الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 232 ] ( من عجز ) مبتدأ خبره تيمم ( عن استعمال الماء ) المطلق الكافي لطهارته لصلاة تفوت إلى خلف ( لبعده ) [ ص: 233 ] ولو مقيما في المصر ( ميلا ) أربعة آلاف ذراع ، وهو أربع وعشرون أصبعا ، وهي ست شعيرات ظهر لبطن ، وهي ست شعرات بغل ( أو لمرض ) يشتد أو يمتد بغلبة ظن أو قول حاذق مسلم ولو بتحرك ، أو لم يجد من توضئه ، فإن وجد ولو بأجرة مثل وله ذلك لا يتيمم في ظاهر المذهب كما في البحر . [ ص: 234 ] وفيه : لا يجب على أحد الزوجين توضيء صاحبه وتعهده ، وفي مملوكه يجب ( أو برد ) يهلك الجنب أو يمرضه ولو في المصر إذا لم تكن له أجرة حمام ولا ما يدفئه ، وما قيل إنه في زماننا يتحيل بالعدة فمما لم يأذن به الشرع ، نعم إن كان له مال غائب يلزمه الشراء نسيئة وإلا لا ( أو خوف عدو ) كحية أو نار على نفسه ولو من فاسق أو حبس غريم أو ماله [ ص: 235 ] ولو أمانة : ثم إن نشأ الخوف بسبب وعيد عبد أعاد الصلاة وإلا لا ; لأنه سماوي ( أو عطش ) ولو لكلبه أو رفيق القافلة حالا أو مآلا ، وكذا العجين ، أو إزالة نجس كما سيجيء : وقيد ابن الكمال عطش دوابه بتعذر حفظ الغسالة بعدم الإناء .

وفي السراج للمضطر أخذه قهرا وقتاله ، [ ص: 236 ] فإن قتل رب الماء فهدر وإن المضطر ضمن بقود أو دية ( أو عدم آلة ) طاهرة يستخرج بها الماء ولو شاشا وإن نقص بإدلائه أو شقه نصفين قدر قيمة الماء ، كما لو وجد من ينزل إليه بأجر ( تيمم ) لهذه الأعذار كلها ، حتى لو تيمم لعدم الماء ثم مرض مرضا يبيح التيمم لم يصل بذلك التيمم [ ص: 237 ] ; لأن اختلاف أسباب الرخصة يمنع الاحتساب بالرخصة الأولى وتصير الأولى كأن لم تكن ، جامع الفصولين فليحفظ ( مستوعبا وجهه ) حتى لو ترك شعره أو وترة منخره لم يجز ( ويديه ) فينزع الخاتم والسوار أو يحرك به يفتى ( مع مرفقيه ) فيمسحه الأقطع ( بضربتين ) ولو من غيره أو ما يقوم مقامهما ، لما في الخلاصة وغيرها

