الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 336 ] ( وأركانه ) أربعة شخص ( مستنج ، و ) شيء ( مستنجى به ) كماء وحجر ( و ) نجس ( خارج ) من أحد السبيلين ، وكذا لو أصابه من خارج وإن قام من موضعه [ ص: 337 ] على المعتمد ( ومخرج ) دبر أو قبل ( بنحو حجر ) مما هو عين طاهرة قالعة لا قيمة لها كمدر ( منق ) ; لأنه المقصود ، فيختار الأبلغ والأسلم عن التلويث ، ولا يتقيد بإقبال وإدبار شتاء وصيفا ( وليس العدد ) ثلاثا ( بمسنون فيه ) بل مستحب ( والغسل ) بالماء إلى أن يقع في قلبه [ ص: 338 ] أنه طهر ما لم يكن موسوسا فيقدر بثلاث كما مر ( بعده ) أي : الحجر ( بلا كشف عورة ) عند أحد ، أما معه فيتركه كما مر ; فلو كشف له صار فاسقا لا لو كشف لاغتسال أو تغوط كما بحثه ابن الشحنة ( سنة ) مطلقا به يفتى سراج

التالي السابق


( قوله : وأركانه ) قال المصنف في شرحه ولم أسبق إلى بيانها فيما علمت ا هـ وفيه تسامح ; لأن هذه الأربعة شروط للوجود في الخارج لا أركان ، لما في الحلية : ركن الشيء جانبه الأقوى . وفي الاصطلاح : ماهية الشيء أو جزء منها يتوقف تقومها عليه ، فالشرط والركن متباينان ، لاعتبار الخروج عن ماهية المشروط في ماهية الشرط ; وكون الركن نفس الشيء أو جزأه الداخل فيه . ا هـ . قال ح : وحقيقة الاستنجاء الذي هو إزالة نجس عن سبيل لا تتقوم ولا بواحد من هذه الأربعة .

فإن قلت : قد ذكر النجس في التعريف فهو من أجزاء الماهية قلت : أجزاء التعريف الإزالة وإضافتها إلى النجس لا نفس النجس كما صرحوا به في قولهم : العمى عدم البصر ، فإن أجزاء التعريف العدم وإضافته إلى البصر لا نفس البصر ، ومثله يقال في قوله عن سبيل ، فإن جزء التعريف الإزالة المتعلقة بالسبيل لا السبيل ، وإلا لزم أن تكون الذوات أجزاء من المعنى ، وللزم أن يقال : أركان التيمم متيمم ، متيمم به إلخ ، وكذا في الوضوء وغيره . ا هـ . ( قوله : ونجس خارج إلخ ) أي : ولو غير معتاد كدم أو قيح خرج من أحد السبيلين فيطهر بالحجارة على الصحيح زيلعي . وقيل : لا يطهر إلا بالماء وبه جزم في السراج نهر . ( قوله : وكذا لو أصابه من خارج ) أي : فيطهر بالحجارة . وقيل الصحيح أنه لا يطهر إلا بالغسل زيلعي . قال في البحر : وقد نقلوا هذا التصحيح هنا بصيغة التمريض فالظاهر خلافه ا هـ . قال نوح أفندي : ويوهم أنهم نقلوه في جميع الكتب بها مع أن شارح المجمع والنقاية نقلاه عن القنية بدونها ا هـ .

أقول : يؤيده أن الاكتفاء بالحجارة وارد على خلاف القياس للضرورة ، والضرورة فيما يكثر لا فيما يندر كهذه الصورة ، ثم رأيت ما بحثته في الحلية حيث نقل ما في القنية . ثم قال : وهو الأحسن ; لأن ما ورد على خلاف القياس يقتصر فيه على الوارد ا هـ . لكن ذكر المصنف في شرح زاد الفقير أن ما نقله الزيلعي وغيره عن القنية غير موجود فيها ، وأنه ذكر في الفتاوى الكبرى ومختارات النوازل أن الأصح طهارته بالمسح ، وبه أخذ الفقيه أبو الليث . ا هـ . ( قوله : وإن قام ) أي : المستنجي من موضعه فإنه يطهر بالحجر أيضا قال في السراج : قيل إنما يجزئ الحجر إذا كان الغائط رطبا لم يجف ولم يقم من موضعه ، أما إذا قام من موضعه أو جف الغائط فلا يجزيه إلا الماء ; لأنه بقيامه قبل أن يستنجي بالحجر يزول الغائط عن موضعه ويتجاوز مخرجه ، وبجفافه لا يزيله الحجر فوجب الماء فيه . ا هـ . [ ص: 337 ]

