الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ولو قرأ في الصلاة آية سجدة أو سورتها بقصد السجود في غير { الم تنزيل } في صبح يوم الجمعة [ ص: 97 ] بطلت صلاته على المعتمد إن كان عالما بالتحريم فقد قال المصنف : لو أراد أن يقرأ آية أو آيتين فيهما سجدة ليسجد فلم أر فيه كلاما لأصحابنا ، وحكى ابن المنذر عن جماعة من السلف أنهم كرهوه ، وعن أبي حنيفة وآخرين أنه لا بأس به .

                                                                                                                            ومقتضى مذهبنا أنه إن كان في غير الوقت المنهي عن الصلاة فيه وفي غير الصلاة لم يكره ، وإن كان في الصلاة أو في وقت كراهتها ففيه الوجهان فيمن دخل المسجد في هذه الأوقات لا لغرض صلاة سوى التحية ، والأصح أنه تكره له الصلاة . ا هـ .

                                                                                                                            فأفاد كلامه أن الكراهة للتحريم وأن الصلاة تبطل بها ، وبه أفتى الوالد رحمه الله تعالى تبعا للشيخ عز الدين بن عبد السلام ; لأن الصلاة منهي عن زيادة سجدة فيها إلا السجود لسبب ، كما أن الأوقات المكروهة منهي عن الصلاة فيها إلا لسبب ، فالقراءة بقصد السجود كتعاطي السبب باختياره في أوقات الكراهة ليفعل الصلاة وقد جرى على كلام النووي جماعات منهم مختصر وكلامه وغيرهم ، وعبارة الأنوار : ولو أراد أن يقرأ آية أو سورة تتضمن سجدة ليسجد ، فإن لم يكن في الصلاة ولا في الأوقات المنهية لم يكره وإن كان فيهما أو في أحدهما فالحكم كما لو دخل في الأوقات المنهية المسجد لا لغرض سوى التحية ، وقد سبق انتهى .

                                                                                                                            وقضية كلام القاضي حسين جوازه ، وظاهر أن الكلام في قراءة غير { الم } في صبح يوم الجمعة ، فقول البلقيني : إن ما ذكره النووي ممنوع [ ص: 98 ] فإن السنة الثابتة في أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ يوم الجمعة في الصبح في الركعة الأولى { الم تنزيل } فظهر منه أنه عليه الصلاة والسلام فعل ذلك عن قصد ، ولذلك استحب الشافعي أن يقرأ في الركعة الأولى من صبح يوم الجمعة السورة المذكورة ، ولا بد من قصد السنية ، وذلك يقتضي أنه قرأ السجدة ليسجد فيها مردود بما مر من التعليل وبوجود سببها ، إذ القصد فيها اتباع السنة في قراءتها في الصلاة المخصوصة والسجود فيها ، وخرج بالسامع غيره ، وإن علم برؤية السجود ، ومن زعم دخوله في قوله { وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون } مردود بما مر وبأنه لا يطلق عليه أنه قرئ عليه إلا إن سمعه ( فإن قرأ في الصلاة ) في محل قراءته وهو القيام أو بدله ولو قبل الفاتحة ; لأنه محلها في الجملة ( سجد الإمام والمنفرد ) الواو بمعنى أو بدليل إفراده الضمير في قوله لقراءته ، واختار التعبير بها ; لأنها في التقسيم كما هنا أجود من أو : أي كل منهما فحينئذ يتنازعه كل من قرأ وسجد ، فالفراء يعملهما فيه ، والكسائي يقول حذف فاعل الأول ، والبصريون يضمرونه والفاعل المضمر عندهم مفرد لا مثنى ; لأنه لو كان ضمير تثنية لبرز على رأيهم فيصير ، وإن قرآ ثم الإفراد مع عوده على الاثنين بتأويل كل منهما كما تقدم ، فالتركيب صحيح على مذهب البصريين كغيره من المذهبين قبله ، وليست صحته خاصة بالمذهبين قبله نظرا إلى عدم تثنية الضمير للتأويل المذكور ( لقراءته فقط ) أي كل لقراءة نفسه دون غيره .

                                                                                                                            واستثنى الإمام من قرأ بدلا عن الفاتحة لعجزه عنها آية سجدة فلا يسن له السجود ، ومثله الجنب الفاقد لطهورين العاجز عن الفاتحة إذا قرأ بدلها آية سجدة لئلا يقطع القيام المفروض ، واعتمده التاج السبكي ، ووجهه بأن ما لا بد منه لا يترك إلا لما لا بد منه ا هـ .

                                                                                                                            وهذا هو الظاهر وإن نظر فيه بأن ذلك إنما يتأتى في القطع لأجنبي . أما هو لما هو من مصالح ما هو فيه فلا محذور فيه ، على أنه كذلك لا يسمى قطعا ، وقد يوجه أيضا بأن البدل يعطى حكم مبدله ، فكما أن الأصل لا سجود فيه فبدله كذلك كما أفاده الوالد رحمه الله تعالى ، وخرج بقوله لقراءته فقط ما لو سجد لقراءة غيره عامدا عالما فإنه تبطل صلاته .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أو سورتها إلخ ) أو اقتدى بالإمام في صبح الجمعة لغرض السجود فقط أو سجد المصلي لغير سجدة إمامه كما يعلم مما سيذكره حرم وبطلت صلاته ا هـ حج ( قوله : بقصد السجود ) وخرج بقصد السجود ما لو قرأ بقصد أداء سنة [ ص: 97 ] السورة بعد الفاتحة فيسجد وإن علم قبل القراءة أن فيما يقرؤه آية سجدة وأنه يطلب منه السجود إذا قرأها ( قوله : بطلت صلاته ) أي بالسجود لا بمجرد القراءة ; لأن الشروع فيها ليس شروعا في المبطل ، كما لو عزم أن يأتي بثلاثة أفعال متوالية لا تبطل صلاته إلا بالشروع فيها ( قوله : إن كان عالما بالتحريم ) أي أما الجاهل والناسي فلا ، ومنه لو أخطأ فظن غير يوم الجمعة يومها فقرأ فيه { الم } بقصد السجود .