التالي السابق


( قوله من عجز ) العجز على نوعين : عجز من حيث الصورة والمعنى ، وعجز من حيث المعنى فقط ، فأشار إلى الأول بقوله لبعده ، وإلى الثاني بقوله أو لمرض ، أفاده في البحر . وفيه عن المحيط المسافر يطأ جاريته وإن علم أنه لا يجد الماء ; لأن التراب شرع طهورا حال عدم الماء ; ولا تكره الجنابة حال وجوده فكذا حالة عدمه . ا هـ ( قوله مبتدأ ) المبتدأ لفظ من فقط ، لكن لما كان الصلة والموصول كالشيء الواحد تسمح في إطلاق المبتدإ عليهما ط ( قوله المطلق ) قيد به ; لأن غيره كالعدم ( قوله الكافي لطهارته ) أي من الخبث والحدث الأصغر أو الأكبر ، فلو وجد ماء يكفي لإزالة الحدث أو غسل النجاسة المانعة غسلها وتيمم عند عامة العلماء ، وإن عكس وصلى في النجس أجزأه وأساء خانية ، ولو تيمم أولا ثم غسلها يعيد التيمم ; لأنه تيمم وهو قادر على الوضوء محيط ، ونظر فيه في البحر بما سنذكره مع جوابه . وفي القهستاني : إذا كان للجنب ماء يكفي لبعض أعضائه أو للوضوء تيمم ولم يجب عليه صرفه إليه ، إلا إذا تيمم للجنابة ثم أحدث فإنه يجب عليه الوضوء لأنه قدر على ماء كاف ، ولا يجب لأنه بالتيمم خرج عن الجنابة إلى أن يجد ماء كافيا للغسل ، كذا في شرح الطحاوي وغيره . ا هـ ( قوله لصلاة ) متعلق بقوله لطهارته أو باستعمال ، واحترز بها عن النوم ورد السلام ونحوه مما يأتي فإنه لا يشترط له العجز ( قوله تفوت إلى خلف ) كالصلوات الخمس فإن خلفها قضاؤها ، وكالجمعة فإن خلفها الظهر ، واحترز به عما لا يفوت إلى خلف كصلاة الجنازة والعيد والكسوف والسنن والرواتب فلا يشترط لها العجز كما سيأتي ( قوله لبعده ) الضمير يرجع إلى من ط ، وقيد بالعبد لأنه عند عدمه لا يتيمم وإن خاف خروج الوقت في صلاة لها خلف خلافا لزفر ، وسيذكر الشارح أن الأحوط أن يتيمم ويصلي ثم يعيد . [ ص: 233 ]

ويتفرع على هذا الاختلاف ما لو ازدحم جمع على بئر لا يمكن الاستقاء منها إلا بالمناوبة أو كانوا عراة ليس معهم إلا ثوب يتناوبونه وعلم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعد الوقت فإنه لا يتيمم ولا يصلي عاريا بل يصبر عندنا ، وكذا لو اجتمعوا في مكان ضيق ليس فيه إلا موضع يسع أن يصلي قائما فقط يصبر ويصلي قائما بعد الوقت كعاجز عن القيام والوضوء في الوقت ويغلب على ظنه القدرة بعده ، وكذا من معه ثوب نجس وماء يلزمه غسل الثوب وإن خرج الوقت بحر ملخصا عن التوشيح ( قوله ولو مقيما ) لأن الشرط هو العدم فأينما تحقق جاز التيمم ، نص عليه في الأسرار بحر ( قوله ميلا ) هو المختار في المقدار هداية ، وهو أقرب الأقوال بدائع . والمعتبر غلبة الظن في تقديره إمداد وغيره . والميل في كلام العرب منتهى مد البصر : وقيل للأعلام المبنية في طريق مكة أميال لأنها بنيت كذلك كما في الصحاح والمغرب ، والمراد هنا ثلث الفرسخ . والفرسخ ربع البريد .

( قوله أربعة آلاف ذراع ) كذا في الزيلعي والنهر والجوهرة . وقال في الحلية إنه المشهور كما نقله غير واحد منهم السروجي في غايته . ا هـ . وفي شرح العيني ومسكين والبحر عن الينابيع أنه أربعة آلاف خطوة . قال الرملي : والأول هو المعول عليه ، وما في الشرنبلالية من التوفيق بينهما بأن يراد بالذراع ما فيه أصبع قائمة عند كل قبضة فيبلغ ذراعا ونصفا بذراع العامة . ا هـ . فيه نظر لضبطهم الذراع بما ذكره الشارح ( قوله وهو ) أي الذراع بعدد حروف لا إله إلا الله المرسومة ( قوله ظهر لبطن ) أي يلصق ظهر كل شعيرة لبطن الأخرى . وفي بعض النسخ ظهرا بالنصب على الحال موافقا لما في كثير من الكتب : أي ملصقا ( قوله يشتد ) أي يزيد في ذاته ، وقوله أو يمتد : أي يطول زمنه ، وكذا لو كان صحيحا خاف حدوث مرض كما في القهستاني ، وهو معلوم من قول المصنف أو برد ( قوله بغلبة ظن ) أي عن أمارة أو تجربة شرح المنية ( قوله أو قول حاذق مسلم ) أي إخبار طبيب حاذق مسلم غير ظاهر الفسق ، وقيل عدالته شرط شرح المنية ( قولة ولو بتحرك ) متعلق بيشتد . ا هـ ح ولا مانع من تعلقه بيمتد أيضا لأن التحرك يكون سببا في الامتداد أيضا ط . وفي البحر : ولا فرق عندنا بين أن يشتد بالتحرك كالمبطون أو بالاستعمال كالجدري ( قوله أو لم يجد ) أي أو كان لا يخاف الاشتداد ولا الامتداد ، لكنه لا يقدر بنفسه ولم يجد من يوضئه ( قوله كما في البحر ) حاصل ما فيه أنه إن وجد خادما : أي من تلزمه طاعته كعبده وولده وأجيره لا يتيمم اتفاقا ، وإن وجد غيره ممن لو استعان به أعانه ولو زوجته فظاهر المذهب أنه لا يتيمم أيضا بلا خلاف . وقيل على قول الإمام يتيمم ، وعلى قولهما لا كالخلاف في مريض لا يقدر على الاستقبال أو التحول من الفراش النجس ووجد من يوجهه أو يحوله لأن عنده لا يعتبر المكلف قادرا بقدرة الغير . والفرق على ظاهر المذهب أن المريض يخاف عليه زيادة الوجع في قيامه وتحوله لا في الوضوء . ا هـ [ ص: 234 ]