أقول : والتحقيق أنه إن تجاوز عن موضعه بالقيام أكثر من الدرهم أو جف بحيث لا يزيله الحجر فلا بد من الماء إذا أراد إزالته . ( قوله : على المعتمد ) كأنه أخذه من جزمه به في البحر ، وتعبير السراج عن مقابله بقيل . ( قوله : مما هو عين طاهرة إلخ ) قال في البدائع : السنة هو الاستنجاء بالأشياء الطاهرة من الأحجار والأمداد والتراب والخرق البوالي ا هـ . ( قوله : لا قيمة لها ) يستثنى منه الماء كما في حاشية أبي السعود . ( قوله : كمدر ) بالتحريك : قطع الطين اليابس قاموس ومثله الجدار إلا جدار غيره كالوقف ونحوه كما في شرح النقاية للقاري ، لكن ذكر في البحر هنا جوازه بالجدار مطلقا ، وذكر في باب ما يجوز من الإجارة أن للمستأجر الاستنجاء بالحائط ولو الدار مسبلة . ا هـ . قال شيخنا : وتزول المخالفة بحمل الأول على ما إذا لم يكن مستأجرا أبو السعود . مطلب إذا دخل المستنجي في ماء قليل

. ( قوله : منق ) بتشديد القاف مع فتح النون أو تخفيفها مع سكونها من التنقية أو الإنقاء : أي : منظف غرر الأفكار . قال في السراج : ولم يرد به حقيقة الإنقاء بل تقليل النجاسة ا هـ ولذا يتنجس الماء القليل إذا دخله المستنجي . ولقائل منعه لجواز اعتبار الشرع طهارته بالمسح كالنعل وقدمنا حكاية الروايتين في نحو المني إذا فرك ثم أصابه الماء ، وأن المختار عدم عوده نجسا وقياسه أن يجريا أيضا هنا ، وأن لا يتنجس الماء على الراجح . وأجمع المتأخرون على أن لا يتنجس بالعرق ، حتى لو سال منه وأصاب الثوب أو البدن أكثر من قدر الدرهم لا يمنع ، ويدل على اعتبار الشرع طهارته بالحجر ما رواه الدارقطني وصححه { أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يستنجى بروث أو عظم ، وقال : إنهما لا يطهران } ا هـ ملخصا من الفتح ، وتبعه في البحر . قال في النهر : وهذا هو المناسب لما في الكتاب .

وفي القهستاني وهو الأصح . ونقل في التتارخانية اختلاف التصحيح ، لكن قدمنا قبيل بحث الدباغة أن المشهور في الكتب تصحيح النجاسة - والله تعالى أعلم - . ( قوله : لأنه المقصود ) أي : لأن الإنقاء هو المقصود من الاستنجاء كما في الهداية وغيرها . ( قوله : ولا يتقيد إلخ ) أي : بناء على ما ذكر من أن المقصود هو الإنقاء ، فليس له كيفية خاصة ، وهذا عند بعضهم . وقيل : كيفيته في المقعدة في الصيف للرجل إدبار الحجر الأول والثالث وإقبال الثاني ، وفي الشتاء بالعكس ، وهكذا تفعل المرأة في الزمانين كما في المحيط ، وله كيفيات أخر في النظم والظهيرية وغيرهما ، وفي الذكر أن يأخذه بشمال ويمره على حجر أو جدار أو مدر كما في الزاهدي . ا هـ . قهستاني .

واختار ما ذكره الشارح في المجتبى والفتح والبحر . وقال في الحلية : إنه الأوجه . وقال في شرح المنية : ولم أر لمشايخنا في حق القبل للمرأة كيفية معينة في الاستنجاء بالأحجار . ا هـ . قلت : بل صرح في الغزنوية بأنها تفعل كما يفعل الرجل إلا في الاستبراء فإنها لا استبراء عليها ، بل كما فرغت من البول والغائط تصبر ساعة لطيفة ثم تمسح قبلها ودبرها بالأحجار ثم تستنجي بالماء ا هـ . ( قوله : بل مستحب ) أشار إلى أن المراد نفي السنة المؤكدة لا أصلها ، لما ورد من الأمر بالاستنجاء بثلاثة أحجار ، ولم نقل إن الأمر للوجوب كما قال الإمام الشافعي ; لأن قوله عليه الصلاة والسلام { من استجمر فليوتر ، فمن فعل فحسن ، ومن لا فلا حرج } دليل على عدم الوجوب .

