الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 289 ] ( ولو ) المرئي ( طهرا متخللا ) [ ص: 290 ] بين الدمين ( فيها حيض ) ; لأن العبرة لأوله وآخره وعليه المتون فليحفظ . ثم ذكر أحكامه بقوله ( يمنع صلاة ) [ ص: 291 ] مطلقا ولو سجدة شكر ( وصوما ) وجماعا ( وتقضيه ) لزوما دونها للحرج .

ولو شرعت تطوعا فيهما فحاضت قضتهما خلافا لما زعمه صدر الشريعة بحر . وفي الفيض : لو نامت طاهرة وقامت حائضة حكم بحيضها منذ قامت وبعكسه منذ نامت احتياطا .

التالي السابق


( قوله ولو المرئي طهرا إلخ ) مرادهم بالطهر هنا النقاء بالمد : أي عدم الدم .

ثم اعلم أن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان خمسة عشر يوما فأكثر يكون فاصلا بين الدمين في الحيض اتفاقا فما بلغ من كل من الدمين نصابا جعل حيضا ، وأنه إذا كان أقل من ثلاثة أيام لا يكون فاصلا وإن كان أكثر من الدمين اتفاقا . واختلفوا فيما بين ذلك على ستة أقوال كلها رويت عن الإمام أشهرها ثلاثة : [ ص: 290 ]

الأولى - قول أبي يوسف : إن الطهر المتخلل بين الدمين لا يفصل ، بل يكون كالدم المتوالي بشرط إحاطة الدم لطرفي الطهر المتخلل ، فيجوز بداية الحيض بالطهر وختمه به أيضا ، فلو رأت مبتدأة يوما دما وأربعة عشر طهرا ويوما دما فالعشرة الأولى حيض ، ولو رأت المعتادة قبل عادتها يوما دما وعشرة طهرا ويوما دما فالعشرة التي لم تر فيها الدم حيض إن كانت عادتها وإلا ردت إلى أيام عادتها .

الثانية : أن الشرط إحاطة الدم لطرفي مدة الحيض ، فلا يجوز بداية الحيض بالطهر ولا ختمه به ; فلو رأت مبتدأة يوما دما وثمانية طهرا ويوما دما فالعشرة حيض ; ولو رأت معتادة قبل عادتها يوما دما وتسعة طهرا ويوما دما لا يكون شيء منه حيضا ، وكذا النفاس على هذا الاعتبار .

الثالثة : قول محمد إن الشرط أن يكون الطهر مثل الدمين أو أقل في مدة الحيض ، فلو كان أكثر فصل ، لكن ينظر إن كان في كل من الجانبين ما يمكن أن يجعل حيضا فالسابق حيض ، ولو في أحدهما فهو الحيض والآخر استحاضة ، وإلا فالكل استحاضة . ولا يجوز بدء الحيض بالطهر ولا ختمه به ; فلو رأت مبتدأة يوما دما ويومين طهرا ويوما دما فالأربعة حيض ; لأن الطهر المتخلل دون ثلاث وهو لا يفصل اتفاقا كما مر ; ولو رأت يوما دما وثلاثة طهرا ويومين دما فالستة حيض للاستواء ; ولو رأت ثلاثة دما وخمسة طهرا ويوما دما فالثلاثة حيض لغلبة الطهر فصار فاصلا والمتقدم أمكن جعله حيضا ، هذا خلاصة ما في شروح الهداية وغيرها . وقد صحح قول محمد في المسبوط والمحيط وعليه الفتوى . وفي الهداية الأخذ بقول أبي يوسف أيسر . ا هـ وكثير من المتأخرين أفتوا به ; لأنه أسهل على المفتي والمستفتي سراج ، وهو الأولى فتح ، وهو قول أبي حنيفة الآخر نهاية . وأما الرواية الثانية ; ففي البحر قد اختارها أصحاب المتون ، لكن لم تصحح في الشروح .

[ تتمة ] الطهر المتخلل بين الأربعين في النفاس لا يفصل عند أبي حنيفة سواء كان خمسة عشر أو أقل أو أكثر ، ويجعل إحاطة الدمين بطرفيه كالدم المتوالي وعليه الفتوى . وعندهما الخمسة عشر تفصل ، فلو رأت بعد الولادة يوما دما وثمانية وثلاثين طهرا ويوما دما ; فعنده الأربعون نفاس وعندهما الدم الأول ; ولو رأت من بلغت بالحبل بعد الولادة خمسة دما ثم خمسة عشر طهرا ثم خمسة دما ثم خمسة عشر طهرا ثم استمر الدم ; فعنده نفاسها خمسة وعشرون ; وعندهما نفاسها الخمسة الأولى وحيضها الخمسة الثانية ، وتمامه في التتارخانية .

( قوله فيها ) أي في مدة الحيض ( قوله حيض ) خبر المبتدإ وهو قوله وما تراه ( قوله وعليه المتون ) أي على أن الشرط في جعل الطهر المتخلل بين الدمين حيضا كون الدمين المحيطين به في مدة الحيض لا في مدة الطهر ( قوله فليحفظ ) أشار إلى أن اختيار أصحاب المتون له ترجيح .

