الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويكره ) تنزيها ( إمامة عبد ) ولو معتقا قهستاني . عن الخلاصة ، ولعله لما قدمناه من تقدم الحر الأصلي ، إذ الكراهة تنزيهية فتنبه ( وأعرابي ) [ ص: 560 ] ومثله تركمان وأكراد وعامي ( وفاسق وأعمى ) ونحوه الأعشى نهر ( إلا أن يكون ) أي غير الفاسق ( أعلم القوم ) فهو أولى ( ومبتدع ) أي صاحب بدعة وهي اعتقاد خلاف المعروف عن الرسول [ ص: 561 ] لا بمعاندة بل بنوع شبهة وكل من كان من قبلتنا ( لا يكفر بها ) حتى الخوارج الذين يستحلون دماءنا وأموالنا وسب الرسول ، وينكرون صفاته تعالى وجواز رؤيته لكونه عن تأويل وشبهة بدليل قبول شهادتهم ، إلا الخطابية ومنا من كفرهم ( وإن ) أنكر بعض ما علم من الدين ضرورة ( كفر بها ) كقوله إن الله تعالى جسم كالأجسام وإنكاره صحبة الصديق [ ص: 562 ] ( فلا يصح الاقتداء به أصلا ) فليحفظ ( وولد الزنا ) هذا إن وجد غيرهم وإلا فلا كراهة بحر بحثا .

وفي النهر عن المحيط : صلى خلف فاسق أو مبتدع نال فضل الجماعة ، وكذا تكره خلف أمرد وسفيه ومفلوج ، وأبرص شاع برصه ، وشارب الخمر وآكل الربا ونمام ، ومراء ومتصنع

التالي السابق


( قوله ويكره تنزيها إلخ ) لقوله في الأصل : إمامة غيرهم أحب إلي بحر عن المجتبى والمعراج ، ثم قال : فيكره لهم التقدم ; ويكره الاقتداء بهم تنزيها ; فإن أمكن الصلاة خلف غيرهم فهو أفضل وإلا فالاقتداء أولى من الانفراد ( قوله ولو معتقا ) يلزمه استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ; فإن المعتق عبد باعتبار ما كان ; اللهم إلا أن يكون من قبيل عموم المجاز بأن يراد بالعبد من اتصف بالرق وقتا ما ، سواء كان في الحال أو فيما مضى ح ( قوله ولعله ) أي ولعل سبب كراهة المعتق ما قدمناه إلخ فإن تقديم الحر الأصلي مندوب إليه ، وتركه مكروه تنزيها ، فلذا قال : إذ الكراهة إلخ . وفي نسخة : والعلة أي والعلة في كراهة إمامة المعتق أن الحر الأصلي أولى بالإمامة منه لأنه نشأ في الرق مشتغلا بخدمة المولى لم يتفرغ للتعلم رحمتي ( قوله وأعرابي ) نسبة إلى الأعراب لا واحد له من لفظه ، [ ص: 560 ] ولبس جمعا لعرب كما في الصحاح ، لكن في الرضى الظاهر أنه جمع قهستاني وهو من يسكن البادية عربيا أو عجميا بحر ، وخصه في المصباح بأهل البدو من العرب ( قوله ومثله إلخ ) مبني على أن الأعرابي لا يشمل الأعجمي ، وإلا فالمناسب : ومنه . والعلة في الكل غلبة الجهل ( قوله وفاسق ) من الفسق : وهو الخروج عن الاستقامة ، ولعل المراد به من يرتكب الكبائر كشارب الخمر ، والزاني وآكل الربا ونحو ذلك ، كذا في البرجندي إسماعيل .

وفي المعراج قال أصحابنا : لا ينبغي أن يقتدي بالفاسق إلا في الجمعة لأنه في غيرها يجد إماما غيره . ا هـ . قال في الفتح وعليه فيكره في الجمعة إذا تعددت إقامتها في المصر على قول محمد المفتى به لأنه بسبيل إلى التحول ( قوله ونحوه الأعشى ) هو سيئ البصر ليلا ونهارا قاموس ، وهذا ذكره في النهر بحثا أخذا من تعليل الأعمى بأنه لا يتوقى النجاسة ( قوله أي غير الفاسق ) تبع في ذلك صاحب البحر : حيث قال : قيد كراهة إمامة الأعمى في المحيط وغيره بأن لا يكون أفضل القوم ، فإن كان أفضلهم فهو أولى ا هـ ثم ذكر أنه ينبغي جريان هذا القيد في العبد والأعرابي وولد الزنا ، ونازعه في النهر بأنه في الهداية علل للكراهة بغلبة الجهل فيهم ، وبأن في تقديمهم تنفير الجماعة ، ومقتضى الثانية ثبوت الكراهة مع انتفاء الجهل ، لكن ورد في الأعمى نص خاص هو { استخلافه صلى الله عليه وسلم لابن أم مكتوم وعتبان على المدينة وكانا أعميين } ، لأنه لم يبق من الرجال من هو أصلح منهما ، وهذا هو المناسب لإطلاقهم واقتصارهم على استثناء الأعمى . ا هـ .

