الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( أحس ) الإمام ( في الركوع ) الذي تدرك به الركعة ( أو التشهد الأخير بداخل ) محل الصلاة ليأتم به ( لم يكره انتظاره ) ( في الأظهر ) من أقوال أربعة ملفقة من طرق ثمانية ; لعذره بإدراكه الركعة أو الجماعة ( إن لم يبالغ فيه ) أي التطويل ، وإلا بأن كان لو وزع على جميع أفعال الصلاة لظهر له أثر محسوس في كل على انفراده كره لو لحق آخر ، وكان انتظاره وحده لا يؤدي إلى المبالغة ولكن يؤدي إليها مع ضميمته إلى الأول كان مكروها بلا شك قاله الإمام ( ولم يفرق ) بضم الراء ( بين الداخلين ) بانتظار بعضهم لنحو دين أو صداقة أو ملازمة دون بعض ، بل يسوي بينهم في الانتظار لله تعالى ، فإن ميز بينهم ولو لنحو شرف أو علم أو قرابة أو انتظرهم لا لله تعالى بل للتودد إليهم كان مكروها ، وإن ذهب الفوراني إلى حرمته عند قصد التودد ، وقول الكفاية : إن قصد بانتظاره غير وجه الله تعالى بأن كان يميز في انتظاره بين داخل وداخل لم يصح قولا واحدا مردود كما قاله ابن العماد بأنه سبق قلم من لم يستحب إلى لم يصح بدليل حكايته بعد ذلك في البطلان قولين ، وخرج بقوله بداخل [ ص: 148 ] من أحس به قبل شروعه في الدخول فلا ينتظره لعدم ثبوت حق له إلى الآن .

                                                                                                                            وبه يندفع ما استشكل به بأن العلة إن كانت التطويل انتقض بخارج قريب مع صغر المسجد وداخل بعيد مع سعته ، وخرج بقولنا الإمام المنفرد إذا أحس بداخل يريد الاقتداء به ، فقيل إنه ينتظره ولو مع نحو تطويل طويل لفقد من يتضرر به .

                                                                                                                            ويؤخذ منه أن إمام الراضين بشروطهم المتقدمة كذلك وهو ظاهر ، لكن مقتضى كلام المصنف عدم الانتظار مطلقا كما قاله الإسنوي ، وإن قال في الكفاية إنه لم يقف فيه على نقل صريح لا سيما إن رجع الضمير في أحس للمصلي لا للإمام ( قلت : المذهب استحباب انتظاره ) بالشروط المذكورة وهو القول الثاني ( والله أعلم ) لخبر أبي داود { أنه صلى الله عليه وسلم كان ينتظر ما دام يسمع وقع نعل } ولأنه إعانة على خير من إدراك الركعة أو الجماعة ، وشمل ذلك ما إذا كانت صلاة المأموم غير مغنية عن القضاء وهو كذلك فيما يظهر .

                                                                                                                            نعم لو كان الداخل يعتاد البطء وتأخير الإحرام للركوع سن عدمه زجرا له ، أو خشي فوت الوقت بانتظاره حرم في الجمعة ، وفي غيرها حيث امتنع المد بأن شرع [ ص: 149 ] فيها ولم يبق من وقتها ما يسع جميعها ، أو كان ممن لا يرى إدراك الركعة بالركوع أو الجماعة بالتشهد كره كالانتظار في غيرهما ; لأن مصلحة الانتظار للمقتدي ولا مصلحة له هنا كما لو أدركه في الركوع الثاني من صلاة الخسوف ( ولا ينتظر في غيرهما ) أي الركوع والتشهد الأخير من قيام أو غيره فيكره إذ لا فائدة له ، وقد يسن الانتظار كما في الموافق المتخلف بإتمام الفاتحة في السجدة الأخيرة ; لفوات ركعته بقيامه منها قبل ركوعه كما سيأتي ، وما بحثه الزركشي من استحباب انتظار بطيء القراءة أو النهضة محل نظر .

