الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ فروع ]

المصحف إذا صار بحال لا يقرأ فيه يدفن كالمسلم ، ويمنع النصراني من مسه ، وجوزه محمد إذا اغتسل ولا بأس بتعليمه القرآن والفقه عسى يهتدي . ويكره وضع المصحف تحت رأسه إلا للحفظ والمقلمة على الكتاب إلا للكتابة . ويوضع النحو ثم التعبير [ ص: 178 ] ثم الكلام ثم الفقه ثم الأخبار والمواعظ ثم التفسير . تكره إذابة درهم عليه آية إلا إذا كسره رقية في غلاف متجاف لم يكره دخول الخلاء به ، والاحتراز أفضل . يجوز رمي براية القلم الجديد ، ولا ترمى براية القلم المستعمل لاحترامه كحشيش المسجد وكناسته لا يلقى في موضع يخل بالتعظيم . ولا يجوز لف شيء في كاغد فيه فقه ، وفي كتب الطب يجوز ، ولو فيه اسم الله أو الرسول فيجوز محوه ليلف فيه شيء ، ومحو بعض الكتابة بالريق يجوز ، وقد ورد النهي في محو اسم الله بالبزاق ، وعنه عليه الصلاة والسلام " { القرآن أحب إلى الله تعالى من السماوات والأرض ومن فيهن } " . يجوز قربان المرأة في بيت فيه مصحف مستور . بساط أو غيره كتب عليه الملك لله يكره بسطه واستعماله لا تعليقه للزينة . وينبغي أن لا يكره كلام الناس مطلقا ، وقيل : يكره مجرد الحروف والأول أوسع ، وتمامه في البحر ، وكراهية القنية . [ ص: 179 ] قلت : وظاهر انتفاء الكراهة بمجرد تعظيمه وحفظه علق أو لا زين به أو لا ، وهل ما يكتب على المراوح وجدر الجوامع كذا يحرر .

التالي السابق


( قوله : يدفن ) أي يجعل في خرقة طاهرة ويدفن في محل غير ممتهن لا يوطأ . وفي الذخيرة وينبغي أن يلحد له ولا يشق له ; لأنه يحتاج إلى إهالة التراب عليه ، وفي ذلك نوع تحقير إلا إذا جعل فوقه سقف بحيث لا يصل التراب إليه فهو حسن أيضا ا هـ . وأما غيره من الكتب فسيأتي في الحظر والإباحة أنه يمحى عنها اسم الله تعالى وملائكته ورسله ويحرق الباقي ولا بأس بأن تلقى في ماء جار كما هي أو تدفن وهو أحسن . ا هـ .

( قوله : كالمسلم ) فإنه مكرم ، وإذا مات وعدم نفعه يدفن وكذلك المصحف ، فليس في دفنه إهانة له ، بل ذلك إكرام خوفا من الامتهان .

( قوله : ويمنع النصراني ) في بعض النسخ الكافر ، وفي الخانية الحربي أو الذمي .

( قوله : من مسه ) أي المصحف بلا قيده السابق .

( قوله : وجوزه محمد إذا اغتسل ) جزم به في الخانية بلا حكاية خلاف . قال في البحر : وعندهما يمنع مطلقا .

( قوله : ويكره وضع المصحف إلخ ) وهل التفسير والكتب الشرعية كذلك ؟ يحرر ط . أقول : الظاهر نعم كما تفيده المسألة التالية ، ثم رأيته في كراهية العلامي .

( قوله : إلا للحفظ ) أي حفظه من سارق ونحوه . [ تنبيه ]

سئل بعض الشافعية عمن اضطر إلى مأكول ولا يتوصل إليه إلا بوضع المصحف تحت رجله . فأجاب : الظاهر الجواز لأن حفظ الروح مقدم ولو من غير الآدمي ; ولذا لو أشرفت سفينة على الغرق واحتيج إلى الإلقاء ألقي المصحف حفظا للروح والضرورة تمنع كونه امتهانا كما لو اضطر إلى السجود لصنم حفظا لروحه .

( قوله : والمقلمة ) أي الدواة .

( قوله : إلا للكتابة ) الظاهر أن ذلك عند الحاجة إلى الوضع .

( قوله : ويوضع إلخ ) أي على سبيل الأولوية رعاية للتعظيم .

( قوله : النحو ) أي كتبه واللغة مثله كما في البحر .

