الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويعاد أذان جنب ) ندبا ، وقيل وجوبا ( لا إقامته ) لمشروعية تكراره في الجمعة دون تكرارها ( وكذا ) يعاد ( أذان امرأة ومجنون ومعتوه وسكران وصبي لا يعقل ) لا إقامتهم لما مر ، ويجب استقبالهما لموت مؤذن وغشيه وخرسه وحصره ، ولا ملقن وذهابه للوضوء لسبق حدث خلاصة ، لكن عبر في السراج بيندب وجزم المصنف بعدم صحة أذان مجنون ومعتوه وصبي لا يعقل . قلت : وكافر وفاسق لعدم قبول قوله في الديانات .

التالي السابق


( قوله : ويعاد أذان جنب إلخ ) زاد القهستاني : والفاجر والراكب والقاعد والماشي ، والمنحرف عن القبلة . وعلل الوجوب في الكل بأنه غير معتد به والندب بأنه معتد به إلا أنه ناقص ، قال وهو الأصح كما في التمرتاشي .

( قوله : لما مر ) أي من قوله لمشروعية تكراره .

( قوله : لموت مؤذن ) لم يقل ومقيم ; لأن المؤذن هو المقيم شرعا كما يأتي فافهم .

( قوله : وغشيه ) بضم الغين وسكون الشين المعجمتين : تعطل القوى المحركة والحاسة لضعف القلب من الجوع وغيره كما قدمناه في الوضوء عن القهستاني ح .

( قوله : وحصره ) مصدر من باب فرح : العي في المنطق ح عن القاموس .

( قوله : ولا ملقن ) الواو للحال ح .

( قوله : وذهابه للوضوء ) لكن الأولى أن يتممهما ثم يتوضأ ; لأن ابتداءهما مع الحدث جائز ، فالبناء أولى ، بدائع .

( قوله : خلاصة ) ونحوه في الخانية . قال في الفتح : فإن حمل الوجوب على ظاهره احتيج إلى الفرق بين نفس الأذان فإنه سنة وبين استقباله بعد الشروع فيه .

وقد يقال فيه : إذا شرع فيه ثم قطع تبادر إلى ظن السامعين أن قطعه للخطأ فينتظرون الأذان الحق ، وقد تفوت بذلك الصلاة إلا أن هذا يقتضي وجوب الإعادة فيمن مر أنه يعاد أذانهم إلا الجنب أي لعدم الاعتماد على قولهم ، ولو قال قائل فيهم إن علم الناس حالهم وجبت ولا استحبت ليقع فعل الأذان معتبرا وعلى وجه السنة لم يبعد ، وعكسه في الخمسة المذكورة في الخلاصة . ا هـ .

أقول : يظهر لي أن المراد بالوجوب اللزوم في تحصيل سنة الأذان ، وأن المراد أنه إذا عرض للمؤذن ما يمنعه عن الإتمام وأراد آخر أن يؤذن يلزمه استقبال الأذان من أوله إن أراد إقامة سنة الأذان ، فلو بنى على ما مضى من أذان الأول لم يصح فلذا قال في الخانية : لو عجز عن الإتمام استقبل غيره . ا هـ . أي لئلا يكون آتيا ببعض الأذان .

( قوله : وجزم المصنف إلخ ) أي حيث قال مر قيدنا بالمراهق ; لأن أذان الصبي الذي لا يعقل غير صحيح كالمجنون والمعتوه ا هـ فافهم ، وهذا ذكره في البحر بحثا فترجح عند المصنف فجزم به ، ويؤيده ما في شرح المنية من أنه يجب إعادة أذان السكران والمجنون والصبي غير العاقل لعدم حصول المقصود لعدم الاعتماد على قولهم . ا هـ .

( قوله : قلت وكافر وفاسق ) ذكر الفاسق هنا غير مناسب ; لأن صاحب البحر جعل العقل والإسلام شرط صحة ، والعدالة والذكورة والطهارة شرط كمال . وقال : فأذان الفاسق والمرأة والجنب صحيح ، ثم قال : وينبغي أن لا يصح أذان الفاسق بالنسبة إلى قبول خبره والاعتماد عليه أي لأنه لا يقبل قوله في الأمور الدينية فلم يوجد الإعلام كما ذكره الزيلعي .

وحاصله أنه يصح أذان الفاسق وإن لم يحصل به الإعلام : أي الاعتماد على قبول قوله في دخول الوقت ، بخلاف الكافر وغير العاقل فلا يصح أصلا ، فتسوية الشارح بين الكافر والفاسق غير مناسبة .