أقول : حاصل الفرق أن زيادة المرض حاصلة بالأول لا بالثاني لأن فرض المسألة أنه لا يخاف الاشتداد ولا الامتداد ، فلم يكن عاجزا حقيقة فيلزمه الاستعانة على وضوئه ، ولا يجوز له التيمم بخلاف الأول ; لأنه عاجز حقيقة فلا تلزمه الاستعانة ، وفيه نظر فإنه في الثاني وإن لم يخف الزيادة لكنه لا يقدر بنفسه فهو عاجز حقيقة أيضا ، وليس المبيح للتيمم هو خصوص زيادة المرض تأمل وفي البحر : وظاهر ما في التجنيس أنه لو له مال يستأجر به أجيرا لا يتيمم قل الأجر أو كثر . وفي المبتغى خلافه والظاهر عدم الجواز لو قليلا . ا هـ . والمراد بالقليل أجرة المثل كما بحثه في النهر والحلية وبه جزم الشارح ( قوله وفيه ) أي البحر حيث قال : لما كان على السيد تعاهد العبد في مرضه كان على عبده أن يتعاهده في مرضه ، والزوجة لما لم يكن عليه أن يعاهدها في مرضها فيما يتعلق بالصلاة لا يجب عليها ذلك إذا مرض ، فلا يعد قادرا بفعلها . ا هـ لكن قدمنا أن ظاهر المذهب أنه لا يجوز له التيمم إن كان لو استعان بالزوجة تعينه وإن لم يكن ذلك واجبا عليها ( قوله توضيء ) بالتاء الفوقية في أوله وفي آخره همزة قبلها ياء ممدودة مصدر وضأ بالتشديد مثل فرح تفريحا ( قوله يجب ) أي يجب عليه أن يوضئ مملوكه وكذا عكسه وهو ظاهر ( قوله يهلك الجنب أو يمرضه ) قيد بالجنب ; لأن المحدث لا يجوز له التيمم للبرد في الصحيح خلافا لبعض المشايخ كما في الخانية والخلاصة وغيرهما . وفي المصفى أنه بالإجماع على الأصح ، قال في الفتح وكأنه لعدم تحقيق ذلك في الوضوء عادة . ا هـ . واستشكله الرملي بما صححه في الفتح وغيره في مسألة المسح على الخف من أنه لو خاف سقوط رجله من البرد بعد مضي مدته يجوز له التيمم . قال : وليس هذا إلا تيمم المحدث لخوفه على عضوه ، فيتجه ما في الأسرار من اختيار قول بعض المشايخ .