أقول : لكنه تصحيح التزامي ; وقد صرح العلامة قاسم بأن التصحيح الصريح مقدم على الالتزامي ( قوله ثم ذكر أحكامه ) أي بعضها ; وإلا فقد أوصلها في البحر إلى اثنين وعشرين : منها أن يمنع صحة الطهارة إلا التي يقصد بها التنظيف كأغسال الحج ، ولا يحرمها لقولهم يستحب لها أن تتوضأ كل صلاة وتقعد على مصلاها تسبح وتهلل وتكبر بقدر أدائها كي لا تنسى عادتها . وفي رواية يكتب لها ثواب أحسن صلاة كانت تصلي ، وأنه يمنع الاعتكاف ، ويمنع صحته ، ويفسده إذا طرأ عليه ويمنع وجوب طواف الصدر ، ويحرم الطلاق وتبلغ به الصبية ، ويتعلق به انقضاء العدة والاستبراء ; ويوجب الغسل بشرط الانقطاع ، ولا يقطع التتابع في صوم كفارة القتل والفطر ، بخلاف كفارة اليمين ونحوها ، وكل أحكامه تتعلق بالنفاس إلا خمسة أو سبعة على ما سيأتي ( قوله يمنع ) أي الحيض وكذا النفاس خزائن ( قوله صلاة ) أي يمنع صحتها ويحرمها وهل يمنع وجوبها لعدم [ ص: 291 ] فائدته وهي الأداء أو القضاء أم لا ؟ وتسقط للحرج خلاف ، وعامتهم على الأول ، وبسطنا الكلام على ذلك فيما علقناه على البحر ( قوله مطلقا ) أي كلا أو بعضا ; لأن منع الشيء منع لأبعاضه نهر ( قوله ولو سجدة شكر ) أي أو تلاوة فيمنع صحتهما ويحرمهما بحر ( قوله وصوما ) أي يحرمه ويمنع صحته لا وجوبه فلذا تقضيه ( قوله وجماعا ) أي يحرمه ، وكذا ما في حكمه كما يأتي ( قوله وتقضيه ) أي الصوم على التراخي في الأصح خزائن ، وعزاه في هامشها إلى منلا مسكين وغيره ( قوله للحرج ) علة لقوله دونها : أي ; لأن في قضاء الصلاة حرجا بتكررها في كل يوم وتكرر الحيض في كل شهر ، بخلاف الصوم فإنه يجب في السنة شهرا واحدا ، وعليه انعقد الإجماع لحديث عائشة في الكتب الستة ، وتمامه في البحر . وفيه وهل يكره لها قضاء الصلاة ؟ لم أره صريحا ، وينبغي أن يكون خ لاف الأولى . قال في النهر : يدل عليه قولهم : لو غسل رأسه بدل المسح كره . ا هـ تأمل .

وهل يكره لها التشبه بالصوم أم لا ؟ مال بعض المحققين إلى الأول ; لأن الصوم لها حرام فالتشبه به مثله . واعترض بأنه يستحب لها الوضوء والقعود في مصلاها وهو تشبه بالصلاة . ا هـ تأمل ( قوله ولو شرعت تطوعا فيهما ) أي في الصلاة والصوم ; أما الفرض ففي الصوم تقضيه دون الصلاة وإن مضى من الوقت ما يمكنها أداؤها فيه ; لأن العبرة عندنا لآخر الوقت كما في المنبع ( قوله فحاضت ) أي في أثنائهما ( قوله قضتهما ) للزومهما بالشروع ( قوله خلافا لما زعمه صدر الشريعة ) أي من أنه يجب قضاء نفل الصلاة لا نفل الصوم ط ( قوله بحر ) ذكره في البحر قبيل قول المتن : والطهر المتخلل بين الدمين في المدة حيض ونفاس ; ونقل التسوية بينهما عن البدائع والنهاية والإسبيجابي ; ثم قال : فتبين أن ما في شرح الوقاية من الفرق بينهما غير صحيح . ا هـ . ح ( قوله وبعكسه ) أي عكس التصوير المذكور ، بأن نامت حائضا وقامت طاهرة : أي وضعت الكرسف ونامت فلما أصبحت رأت عليه الطهر لا عكس الحكم ; لأنه بينه بقوله منذ نامت : أي حكم بحيضها من حين نامت فافهم ( قوله احتياطا ) أي في الصورتين ، فتقضي العشاء فيهما إن لم تكن صلتها كما في البحر ; حتى لو نامت قبل انقضاء الوقت ثم انتبهت بعد خروجه حائضا يجب عليها قضاء تلك الصلاة ; لأنا جعلناها طاهرة في آخر الوقت حيث لم نحكم بحيضها إلا بعد خروجه ، ولونامت حائضا وانتبهت طاهرة بعد الوقت يجب عليها قضاء تلك الصلاة التي نامت عنها ; لأنا جعلناها طاهرة من حين نامت ، وحيث حكمنا بطهارتها في آخر الوقت وجب القضاء ولأن الدم حادث والأصل فيه أن يضاف إلى أقرب أوقاته فتجعل حائضا منذ قامت ; والانقطاع عدم وهو الأصل فلا يحكم بخلافه إلا بدليل ولم يعلم درور الدم في نومها فجعلت طاهرة منذ نامت ، فقد ظهر أن الاحتياط في الوجهين لا في العكس فقط رحمتي فافهم ، نعم في قول الشارح وبعكسه مذ نامت إيهام ، والمراد أنه يحكم بأنها كانت حائضا حين نومها وطهرت قبل خروج الوقت ، ولو قال حكم بطهرها مذ نامت وكذا في عكسه لكان أوضح




الخدمات العلمية