فحمل الأمر على الاستحباب توفيقا ، وتمام الكلام في الحلية وشرح الهداية للعيني . ( قوله : والغسل بالماء ) أي : المطلق وإن صح عندنا بما في معناه من كل مائع طاهر مزيل فإنه يكره لما فيه من إضاعة المال بلا ضرورة كما في الحلية . ( قوله : إلى أن يقع إلخ ) [ ص: 338 ] هذا هو الصحيح . وقيل : يشترط الصب ثلاثا ، وقيل : سبعا ، وقيل : عشرا ، وقيل : في الإحليل ثلاثا ، وفي المقعدة خمسا خلاصة . ( قوله : فيقدر بثلاث ) وقيل : بسبع للحديث الوارد في ولوغ الكلب معراج عن المبسوط . ( قوله : كما مر ) أي : في تطهير النجاسة الغير المرئية قال في المعراج : لأن البول غير مرئي ، والغائط وإن كان مرئيا فالمستنجي لا يراه ، فكان بمنزلته . ا هـ . ( قوله : عند أحد ) أي : ممن يحرم عليه جماعه ولو أمته المجوسية أو التي زوجها للغير أفاده ح . ( قوله : أما معه ) أي : مع الكشف المذكور أو مع الأحد . ( قوله : فيتركه ) أي : الاستنجاء بالماء وإن تجاوزت المخرج وزادت على قدر الدرهم ولم يجد ساترا أو لم يكفوا بصرهم عنه بعد طلبه منهم ، فحينئذ يقللها بنحو حجر ويصلي . وهل عليه الإعادة ؟ الأشبه نعم ، كما إذا منع عن الاغتسال بصنع عبد فتيمم وصلى كما مر ، أفاده في الحلية ، وذكرنا خلافه في بحث الغسل فراجعه .

( قوله : كما مر ) أي : قبيل سنن الغسل ، حيث قال : وأما الاستنجاء فيتركه مطلقا ا هـ أي : سواء كان ذكرا أو أنثى أو خنثى ، بين رجال أو نساء أو خناثى ، أو رجال ونساء ، أو رجال وخناثى ، أو نساء وخناثى ، أو رجال ونساء وخناثى ، فهي إحدى وعشرون صورة . ا هـ . ح . ( قوله : فلو كشف له إلخ ) أي : للاستنجاء بالماء قال نوح أفندي : لأن كشف العورة حرام ومرتكب الحرام فاسق ، سواء تجاوز النجس المخرج أو لا ، وسواء كان المجاوز أكثر من الدرهم أو أقل ، ومن فهم غير هذا فقد سها لما في شرح المنية عن البزازية أن النهي راجع على الأمر .

( قوله : لا لو كشف إلخ ) أما التغوط فظاهر ; لأنه أمر طبيعي ضروري لا انفكاك عنه ، وأما الاغتسال فقد ذكره قبيل سنن الغسل ، وبينا هناك أن الصور إحدى وعشرون لا يغتسل فيها إلا في صورتين : وهما رجل بين رجال وامرأة بين نساء ، فيجب حمل كلامه عليهما فقط ا هـ ح أي : لأن نظر الجنس إلى الجنس أخف وقد نقل في البحر لزوم الاغتسال في الصورتين المذكورتين عن شرح النقاية وقدمنا هناك نقله عن القنية وأن شارح المنية قال : إنه غير مسلم ; لأن ترك المنهي مقدم على فعل المأمور وللغسل خلف وهو التيمم . وقد مر تمامه فراجعه . ( قوله : سنة مطلقا ) أي : في زماننا وزمان الصحابة { { فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين } قيل : لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أهل قباء إن الله أثنى عليكم فماذا تصنعون عند الغائط ؟ قالوا : نتبع الغائط الأحجار ثم نتبع الأحجار الماء } فكان الجمع سنة على الإطلاق في كل زمان ، وهو الصحيح وعليه الفتوى .

وقيل : ذلك في زماننا ; لأنهم كانوا يبعرون ا هـ إمداد .

ثم اعلم أن الجمع بين الماء والحجر أفضل ، ويليه في الفضل الاقتصار على الماء ، ويليه الاقتصار على الحجر وتحصل السنة بالكل وإن تفاوت الفضل كما أفاده في الإمداد وغيره




الخدمات العلمية