ثم اعلم أنه ذكر في الحاوي القدسي من سنن المؤذن : كونه رجلا عاقلا ، صالحا ، عالما بالسنن والأوقات ، مواظبا عليه ، محتسبا ، ثقة متطهرا مستقبلا ، وذكر نحوه في الإمداد ; ومقتضاه أن العقل غير شرط لصحة الأذان [ ص: 394 ] فيصح أذان غير العاقل كالمجنون والمعتوه والسكران ، كما يصح أذان الفاسق والمرأة والجنب ، ويدل عليه ما في البدائع من أنه يكره أذان المجنون والسكران وأن الأحب إعادته في ظاهر الرواية ، وأنه يكره أذان المرأة والصبي العاقل ، ويجزي حتى لا يعاد لحصول المقصود وهو الإعلام . وروي عن الإمام أنه تستحب إعادة أذان المرأة ا هـ وعلى هذه الرواية مشى الزيلعي . وذكر في البدائع أيضا أن أذان الصبي الذي لا يعقل لا يجزي ويعاد ; لأن ما يصدر لا عن عقل لا يعتد به كصوت الطيور ا هـ . فحصلت المنافاة بين ما جزم به المصنف تبعا للبحر ، وكذا ما قدمناه عن شرح المنية من عدم صحة أذان غير العاقل كالمجنون والمعتوه والسكران ، وبين ما في الحاوي والبدائع من صحة أذان الكل سوى صبي لا يعقل .

والذي يظهر لي في التوفيق : هو أن المقصود الأصلي من الأذان في الشرع الإعلام بدخول أوقات الصلاة ثم صار من شعار الإسلام في كل بلدة أو ناحية من البلاد الواسعة على ما مر ، فمن حيث الإعلام بدخول الوقت وقبول قوله لا بد من الإسلام والعقل والبلوغ والعدالة ، وقدمنا قبل هذا الباب عن معين الحكام ما نصه : المؤذن يكفي إخباره بدخول الوقت إذا كان بالغا عاقلا عالما بالأوقات مسلما ذكرا ويعتمد على قوله . ا هـ . والظاهر أن قوله ذكرا غير قيد لقبول خبر المرأة ، فحينئذ يقال إذا اتصف المؤذن بهذه الصفات يصح أذانه وإلا فلا يصح من حيث الاعتماد عليه في دخول الوقت وقدمنا أيضا قبل هذا الباب أنه في الفاسق والمستور يحكم رأيه في صدقه وكذبه ويعمل به ، بخلاف الكافر والصبي والمعتوه فإنه لا يقبل أصلا . وأما من حيث إقامة الشعار النافية للإثم عن أهل البلدة فيصح أذان الكل سوى الصبي الذي لا يعقل ; لأن من سمعه لا يعلم أنه مؤذن بل يظنه يلعب ، بخلاف الصبي العاقل ; لأنه قريب من الرجال ، ولذا عبر عنه الشارح بالمراهق وكذا المرأة فإن بعض الرجال قد يشبه صوته صوت المراهق والمرأة ، فإذا أذن المراهق أو المرأة وسمعه السامع يعتد به ، وكذا المجنون أو المعتوه أو السكران فإنه رجل من الرجال ، فإذا أذن على الكيفية المشروعة قامت به الشعيرة ; لأنه إذا سمعه غير العالم بحاله يعده مؤذنا ، وكذا الكافر ، فباعتبار هذه الحيثية صارت الشروط المذكورة كلها شروط كمال ; لأن المؤذن الكامل هو الذي تقام بأذانه الشعيرة ويحصل به الإعلام ، فيعاد أذان الكل ندبا على الأصح كما قدمناه عن القهستاني . ثم الظاهر أن الإعادة إنما هي في المؤذن الراتب ، أما لو حضر جماعة عالمون بدخول الوقت وأذن لهم فاسق أو صبي يعقل لا يكره ولا يعاد أصلا لحصول المقصود تأمل .

[ تنبيه ] يؤخذ مما قدمناه من أنه لا يحصل الإعلام من غير العدل ولا يقبل قوله أنه لا يجوز الاعتماد على المبلغ الفاسق خلف الإمام كما نبه عليه بعض الشافعية ، فتنبه لهذه الدقيقة ، والله أعلم




الخدمات العلمية