                                                                                                                            والأوجه أنه إن ترتب على انتظارهما إدراك سن بشرطه ، وإلا فلا ، وما تقرر من كراهة الانتظار عن فقد شرط من الشروط المذكورة ولو على تصحيح المصنف الندب هنا هو ما في التحقيق والمجموع ، وجرى عليه الشيخ في شرح منهجه تبعا لصاحب الروض وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، وهو المعتمد خلافا لما فهمه الشارح من الكراهة على الطريق الأول ، ومن عدم استحبابه : أي إباحته على الثاني .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ولو أحس الإمام ) وفي نسخة أو المصلي ، والأولى إسقاطها إذ المنفرد إذا أحس بداخل يريد الاقتداء به ينتظره ، ولو مع نحو تطويل إلخ . ويمكن أن يكون مراده بقوله أو المصلي الإشارة إلى ما سيأتي من أنه إما أن يرجع الضمير إلى المصلي أو الإمام بقطع النظر عن واحد بعينه .

                                                                                                                            وقوله وخرج إلخ بالنظر إلى ما استظهره فيكون تفصيلا بعد إجمال ( قوله : الذي تدرك به الركعة ) احترز به عن الركوع الثاني من ركوعي الكسوف ( قوله : من أقوال أربعة ) الذي يؤخذ من كلام المحلي ثلاثة فقط وعبارته يكره يستحب لا يكره ولا يستحب ، لكن عبارة الخطيب : والقول الرابع إنه مبطل للصلاة مطلقا ( قوله : لعذره ) أي الإمام بقصد إدراك المأموم الركعة إلخ ، ولو قال لعذره بتحصيل الركعة أو الجماعة للداخل كان أوضح ( قوله : مع ضميمته إلى الأول ) وسواء كان دخول الآخر في الركوع الذي انتظر فيه الأول أو في ركوع آخر انتهى ابن حجر بالمعنى . وقياسه أن الآخر إذا دخل في التشهد كان حكمه كذلك ( قوله : ولم يفرق بضم الراء ) قال في المصباح : فرقت بين الشيئين فرقا من باب قتل : فصلت أبعاضه ، وفرقت بين الحق والباطل : فصلت أيضا هذه اللغة العالية وبها قرأ السبعة في قوله { فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين } وفي لغة من باب ضرب ، وقرأ بها بعض التابعين .

                                                                                                                            وقال ابن الأعرابي : فرقت بين الكلامين فافترقا مخفف ، وفرقت بين العبدين فتفرقا مثقل ، فجعل المخفف في المعاني والمثقل في الأعيان ، والذي حكاه [ ص: 148 ] غيره أنهما بمعنى ، والتثقيل مبالغة . ا هـ .

                                                                                                                            ( قوله : وبه يندفع ) أي وبهذا التوجيه وهو قوله : لعدم ثبوت حق له إلخ ( قوله : ولو مع نحو تطويل ) ومعلوم أن محل ذلك حيث لم يكن له عذر يرخص في ترك الجماعة كالخوف على ماله لو انتظر ( قوله : عدم الانتظار ) معتمد ، وقوله مطلقا : أي إماما أو غيره رضي المأمومون أم لا ( قوله : كما قاله الإسنوي إلخ ) قضية ما نقله سم على منهج عن الشارح اعتماد هذا ، وعبارته قوله : في ركوع أول إلخ .