                                                                                                                            [ فائدة ] . يتصور أن يسجد في الصلاة الواحدة بسبب سهو ثنتي عشرة سجدة ، وذلك فيمن اقتدى في رباعية بأربعة بأن اقتدى بالأول في التشهد الأخير ثم بالباقين في الركعة الأخيرة من صلاتهم ثم صلى الرابعة وحده وسها كل إمام منهم فيسجد معه للسهو ، ثم أنه سها في ركعته الرابعة فيسجد لسهو كل منهم خلفه ، ثم ظن أنه سها في ركعته فسجد ثم تبين أنه لم يسه فسجد ثانيا فهذه ثنتا عشرة سجدة انتهى حواشي الرملي الكبير ( قوله : وفي غير الصلاة لم يكره ) أي بل هو مستحب ( قوله : والأصح أنه تكره له الصلاة ) أي ولا تنعقد ( قوله : وقد جرى على كلام النووي ) أي السابق في قوله فقد قال المصنف لو أراد أن يقرأ آية إلخ من كراهتها فيما ذكر ( قوله : وقد سبق ) أي وهو أنه لا تنعقد صلاته ، وبقي ما لو قرأها في وقت الكراهة ليسجد في غير وقت الكراهة هل يسن له السجود أم لا فيه نظر . والأقرب الأول ; لأنه لم يقصد سجودا غير جائز ، وقد يؤخذ ذلك من قوله : لا لغرض سوى التحية فإنه حصر المنع فيما لو دخل في وقت الكراهة لخصوص التحية .

                                                                                                                            [ فرع ] . نذر سجود التلاوة وطال الفصل بين القراءة والسجود هل يفوت ويأثم أو يجب قضاؤه ظهر على الفور ووافق م ر عليه أنه يجب قضاؤه فليراجع ذلك من باب النذر ، ونظيره ما لو نذر صلاة الكسوف هل يجب قضاؤه . ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            أقول : قوله : هل يجب إلخ القياس كذلك ، وقد يفرق بأن هذا السبب إذا فات لا يقضى ، والقلب إلى الفرق أميل لتصريحهم بأن ما شرع لسبب إذا فات لا يقضى وهذا منه . [ فرع ] . لو نذر أن لا يقرأ إلا متطهرا فهل ينعقد ذلك النذر أو لا ؟ فيه نظر ، والظاهر عدم الانعقاد ; لأن حاصل صيغته نذر عدم القراءة إذا كان محدثا وليس عدمها قربة حتى ينعقد نذره ، وبقدر انعقاده فهو لم يلتزم القراءة إذا كان متطهرا ، فبقراءته مع الحدث لم يفوت شيئا التزم فعله حتى يستقر في ذمته فيستحب له السجود إذا قرأ آية [ ص: 98 ] السجدة محدثا ، وكذا تسن لمن سمعه ( قوله : في أنه صلى الله عليه وسلم ) الأولى حذف في ( قوله : من التعليل ) أي من قوله ; لأن الصلاة منهي عن زيادة سجدة فيها إلا السجود لسبب إلخ ، والسبب هو ورود السنة بها على أنه قد يمنع قوله : ولا بد من قصد السنية بأن المدار على العلم بسنها ولا يلزم من العلم بذلك قصد الأداء عن السنة ( قوله : مردود بما مر ) أي من أنه وارد في الكفار ( قوله : أي كل منهما ) حل معنى لا إعراب ; لأنه بعد جعل الواو بمعنى أو لا يحتاج إلى التأويل بكل ( قوله : فلا يسن له السجود ) أي لما يأتي من التعليل بقوله لئلا يقطع إلخ .

                                                                                                                            وفي سم على منهج : بخلاف ما لو كرره بدلا عن السورة فإنه يسجد . ا هـ ( قوله : العاجز عن الفاتحة ) قيد بها ; لأنه لا يجوز له أن يقرأ غيرها ( قوله : وقد يوجه ) أي عدم استحباب السجود المذكور ( قوله : ما لو سجد لقراءة غيره ) أي كل من الإمام والمنفرد .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 97 - 98 ] ( قوله : بما مر من التعليل ) أي في كلام البلقيني نفسه من قوله فإن السنة الثابتة إلخ وهذا أقرب مما في حاشية الشيخ ( قوله : بما مر ) أي من أنها في حق الكافر ( قوله : المضمر ) أي بدل من الفاعل وخبره مفرد ( قوله : ومثله الجنب إلخ ) هذا فيه مانعان : الأول يشترك فيه مع ما قبله وهو المشار إليه بقوله الآتي لئلا يقطع القيام المفروض .

                                                                                                                            الثاني عدم جواز غير الأركان له فلا يأتي بشيء من السنن كما مر إذ صلاته لحرمة الوقت كما مر فكان الأولى تقديم هذا على ما قبله ، ثم يقول ، ومثله ما إذا لم يكن جنبا فاقدا لما ذكر وإلا فما قبله مغن عنه ( قوله : لئلا يقطع القيام المفروض ) أي ; لأنه قيام لمفروض وهو بدل الفاتحة ، وخرج به القيام للسورة ، والمراد قطع القيام المفروض لمفروض كالسجود [ ص: 99 ] لمتابعة الإمام .




                                                                                                                            الخدمات العلمية