الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وناقضه ناقض الأصل ) ولو غسلا ، [ ص: 255 ] فلو تيمم للجنابة ثم أحدث صار محدثا لا جنبا ، فيتوضأ وينزع خفيه ثم بعده يمسح عليه ما لم يمر بالماء ، فمع في عبارة صدر الشريعة بمعنى بعد كما في { إن مع العسر يسرا } فافهم . ( وقدرة ماء ) ولو إباحة في صلاة ( كاف لطهره ) ولو مرة مرة ( فضل عن حاجته ) [ ص: 256 ] كعطش وعجن وغسل نجس مانع ولمعة جنابة ; لأن المشغول بالحاجة وغير الكافي كالمعدوم .

التالي السابق


( قوله وناقضه ناقض الأصل إلخ ) أي ما جعل التيمم بدلا عنه من وضوء أو غسل . واعلم أن كل ما نقض الغسل مثل المني نقض الوضوء ويزيد الوضوء بأنه ينتقض بمثل البول ، فالتعبير ب ناقض الوضوء كما في الكنز يشمل ناقض الغسل ، فيساوي التعبير بناقض الأصل كما في البحر .

واعترضه المصنف في منحه بما حاصله أنه وإن نقض تيمم الوضوء كل ما نقض الغسل ، لكن لا ينقض تيمم الغسل كل ما نقض الوضوء ; لأنه إذا تيمم عن جنابة ثم بال مثلا فهذا ناقض للوضوء لا ينتقض به تيمم الغسل بل تنتقض طهارة الوضوء التي في ضمنه ، فتثبت له أحكام الحدث لا أحكام الجنابة فقد وجد ناقض الوضوء ولم ينتقض تيمم الجنابة ، فظهر أن التعبير بناقض الأصل أولى من ناقض الوضوء لشموله التيمم عن الحدثين فأين المساواة ؟ ، . ا هـ لكن في عبارة المصنف في المنح حذف المضاف من بعض المواضع فذكرناه ليزول الاشتباه فافهم .

[ ص: 255 ] قوله فلو تيمم إلخ ) تفريع صحيح دل عليه كلام المتن ; لأن منطوق عبارة المتن أنه لو تيمم عن حدث انتقض بناقض أصله وهو الوضوء وذلك كل ما نقض الوضوء والغسل كما مر ، ولو تيمم عن جنابة انتقض بناقض أصله وهو الغسل ، ومفهومه أنه لا ينتقض بغير ناقض أصله ، ففرع على هذا المفهوم كما هو عادته في مواضع لا تحصى أنه إذا تيمم الجنب ثم أحدث لا ينتقض تيممه عن الجنابة ; لأن الحدث لا ينقض أصله وهو الغسل ، فلا يصير جنبا وإنما يصير محدثا بهذا الحدث العارض فافهم .

( قوله فيتوضأ إلخ ) تفريع على التفريع : أي وإذا صار محدثا فيتوضأ حيث وجد ما يكفيه للوضوء فقط ولو مرة مرة ، ولكن لو كان لبس الخف بعد ذلك التيمم وقبل الحدث ينزعه ويغسل ; لأن طهارته بالتيمم ناقصة معنى ، ولا يمسح إلا إذا لبسه على طهارة تامة وهي طهارة الوضوء لا طهارة التيمم على ما سيأتي ; نعم بعدما توضأ أو غسل رجليه يمسح ; لأنه ليس على وضوء كامل ، والمسح للحدث لا للجنابة إلا إذا مر بالماء الكافي للغسل فحينئذ لا يمسح بل يبطل تيممه من أصله ويعود جنبا على حاله الأول ; فلو جاوز الماء ولم يغتسل يتيمم للجنابة .

ثم إذا أحدث ووجد ما يكفيه للوضوء فقط توضأ ونزع الخف وغسل ; لأن الجنابة لا يمنعها الخف كما سيأتي ، ثم بعده يمسح ما لم يمر بالماء وهكذا ( قوله فمع إلخ ) تفريع على قوله فيتوضأ ، حيث أفاد أنه وجد ماء يكفيه للوضوء فقط إنما يتوضأ به إذا أحدث بعد تيممه عن الجنابة ، أما لو وجده وقت التيمم قبل الحدث لا يلزمه عندنا الوضوء به عن الحدث الذي مع الجنابة ; لأنه عبث ، إذ لا بد له من التيمم ; وعلى هذا فقول صدر الشريعة : إذا كان للجنب ماء يكفي للوضوء لا الغسل يجب عليه التيمم لا الوضوء خلافا للشافعي .

أما إذا كان مع الجنابة حدث يوجب الوضوء يجب عليه الوضوء ، فالتيمم للجنابة بالاتفاق ا هـ مشكل ; لأن الجنابة لا تنفك عن حدث يوجب الوضوء وقد قال أولا يجب عليه التيمم لا الوضوء ; فقوله ثانيا يجب عليه الوضوء . تناقض وجوابه كما قال القهستاني إن مع في قوله مع الجنابة بمعنى بعد .