أقول : المختار في مسألة الخف هو المسح لا التيمم كما سيأتي في محله - إن شاء الله تعالى - نعم مفاد التعليل بعدم تحقيق الضرر في الوضوء عادة أنه لو تحقق جاز فيه أيضا اتفاقا ، ولذا مشى عليه في الإمداد ; لأن الحرج مدفوع بالنص ، هو ظاهر إطلاق المتون ( قوله ولو في العصر ) أي خلافا لهما ( قوله ولا ما يدفئه ) أي من ثوب يلبسه أو مكان يأويه . قال في البحر : فصار الأصل أنه متى قدر على الاغتسال بوجه من الوجوه لا يباح له التيمم إجماعا ( قوله ما قيل إلخ ) أي قال بعضهم : إن الخلاف مبني على أن أجر الحمام في زمان الإمام كان يؤخذ قبل الدخول أما في زمانهما فإنه يؤخذ بعده ، فإذا عجز عن الأجرة دخل ثم يتعلل بالعسرة وبعد الإعطاء ( قوله فمما لم يأذن به الشرع ) فإن الحمامي لو علم لا يرضى بدخوله ، ففيه تغرير وهو غير جائز . قال في البحر تبعا للحلية : ومن ادعى إباحته فضلا عن تعينه فعليه البيان ( قوله نعم إلخ ) عزاه في البحر إلى الحلية وأقره ( قوله على نفسه ) متعلق بخوف ط ( قوله ولو من فاسق ) بأن كان عند الماء وخافت المرأة منه على نفسها بحر ، والأمرد في حكمها كما لا يخفى ( قوله أو حبس غريم ) بأن كان صاحب الدين عند الماء وخاف المديون المفلس من الحبس بحر ، ومفهومه أنه لو لم يكن معسرا لا يجوز ; لأنه ظالم بالمطل ( قوله أو ماله ) عطف على نفسه ح ، ولم أر من قدر المال [ ص: 235 ] بمقدار ، وسنذكر عن التتارخانية ما يفيد تقديره بدرهم كما يجوز له قطع الصلاة ( قوله ولو أمانة ) عد الأمانة ماله باعتبار وضع اليد عليها ط ( قوله ثم إن نشأ الخوف إلخ ) اعلم أن المانع من الوضوء إن كان من قبل العباد : كأسير منعه الكفار من الوضوء ، ومحبوس في السجن ، ومن قيل له إن توضأت قتلتك جاز له التيمم ويعيد الصلاة إذا زال المانع كذا في الدرر والوقاية : أي وأما إذا كان من قبل الله تعالى كالمرض فلا يعيد . ووقع في الخلاصة وغيرها : أسير منعه العدو من الوضوء والصلاة يتيمم ويصلي بالإيماء ثم يعيد ، فقيد بالإيماء ; لأنه منع من الصلاة أيضا : فلو منع من الوضوء فقط صلى بركوع وسجود كما هو ظاهر الدرر ، أفاده نوح أفندي .

