الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فلا زكاة على مكاتب ) لعدم الملك التام ، ولا في كسب مأذون ، ولا في مرهون بعد قبضه ، ولا فيما اشتراه لتجارة قبل قبضه ( ومديون للعبد بقدر دينه ) فيزكي الزائد إن بلغ نصابا ، وعروض الدين كالهلاك عند محمد ، [ ص: 264 ] ورجحه في البحر ، ولو له نصب صرف الدين لأيسرها قضاء ، ولو أجناسا صرف لأقلها زكاة ، فإن استويا كأربعين شاة وخمس إبل خير

التالي السابق


( قوله فلا زكاة على مكاتب ) أي ولا على سيده ، كما في الشرنبلالية عن الجوهرة ، فلو قال فلا زكاة في كسب مكاتب لكان أولى ح ( قوله لعدم الملك التام ) أي لعدم اليد في حق السيد وعدم ملك الرقبة في حق المكاتب ، ثم رجع المال للمولى بالتعجيز أو للمكاتب بأداء بدل الكتابة لا يزكى عن السنين الماضية بل يستأنف حولا جديدا . ا هـ . ح وكان الأولى بالشارح تأخير التعليل إلى آخر المسائل الثلاث التي ذكرها فإنه علة له أيضا ; لأن المفقود فيها إما عدم اليد أو عدم ملك الرقبة وقد مر أن المراد بالملك التام المملوك رقبة ويدا ( قوله : ولا في كسب مأذون ) أي لا عليه ، ولا على سيده ما دام في يده ، أما إذا أخذه السيد ، فإنه يزكيه لما مضى من السنين على الصحيح ، وقيل : يلزمه الأداء قبل الأخذ ، وهذا إذا لم يكن على المأذون دين مستغرق ، فإن كان لا يلزم السيد الأداء لما مضى لا قبل الأخذ ، ولا بعده كذا في البحر . وكان علىالشارح أن يقول : ولا في كسب مأذون قبل قبضه كما قال في المشترى لتجارة ، بل ربما يتوهم من كلامه أن قوله بعد قبضه المذكور في مسألة الرهن ظرف لمسألة المأذون أيضا ح ( قوله : ولا في مرهون ) أي لا على المرتهن لعدم ملك الرقبة ولا على الراهن لعدم اليد ، وإذا استرده الراهن لا يزكي عن السنين الماضية ، وهو معنى قول الشارح بعد قبضه ، ويدل عليه قول البحر ومن موانع الوجوب الرهن ح وظاهره ولو كان الرهن أزيد من الدين ط .

قلت : لكن أرجع شيخ مشايخنا السائحاني الضمير في قول الشارح بعد قبضه إلى المرتهن كما رأيته بخطه في هامش نسخته ، ويؤيده أن عبارة البحر هكذا : ومن موانع الوجوب الرهن إذا كان في يد المرتهن لعدم ملك اليد ا هـ وليس فيها ما يدل على أنه لا يزكيه بعد الاسترداد ، لكن قال في الخانية : السائمة إذا غصبها ومنعها عن المالك وهو مقر ثم ردها عليه لا زكاة على المالك فيما مضى ، وكذا لو رهنها بألف وله مائة ألف فحال الحول على الرهن في يد المرتهن يزكي الراهن ما عنده من المال إلا ألف الدين ، ولا زكاة في غنم الرهن لأنها كانت مضمونة بالدين فرق بين الدراهم المغصوبة والسائمة فإنه يزكي الدراهم إذا قبضها دون السائمة ولو الغاصب مقرا . ا هـ . وظاهره أنه لا فرق بين السائمة والدراهم فليتأمل ( قوله قبل قبضه ) أما بعده فيزكيه عما مضى كما فهمه في البحر من عبارة المحيط فراجعه ، لكن في الخانية : رجل له سائمة اشتراها رجل للسيامة ولم يقبضها حتى حال الحول ثم قبضها لا زكاة على المشتري فيما مضى لأنها كانت مضمونة على البائع بالثمن . ا هـ . ومقتضى التعليل عدم الفرق بين ما اشتراها للسيامة أو للتجارة فتأمل ( قوله ومديون للعبد ) الأولى ومديون بدين يطالبه به العبد ليشمل دين الزكاة والخراج لأنه لله - تعالى - مع أنه يمنع لأن له مطالبا من جهة العباد كما مر ط ( قوله بقدر دينه ) متعلق بقوله فلا زكاة ( قوله وعروض الدين ) أي المستغرق في أثناء الحول ومثله المنقص للنصاب ولم يتم آخر الحول ، وأما الحادث [ ص: 264 ] بعد الحول فلا يعتبر اتفاقا ط ( قوله ورجحه في البحر ) وعبارته : وعند أبي يوسف لا يمنع بمنزلة نقصانه ، وتقديمهم قول محمد يشعر بترجيحه ، وهو كذلك كما لا يخفى .

وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا أبرأه ; فعند محمد يستأنف حولا جديدا لا عند أبي يوسف كما في المحيط . ا هـ .

أقول : إن كان مجرد التقديم يقتضي الترجيح فقد قدم في الجوهرة قول أبي يوسف ، وأشار في المجمع إلى أنه قول أبي حنيفة أيضا ، وأخر في شرحه دليلهما عن دليل محمد فاقتضى ترجيح قولهما لأن الدليل المتأخر يتضمن الجواب عن المتقدم ، بل ما عزاه إلى محمد عزاه في البدائع وغيرها إلى زفر . وفي البحر في آخر باب زكاة المال عن المجتبى : الدين في خلال الحول لا يقطع حكم الحول وإن كان مستغرقا . وقال زفر : يقطع . ا هـ . وجزم به الشارح هناك قبيل قول المصنف وقيمة العرض تضم إلى الثمنين ، فقد ظهر لك ما في ترجيح البحر فتدبر ، نعم ما في البحر أوجه لأن الدين مانع من ابتداء الحول فيمنع من بقائه بالأولى لأن البقاء أسهل تأمل ، ولعل القول بعدم المنع مبني على ما إذا كان النصاب تاما في آخر الحول أيضا ، بأن ملك ما يفي الدين من غير النصاب تأمل ( قوله : ولو له نصب إلخ ) كأن يكون عنده دراهم ودنانير وعروض التجارة وسوائم يصرف الدين إلى الدراهم والدنانير ثم إلى العروض ثم إلى السوائم كما في البحر ح ( قوله : ولو أجناسا ) أي ولو كانت السوائم التي عنده أجناسا ، بأن كان له أربعون من الغنم وثلاثون من البقر وخمس من الإبل صرف الدين إلى الغنم أو الإبل دون البقر لأن التبيع فوق الشاة بحر ثم قال : هكذا أطلقوا ، وقيده في المبسوط بأن يحضر الساعي ، وإلا فالخيار لرب المال إن شاء صرف الدين إلى السائمة وأدى الزكاة من الدراهم ، وإن شاء عكس لأنهما في حقه سواء . ا هـ . ( قوله خير ) لأن الواجب في كل منهما شاة واحدة . قال في البحر : وقيل يصرف إلى الغنم لتجب الزكاة في الإبل في العام القابل ا هـ أي لأنه إذا دفع من الغنم واحدة يبقى تسعة وثلاثون لا تجب زكاتها في القابل .

[ تتمة ]

بقي ما إذا كان للمديون مال الزكاة وغيره من عبيد الخدمة وثياب البذلة ودور السكنى ، فيصرف الدين أولا إلى مال الزكاة لا إلى غيره ، ولو من جنس الدين خلافا لزفر ، حتى لو تزوج على خادم بغير عينه وله مائتا درهم وخادم صرف دين المهر إلى المائتين دون الخادم عندنا لأن غير مال الزكاة يستحق للحوائج ، ومال الزكاة فاضل عنها فكان الصرف إليه أيسر وأنظر بأرباب الأموال ، ولهذا لا يصرف إلى ثياب البذلة وقوته ، ولو من جنس الدين ، قال محمد في الأصل : أرأيت لو تصدق عليه ألم يكن موضعا للصدقة ؟ ومعناه أن مال الزكاة مشغول بالدين فالتحق بالعدم وملك الدار والخادم لا يحرم عليه أخذ الصدقة فكان فقيرا ولا زكاة على الفقير ، وأما إذا لم يكن له مال زكاة يصرف الدين إلى عروض البذلة ثم إلى العقار لأن الملك مما يستحدث في العروض ساعة فساعة ، أما العقار فبخلافها غالبا بدائع .

أقول : والظاهر أن قوله يصرف الدين إلى عروض البذلة إلخ كلام استطرادي مفروض فيما إذا أراد القاضي بيع ماله عليه في قضاء دينه كما صرحوا به في الحجر لا في مسألة الزكاة ; إذ الفرض أنه ليس له مال زكاة فأي شيء يزكيه . ولو كان له مال زكاة فقد صرح قبله بأن الدين يصرف إلى مال الزكاة دون غيره ، وعليه فلو استقرض مائتي درهم وحال عليها الحول عنده ، وليس له إلا ثياب البذلة ونحوها مما ليس مال زكاة لا زكاة عليه ، ولو كانت الثياب تفي بالدين لأن الدين الذي عليه يصرف إلى الدراهم التي عنده دون الثياب ، وقد صرح [ ص: 265 ] في السراج أيضا بأنه لا يصرف الدين لملك آخر لا زكاة فيه وفي الزيلعي أيضا : ولا يتحقق الغنى بالمال المستقرض ما لم يقض




الخدمات العلمية