ولما كان في هذا التفريع والجواب دقة وخفاء ودفع لاعتراضات المحشين على صدر الشريعة أمر بالتفهم ، ولله در هذا الشارح على هذه الرموز التي هي مفاتيح الكنوز ( قوله ولو إباحة ) مفعول مطلق : أي ولو أباحه مالكه له إباحة كان قادرا أو تمييز أو حال : أي ولو وجدت القدرة من جهة الإباحة أو في حال الإباحة وأطلقه فشمل ما لو كانوا جماعة والماء المباح يكفي أحدهم فقط ، فينتقض تيمم الكل لتحقق الإباحة في حق كل منهم ، بخلاف ما لو وهب لهم فقبضوه ; لأنه لا يصيب كلا منهم ما يكفيه .

وتمامه في الفتح ( قوله في صلاة ) من مدخول المبالغة : أي ولو كانت القدرة أو الإباحة في صلاة ينتقض التيمم وتبطل الصلاة التي هو فيها ، إلا إذا كان الماء سؤر حمار فإنه يمضي فيها ثم يعيدها بسؤر الحمار ، لما مر أنه لا يلزم الجمع بينهما في فعل واحد ، فما في المنية من أنها تفسد غير صحيح كما ذكره الشارحان .

ولو صلى بالتيمم ثم وجد الماء في الوقت لا يعيد منية : أي إلا إذا كان العذر المبيح من قبل العباد فيعيد ولو بعد الوقت كما مر ، فتنبه حلية ( قوله كاف لطهره ) أي للوضوء لو محدثا ، وللاغتسال ولو جنبا . واحترز به عما إذا كان يكفي لبعض أعضائه أو يكفي للوضوء وهو جنب ، فلا يلزمه استعماله عندنا ابتداء كما مر ، فلا ينقض كما في الحلية ( قوله ولو مرة مرة ) فلو غسل به كل عضو مرتين أو ثلاثا فنقص عن إحدى رجليه انتقض تيممه [ ص: 256 ] هو المختار ; لأنه لو اقتصر على المرة كفاه بحر عن الخلاصة ( قوله وغسل نجس مانع ) فلو لم يكفه يلزمه أيضا تقليل النجاسة كما يفهم من تعليلهم في كثير من الشروح ، لكن في الخلاصة أنه لا يلزمه بحر : أي إلا إذا أمكن أن يبقى أقل من قدر الدرهم كما بحثناه فيما مر فيلزمه ولا ينتقض تيممه ( قوله ولمعة جنابة ) أي لو اغتسل وبقيت على بدنه لمعة لم يصبها الماء فتيمم لها ثم أحدث فتيمم له ثم وجد ما يكفيها فقط فإنه يغسلها به ، ولا يبطل تيممه للحدث .

ثم اعلم أن هذه المسألة على خمسة أوجه : الأول : أن يكفيهما معا فيغسلها ويتوضأ ويبطل تيممه لهما . الثاني : أن لا يكفي واحدا منهما . فيبقى تيممه لهما ويغسل به بعض اللمعة لتقليل الجنابة . الثالث : أن يكفي اللمعة فقط وقدمناه . الرابع : عكسه ، فيتوضأ به ويبقى تيممه لها على حاله . الخامس : أن يكفي أحدهما بمفرده غير معين فيغسل به اللمعة ، ولا ينتقض تيمم الحدث عند أبي يوسف . وعند محمد ينتقض ويظهر أن الأول أوجه ، وهذا إذا وجد الماء بعدما تيمم للحدث ، فلو قبله فعلى خمسة أوجه أيضا ففي الوجه الأول : يغسلها ويتوضأ للحدث . وفي الثاني : يتيمم للحدث ويغسل به بعض اللمعة إن شاء . وفي الثالث : يغسلها ويتيمم للحدث . وفي الرابع : يتوضأ ويبقى تيممه لها . وفي الخامس : كالثالث ; لأن الجنابة أغلظ ، لكن في رواية يلزمه غسلها قبل التيمم للحدث ليصير عادما للماء . وفي رواية يخير . ا هـ ملخصا من الحلية ، وعلى الرواية الأولى اقتصر في المنية ( قوله ; لأن المشغول إلخ ) ارتكب في التعليل النشر المشوش ط ( قوله كالمعدوم ) ولذا جاز له التيمم ابتداء . وقد اعترض بهذا في البحر تبعا للحلية على قولهم لو كان بثوبه نجاسة فتيمم أولا ثم غسلها يعيد التيمم إجماعا . ; لأنه تيمم وهو قادر على الوضوء . فقال : فيه نظر ، بل الظاهر جواز التيمم مطلقا ; لأن المستحق الصرف إلى جهة معدوم حكما كمسألة اللمعة : أي على رواية التخيير . قلت : لكن فرق في السراج بينهما بأنه هنا قادر على ماء لو توضأ به جاز ، بخلاف مسألة اللمعة ; لأنه عاد جنبا برؤية الماء . ا هـ . وهو فرق حسن دقيق فتدبره .




الخدمات العلمية