ثم اعلم أنه اختلف في الخوف من العدو هل هو من الله تعالى فلا إعادة ، أو من العبد فتجب ؟ ذهب في المعراج إلى الأول ، وفي النهاية إلى الثاني ، ووفق في البحر بحمل الثاني على ما إذا حصل وعيد من العبد نشأ منه الخوف فكان من قبل العباد ، وحمل الأول على ما إذا لم يحصل ذلك أصلا بل حصل خوف منه فكان من قبل الله تعالى لتجرده عن مباشرة السبب وإن كان الكل منه تعالى خلقا وإرادة . قال : ثم رأيت في الحلية صرح بما فهمته وأقره في النهر وغيره ، وهذا ما أشار إليه الشارح رحمه الله ، وقدم الشارح في الغسل أن المرأة بين رجال تتيمم ، وقدمنا أن الرجل كذلك ، وأن الظاهر أنه لا إعادة عليه ولا عليها ; لأن المانع شرعي وهو كشف العورة عند من لا يحل له رؤيتها والمانع منه الحياء وخوف الله تعالى وهما من الله تعالى لا من قبل العباد . [ فرع ] في البحر عن المبتغى بالغين المعجمة : أجير لا يجد الماء إلا في نصف ميل لا يعذر في التيمم ، وإن لم يأذن له المستأجر تيمم وأعاد ، ولو صلى صلاة أخرى وهو يذكر هذه تفسد ( قوله أو عطش ) معطوف على عدو : أي ; لأنه مشغول بحاجته والمشغول بالحاجة كالمعدوم بحر ( قوله ولو لكلبه ) قيده في البحر والنهر بكلب الماشية والصيد ، ومفاده أنه لو لم يكن كذلك لا يعطى هذا الحكم . والظاهر أن كلب الحراسة للمنزل مثلها ط ( قوله أو رفيق القافلة ) سواء كان رفيقه المخالط له أو آخر من أهل القافلة بحر ، وعطش دابة رفيقه كعطش دابته نوح ( قوله حالا أو مآلا ) ظرف لعطش أو له ولرفيق على التنازع كما قال ح : أي الرفيق في الحال أو من سيحدث له . قال سيدي عبد الغني : فمن عنده ماء كثير في طريق الحاج أو غيره وفي الركب من يحتاج إليه من الفقراء يجوز له التيمم ، بل ربما يقال إذا تحقق احتياجهم يجب بذله إليهم لإحياء مهجهم ( قوله وكذا العجين ) فلو احتاج إليه لاتخاذ المرقة لا يتيمم ; لأن حاجة الطبخ دون حاجة العطش بحر ( قوله أو إزالة نجس ) أي أكثر من قدر الدرهم كما قدمناه . وفي الفيض : لو معه ما يغسل بعض النجاسة لا يلزمه . ا هـ .

قلت : وينبغي تقييده بما إذا لم تبلغ أقل من قدر الدرهم ، فإذا كان في طرفي ثوبه نجاسة وكان إذا غسل أحد الطرفين بقي ما في الطرف الآخر أقل من قدر الدرهم يلزمه فافهم ( قوله كما سيجيء ) أي في النواقض ( قوله بعدم الإناء ) متعلق بتعذر ط ( قوله للمضطر أخذه ) أي إذا امتنع صاحب الماء من دفعه وهو غير محتاج إليه للعطش وهناك مضطر إليه للعطش كان له أخذه منه قهرا وله أن يقاتله سراج . [ ص: 236 ]

قلت : وينبغي تقييده بما إذا امتنع من دفعه مجانا أو بالثمن ، وللمضطر ثمنه وسيأتي في فصل الشرب أن له أن يقاتله بالسلاح . قال الشارح هناك تبعا للمنح والزيلعي : هذا في غير المحرز بالأواني ، وإلا قاتله بغير سلاح إذا كان فيه فضل عن حاجته لملكه له بالإحراز ، فصار نظير الطعام . وقيل في البئر ونحوها الأولى أن يقاتله بغير سلاح ; لأنه ارتكب معصية ، فكان كالتعزير كما في الكافي . ا هـ ( قوله فإن قتل ) بالبناء للمجهول ( قوله فهدر ) أي لا قصاص فيه ولا دية ولا كفارة سراج ، وينبغي أن يضمن المضطر قيمة الماء شرنبلالية ( قوله بقود ) أي بقصاص إن كان القتل عمدا كأن قتله بمحدد ( قوله أو دية ) أي إن كان شبه عمد أو خطأ أو جرى مجرى الخطأ ، والدية على العاقلة وعلى القاتل الكفارة أفاده في البحر ط قال في السراج : وإن كان صاحب الماء محتاجا إليه للعطش فهو أولى به من غيره ، فإن احتاج إليه الأجنبي للوضوء لم يلزمه بذله ، ولا يجوز للأجنبي أخذه منه قهرا ( قوله طاهرة ) أما النجسة فكالعدم ( قوله ولو شاشا ) أي ونحوه مما يمكن إدلاؤه واستخراج الماء به قليلا وعصره ( قوله وإن نقص إلى قوله تيمم ) نقله في التوشيح عن كتب الشافعية ، ثم قال : وهذا كله موافق لقواعدنا ، وأقره في البحر ، وكذا أقره في النهر وغيره ، وهو ظاهر ، ولكن رأيت في التتارخانية ما يخالفه حيث قال : قال القاضي الإمام فخر الدين : إن نقصت قيمة المنديل قدر درهم تيمم وليس عليه أن يرسله ، ولو أقل فلا ; كما لو رأى المصلي من يسرق ماله ، فإن كان قدر درهم يقطع الصلاة وإلا فلا كذا هنا . ا هـ . وأنت خبير بأن ما ذكره الشافعية أقرب إلى القواعد ، أنه لو وجد الماء يباع يلزمه شراؤه بثمن المثل ولو كانت قيمته أكثر من درهم ، ولكن الرجوع إلى المنقول في المذهب بعد الظفر به أولى ، ولعل وجه الفرق أن الشراء وإن كثر ثمنه لا يسمى إتلافا ; لأنه مبادلة بعوض ، بخلاف إتلاف المنديل ونحوه بالإدلاء أو بالشق فإنه إتلاف بلا عوض وهو منهي شرعا .

