توالت ما لو تفرقت بحيث تعد الثانية مثلا منقطعة عن الأولى أو الثانية منقطعة عن الثالثة فلا يضر ، ولو فعل واحدة ناويا الثلاث المتوالية بطلت كما قاله العمراني ، وقياسه البطلان بحرف واحد إذا أتى به على قصد إتيانه بحرفين ، ولو شك في كثرة فعله لم تبطل إذ الأصل عدمه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ويخرج من كلامه ) أي المصنف ( قوله : والثاني ) هو قوله : أنه لا يسجد ( قوله : إلا أن ينسى ) ومن ذلك ما لو سمع المأموم ، وهو قائم تكبيرا فظن أنه إمامه فرفع يديه للهوي وحرك رأسه للركوع ثم تبين له الصواب فكف عن الركوع فلا تبطل صلاته بذلك ; لأن ذلك في حكم النسيان ، وبذلك يسقط ما نظر به سم فيه في حواشي البهجة ، ومن ذلك ما لو تعددت الأئمة بالمسجد فسمع المأموم تكبيرا فظنه تكبير إمامه فتابعه ثم تبين له خلافه فيرجع إلى إمامه ولا يضره ما فعله للمتابعة لعذره فيه ، وإن كثر ( قوله : جاز ) أي وعليه أن يعود للقيام ثم يركع ثانيا ، ولا يقوم ما أتى به عن هوي الركوع قياسا على ما تقدم في مبحث الترتيب من أنه لو نسي الركوع فهوى للسجود ثم تذكر من أنه لا يعتد بهويه وعليه العود للقيام .

                                                                                                                            ( قوله : إن كان قد تحامل ) ظاهره ، وإن لم يطمئن ، لكن قضية قوله بخلاف ما لو فعل قبل سجود محسوب له خلافه ، وهو ظاهر حيث لم تمكنه الطمأنينة بمحله الأول ( قوله : ما لو فعل ) أي ذلك ( قوله : وسجد على الأرض ) أي فلا تبطل ، وينبغي أن محل ذلك حيث لم يقصد ابتداء هذا الفعل ، فإن قصده بطلت لتلاعبه بمجرد شروعه في الهوي ( قوله : وأمر بقتل الأسودين ) أي كأن قال خارج الصلاة اقتلوا الأسودين في صلاتكم ، وليس المراد أنه قال ذلك ، وهو يصلي ( قوله : في تسوية الحصى ) هو بالقصر ، ومفهومه أن المأذون فيه مجرد التسوية دون المسح ولو قبل الصلاة ، وسيأتي ما يفيد أن كراهة مسح الحصى مخصوصة [ ص: 50 ] بكونه في الصلاة فليتأمل ( قوله : ويحرم إلقاء نحو قملة في المسجد ) ظاهره ، وإن كان ترابيا ومن النحو البرغوث والبق ، وشمل ذلك ما لو كان منشؤه من المسجد فيحرم على من وصل إليه شيء من هوام المسجد إعادته إليه ( قوله : وإن كانت حية ) أي ; لأنها إما أن تموت فيه أو تؤذي من به ، بخلاف إلقائها خارجه بلا أذى لغيرها ، ومثل إلقائها ما لو وضعها في نعله مثلا وقد علم خروجها منه إلى المسجد .

                                                                                                                            ( قوله : ولا يحرم إلقاؤها ) عبارة حج : وأما إلقاؤها أو دفنها فيه حية فظاهر فتاوى المصنف حله ، ويؤيده ما جاء عن أبي أمامة وابن مسعود ومجاهد أنهم كانوا يتفلون في المسجد ويدفنون القمل في حصاه ، وظاهر كلام الجواهر تحريمه ، وبه صرح ابن يونس ، ويؤيده الخبر الصحيح { إذا وجد أحدكم القملة في المسجد فليصرها في ثوبه حتى يخرج من المسجد } والأول أوجه مدركا ; لأن موتها فيه ، وإيذاءها غير متيقن بل ولا غالب ، ولا يقال رميها فيه تعذيب لها ; لأنها تعيش بالتراب ، مع أن فيه مصلحة كدفنها ، وهو الأمن من توقع إيذائها لو تركت بلا رمي أو بلا دفن . ا هـ ( قوله : واضطرب المتأخرون إلخ ) عبارة سم على منهج : قال في العباب : ثم إمرار اليد وردها بالحك مرة واحدة ، وكذا رفعها عن صدره ووضعها على موضع الحك . ا هـ . ثم قال : والفرق أن شأن الرجل إذا وضعت أن تبقى بخلاف اليد ، قال م ر وقضية هذا الفرق أن رفع الرجل عن الأرض ثم وضعها عليه مرة واحدة ولا مانع .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : ويخرج من كلامه ) أي عنه بمعنى أنه يستثنى منه ( قوله : جاز ) أي فيعود للقيام ولا يجوز له جعله عن الركوع كما مر ( قوله : إن كان قد تحامل ) [ ص: 50 ] أي واطمأن بقرينة ما بعده ( قوله : فالخطوتان أو الضربتان ) أي أو نحوهما وإن أوهم صنيع الشارح خلافه




                                                                                                                            الخدمات العلمية