( قوله : ثم التعبير ) أي تعبير الرؤيا كابن سيرين [ ص: 178 ] وابن شاهين لأفضليته لكونه تفسيرا لما هو جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وهو الرؤيا ط .

( قوله : ثم الفقه ) لعل وجهه أن معظم أدلته من الكتاب والسنة فيكثر فيه ذكر الآيات والأحاديث ، بخلاف علم الكلام فإن ذلك خاص بالسمعيات منه فقط تأمل .

( قوله : ثم الأخبار والمواعظ ) عبارة البحر عن القنية : الأخبار والمواعظ والدعوات المروية . ا هـ . والظاهر أن المروية صفة للكل أي المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم .

( قوله : ثم التفسير ) قال في البحر : والتفسير فوق ذلك ، والتفسير الذي فيه آيات مكتوبة فوق كتب القراءة . زاد الرملي عن الحاوي والمصحف فوق الجميع .

( قوله : إلا إذا كسره ) فحينئذ لا يكره ، كما لا يكره مسه لتفرق الحروف أو لأن الباقي دون آية .

( قوله : رقية إلخ ) الظاهر أن المراد بها ما يسمونه الآن بالهيكل والحمائلي المشتمل على الآيات القرآنية ، فإذا كان غلافه منفصلا عنه كالمشمع ونحوه جاز دخول الخلاء به ومسه وحمله للجنب . ويستفاد منه أن ما كتب من الآيات بنية الدعاء والثناء لا يخرج عن كونه قرآنا ، بخلاف قراءته بهذه النية فالنية تعمل في تغيير المنطوق لا المكتوب ا هـ من شرح سيدي عبد الغني .

( قوله : لاحترامه ) أي بسبب ما كتب به من أسماء الله تعالى ونحوها ، على أن الحروف في ذاتها لها احترام .

( قوله : لا يلقى ) أي ما ذكر من الحشيش والكناسة .

( قوله : في كاغد ) هو القرطاس معربا قاموس ، وهو بفتح الغين المعجمة كما نقل عن المصباح .

( قوله : فيجوز محوه ) المحو : إذهاب الأثر كما في القاموس . قال ط : وهل إذا طمس الحروف بنحو حبر يعد محوا يحرر .

( قوله : ومحو بعض الكتابة ) ظاهره ولو قرآنا ، وقيد بالبعض لإخراج اسم الله تعالى ط .

( قوله : وقد ورد النهي إلخ ) فهو مكروه تحريما ; وأما لعقه بلسانه وابتلاعه فالظاهر جوازه ط .

( قوله : ومن فيهن ) ظاهره يعم النبي صلى الله عليه وسلم ، والمسألة ذات خلاف والأحوط الوقف ، وعبر بمن الموضوعة للعاقل ; لأن غيره تبع له ، ولعل ذكر هذا الحديث للإشارة إلى أن القرآن يلحق باسم الله تعالى في النهي عن محوه بالبزاق ، فيخص قوله ومحو بعض الكتابة إلخ بغير القرآن أيضا ، فليتأمل ط .

( قوله : مستور ) ظاهره عدم جوازه إذا لم يشترط . أقول : وعبارة الخانية : ولا بأس بالخلوة والمجامعة في بيت فيه مصحف ; لأن بيوت المسلمين لا تخلو من ذلك .

( قوله : مطلقا ) أي سواء استعمل أو علق .

( قوله : وتمامه في البحر ) حيث قال وقيل يكره حتى الحروف [ ص: 179 ] المفردة . ورأى بعض الأئمة شبانا يرمون إلى هدف كتب فيه أبو جهل لعنه الله فنهاهم عنه ، ثم مر بهم وقد قطعوا الحروف فنهاهم أيضا وقال : إنما نهيتكم في الابتداء لأجل الحروف فإذا يكره مجرد الحروف ، لكن الأول أحسن وأوسع . ا هـ . قال سيدي عبد الغني : ولعلوجه ذلك أن حروف الهجاء قرآن نزلت على هود عليه السلام كما صرح بذلك الإمام القسطلاني في كتابه [ الإشارات في علم القراءات ] ا هـ .

( قوله : قلت وظاهره إلخ ) كذا يوجد في بعض النسخ أي ظاهر قوله لا تعليقه للزينة .

( قوله : يحرر ) أقول : في فتح القدير : وتكره كتابة القرآن وأسماء الله تعالى على الدراهم والمحاريب والجدران وما يفرش . ا هـ . والله تعالى أعلم .




الخدمات العلمية