وإذا جاز قطع الصلاة بعد الشروع فيها لأجل درهم علم أن الدرهم قدر معتبر له خطر فلا يجوز إتلافه فيما له عنه مندوحة ; لأنه عادم للماء شرعا فيتيمم .

وإذا جاز له التيمم فيما إذا كان نقصان القيمة أكثر من قيمة الماء وجعل عادما للماء مراعاة لحقه يجعل عادما للماء هنا أيضا مراعاة لحقه وحق الشرع في الامتناع عن الإتلاف المنهي عنه ، هذا ما ظهر لفهمي السقيم ، والله العليم ( قوله أو شقه ) أي إذا كان لا يصل إلى الماء بدونه ( قوله قدر قيمة الماء ) أي وآلة الاستقاء كما ذكره في البحر في صورة الشق ; والظاهر أن صورة الإدلاء كذلك تأمل ( قوله بأجر ) أي أجر المثل فيلزمه ولم يجز التيمم وإلا جاز بلا إعادة بحر عن التوشيح ( قوله كلها ) أي كل واحد منها ( قوله حتى لو تيمم إلخ ) أشار بالتفريع المذكور إلى أن كل عذر منها إنما يسمى عذرا مادام موجودا ، فلو زال بطل حكمه وإن وجد بعده عذر آخر لما سيأتي أنه ينقضه زوال ما أباحه فافهم ( قوله ثم مرض إلخ ) صادق بثلاث صور : أن يكون وجد الماء قبل المرض أو بعده أو بقي عادما له ، ولا شبهة أنه في الأولى يبطل التيمم ، وأما الثالثة فالظاهر أنه لا يبطل لعدم زوال ما أباحه ولأن اختلاف السبب لا يظهر إلا إذا زال الأول . والظاهر أن المراد الثانية فقط ، فإذا تيمم لفقد الماء ثم مرض ثم وجد الماء بعده لا يصلي بالتيمم السابق ; لأنه كان لفقد الماء ، والآن هو واجد له فبطل تيممه لزوال ما أباحه وإن [ ص: 237 ] كان له مبيح آخر في الحال ، ونظيره ما ذكره في البحر في النواقض بقوله : فإذا تيمم للمرض أو للبرد مع وجود الماء ثم فقد الماء ثم زال المرض أو البرد ينتقض لقدرته على استعمال الماء وإن لم يكن الماء موجودا . ا هـ . ومثله في النهر .

أقول : لكن يشكل عليه ما في البدائع لو مر المتيمم على ماء لا يستطيع النزول إليه لخوف عدو أو سبع لا ينتقض تيممه كذا ذكره محمد بن مقاتل الرازي ، وقال هذا قياس قول أصحابنا ; لأنه غير واجد للماء معنى فكان ملحقا بالعدم ا هـ ومثله في المنية إذ لا يخفى أن خوف العدو سبب آخر غير الذي أباح له التيمم أولا ، فإن الظاهر في فرض المسألة أنه تيمم أولا لفقد الماء ، اللهم إلا أن يجاب بأن السبب الأول هنا باق ، وفيه بحث فليتأمل ( قوله ; لأن اختلاف أسباب الرخصة إلخ ) الرخصة هنا التيمم ، وأسبابها ما تقدم من الأعذار المذكورة وسنحقق هذه القاعدة في باب الإيلاء ( قوله جامع الفصولين ) هو كتاب معتبر لابن قاضي سماوة ، جمع فيه بين فصول العمادي وفصول الأسروشني ، وقد ذكر هذه المسألة فيه في الفصل الرابع والثلاثين في أحكام المرضى .