                                                                                                                            قرر م ر أن الانتظار في ذلك محله إذا لم يكونوا غير محصورين ولم يرضوا بالتطويل ، ثم قال : يسن الانتظار وإن كانوا غير محصورين ولم يرضوا . ولا تنافي بين قوله أولا إذا لم يكونوا غير محصورين ، وقوله ثانيا وإن كانوا غير محصورين ; لأن المراد بالانتظار في الأول ما فقدت فيه الشروط ، وبالثاني ما اجتمعت فيه الشروط ، وقوله لا سيما متعلق بقوله لكن مقتضى كلام المصنف إلخ ( قوله : غير مغنية ) كالمتيمم بمحل يغلب فيه وجود الماء ( قوله : سن عدمه زجرا له ) وينبغي أنه [ ص: 149 ] لو لم يفد ذلك معه لا ينتظره أيضا لئلا يكون انتظاره سببا لتهاون غيره ( قوله : أو الجماعة بالتشهد ) أقول : ينبغي أن يضم إلى ذلك أيضا ما لو أحس بداخل في التشهد الأخير ، وقد علم أنه تقام جماعة بعده بناء على أن الأفضل وهو المعتمد التأخير للاقتداء بهم تأمل . ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            ومحل ذلك حيث علم الإمام من المأموم أنه إن لم يدرك الصلاة انتظر الجماعة التي تقام بعده ( قوله : إذ لا فائدة له ) نعم إن حصلت فائدة كأن علم أنه لو ركع قبل إحرام المسبوق أحرم هاويا سن انتظاره قائما . ا هـ سم على منهج : أي وإن حصل بذلك تطويل الثانية مثلا على ما قبلها .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : الإمام ) أي على المرضي عنده إذ هو محل التفصيل والخلاف الآتي كما أفصح به الشهاب حج . وقوله : أي أو المصلي غرضه منه إبداء مجرد تجوزه في العبارة في ترجيع الضمير ، لكنه غير مرضي له بدليل تصديره بالأول وإتيانه في الثاني بحرف التفسير فلا تنافي كلامه ( قوله : من أقوال أربعة ) بل ستة كما بينها الكمال الدميري [ ص: 148 ]

                                                                                                                            ( قوله : ويؤخذ منه إلى قوله وهو ظاهر ) من تمام القيل وقائله الشهاب حج إلا أنه عبر بقوله وهو متجه بدل قوله وهو ظاهر ، والشارح كأنه تبعه أولا كما في نسخ ، ثم رجع فألحق في نسخ لفظ فقيل عقب قوله يريد الاقتداء به ، ثم أعقبه بقوله لكن مقتضى كلام المصنف إلخ ، كما ألحق في هذه النسخ لفظ أي أو المصلي فيما مر في حل المتن بعد أن لم تكن ( قوله : لكن مقتضى كلام المصنف عدم الانتظار ) يعني المشتمل على مبالغة ، وقوله : مطلقا : أي سواء الإمام وغيره كما يعلم من كلام الإسنوي .

                                                                                                                            وعبارته : مقتضى كلام المصنف جريان الخلاف في المنفرد والإمام إن لم يجعل الضمير في أحس عائدا إلى الإمام بل إلى المصلي وهو المتجه ا هـ .

                                                                                                                            لكن قوله وإن قال في الكفاية فيما فرض فيه الإسنوي كلامه وليس كذلك ، فإن كلام الكفاية مفروض في إمام الراضين خاصة .

                                                                                                                            وعبارته : فائدة : هل محل الخلاف في الاستحباب وغيره مخصوص بما إذا لم يؤثر المأمومون التطويل أو يشمل الحالين ؟ هذا لم أقف فيه على نقل ، ولكن كلام بعضهم يفهم أنه مخصوص بما إذا لم يؤثره وإلى آخر ما ذكره ، على أن كلام الكفاية من عدم وقوفه على نقل صريح في المسألة لا ينافي ما ذكره الإسنوي بفرض أن فرض كلامهما واحد حتى يسوغ للشارح أخذه غاية له بقوله وإن قال في الكفاية إلخ ، ثم قوله : لا سيما إلخ يقتضي أن كلام المصنف يقتضي ما ذكره الإسنوي سواء أجعل الضمير فيه راجعا إلى المصلي كما مر في كلام الإسنوي وهو ظاهر




                                                                                                                            الخدمات العلمية