( قوله مستوعبا ) أي يتيمم تيمما مستوعبا فهو صفة لمصدر محذوف ، وهو أولى من جعله حالا فيفيد أنه ركن ، وعلى الحالية يصير شرطا خارجا عن الماهية ; لأن الأحوال شروط على ما عرف أفاده في البحر ( قوله حتى لو ترك شعرة ) قال في الفتح : يمسح من وجهه ظاهر البشرة والشعر على الصحيح . ا هـ وكذا العذار ، والناس عنه غافلون مجتبى ، وما تحت الحاجبين فوق العينين محيط كذا في البحر ( قوله أو وترة منخره ) هي التي بين المنخرين ابن كمال ، لكن في القاموس : الوترة محركة حرف المنخر ، والوتيرة : حجاب ما بين المنخرين .

( قوله ويديه ) عطف بالواو دون ثم إشارة إلى أن الترتيب فيه ليس بشرط كأصله بحر ، والحكم في اليد الزائدة كالوضوء ط ( قوله فينتزع الخاتم إلخ ) قال في الخانية : ولو لم يحرك الخاتم ، إن كان ضيقا ، وكذا المرأة السوار لم يجز . ا هـ ومثله في الولوالجية . ووجهه أن التحريك مسح لما تحته ، إذ الشرط المسح لا وصول التراب فافهم ، لكن التقييد بالضيق يفهم أنه لو كان واسعا لا يلزم تحريكه . والظاهر أنه يقال فيه ما سنذكره في التخليل .

( قوله به يفتى ) أي بلزوم الاستيعاب كما في شرح الوقاية ، وهو الصحيح خانية وغيرها ، وهو ظاهر الرواية زيلعي ، ومقابله ما روي أن الأكثر كالكل ( قوله فيمسحه ) أي المرفق المفهوم من المرفقين ط ( قوله الأقطع ) أي من المرفق إن بقي شيء منه ولو رأس العضد ; لأن المرفق مجموع رأسي العظمات رحمتي ، فلو كان القطع فوق المرفقين لا يجب اتفاقا ط ( قوله بضربتين ) متعلق بتيمم أو بمستوعبا أفاده في النهر ، وإنما آثر عبارة الضرب على عبارة الوضع لكونها مأثورة ، وإلا فهي ليست بضربة لازب ، فإن محمدا قد نبه في بعض الروايات الأصول على أن الوضع كاف ، والمراد بيان كفاية الضربتين لا أنه لا بد في التيمم منهما ابن كمال وقدمناه ، تمام عبارته : ونبه على أن فائدة العدد أنه لا يحتاج إلى ضربة ثالثة كما يأتي .

( قوله ولو من غيره ) فلو أمر غيره بأن ييممه جاز بشرط أن ينوي الآمر بحر . قال ط : وظاهره أنه يكفي من الغير ضربتان ، وهو خلاف ما يأتي عن القهستاني ( قوله أو ما يقوم مقامها ) أي خلافا لأبي شجاع ، وقدمنا الكلام عليه مع ثمرة الخلاف ( قوله لما في الخلاصة ) عبارتها كما في البحر : ولو أدخل رأسه في موضع الغبار بنية التيمم يجوز ، ولو [ ص: 238 ] انهدم الحائط وظهر الغبار فحرك رأسه ونوى التيمم جاز .

والشرط وجود الفعل منه . ا هـ : أي الشرط في هذه الصورة وجود الفعل منه وهو المسح أو التحريك وقد وجد ، فهو دليل على أن الضرب غير لازم كما مر ، وفعل غيره بأمره قائم مقام فعله فهو منه في المعنى فافهم




الخدمات العلمية