وحاصله أن قوله إلا أن يكون أعلم القوم خاص بالأعمى ، أما غيره فلا تنتفي الكراهة بعلمه ، لكن ما بحثه في البحر صرح به في الاختيار حيث قال : ولو عدمت أي علة الكراهة بأن كان الأعرابي أفضل من الحضري ، والعبد من الحر ، وولد الزنا من ولد الرشدة ، والأعمى من البصير فالحكم بالضد ا هـ ونحوه في شرح الملتقى للبهنسي وشرح درر البحار ، ولعل وجهه أن تنفير الجماعة بتقديمه يزول إذا كان أفضل من غيره ، بل التنفير يكون في تقدم غيره . وأما الفاسق فقد عللوا كراهة تقديمه بأنه لا يهتم لأمر دينه ، وبأن في تقديمه للإمامة تعظيمه ، وقد وجب عليهم إهانته شرعا ، ولا يخفى أنه إذا كان أعلم من غيره لا تزول العلة ، فإنه لا يؤمن أن يصلي بهم بغير طهارة فهو كالمبتدع تكره إمامته بكل حال ، بل مشى في شرح المنية على أن كراهة تقديمه كراهة تحريم لما ذكرنا قال : ولذا لم تجز الصلاة خلفه أصلا عند مالك ورواية عن أحمد ، فلذا حاول الشارح في عبارة المصنف وحمل الاستثناء على غير الفاسق ، والله أعلم . مطلب البدعة خمسة أقسام

( قوله أي صاحب بدعة ) أي محرمة ، وإلا فقد تكون واجبة ، كنصب الأدلة للرد على أهل الفرق الضالة ، وتعلم النحو المفهم للكتاب والسنة ومندوبة كإحداث نحو رباط ومدرسة وكل إحسان لم يكن في الصدر الأول ، ومكروهة كزخرفة المساجد . ومباحة كالتوسع بلذيذ المآكل والمشارب والثياب كما في شرح الجامع الصغير للمناوي عن تهذيب النووي ، وبمثله في الطريقة المحمدية للبركلي ( قوله وهي اعتقاد إلخ ) عزاه هذا التعريف في هامش الخزائن إلى الحافظ ابن حجر في شرح النخبة ، ولا يخفى أن الاعتقاد يشمل ما كان معه عمل أو لا ، فإن من تدين بعمل لا بد أن يعتقده كمسح الشيعة على الرجلين وإنكارهم المسح على الخفين وذلك ، وحينئذ فيساوي تعريف الشمني لها بأنها ما أحدث على خلاف الحق المتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم أو عمل أو حال [ ص: 561 ] بنوع شبهة واستحسان ، وجعل دينا قويما وصراطا مستقيما ا هـ فافهم ( قوله لا بمعاندة ) أما لو كان معاندا للأدلة القطعية التي لا شبهة له فيها أصلا كإنكار الحشر أو حدوث العالم ونحو ذلك ، فهو كافر قطعا ( قوله بل بنوع شبهة ) أي وإن كانت فاسدة كقول منكر الرؤية بأنه تعالى لا يرى لجلاله وعظمته ( قوله وكل من كان من قبلتنا لا يكفر بها ) أي بالبدعة المذكورة المبنية على شبهة إذ لا خلاف في كفر المخالف في ضروريات الإسلام من حدوث العالم وحشر الأجساد ونفي العلم بالجزئيات وإن كان من أهل القبلة المواظب طول عمره على الطاعات كما في شرح التحرير ( قوله حتى الخوارج ) أراد بهم من خرج عن معتقد أهل الحق لا خصوص الفرقة الذين خرجوا على الإمام علي رضي الله تعالى عنه وكفروه ، فيشمل المعتزلة والشيعة وغيرهم ( قوله وسب الرسول ) هكذا في غالب النسخ ، ورأيته كذلك في الخزائن بخط الشارح ، وفيه أن ساب الرسول صلى الله عليه وسلم كافر قطعا ، فالصواب وسب أصحاب الرسول ، وقيدهم المحشي بغير الشيخين لما سيأتي في باب المرتد أن سابهما أو أحدهما كافر .

أقول : ما سيأتي محمول على سبهما بلا شبهة ، لما صرح به في شرح المنية من أن سابهما أو منكر خلافتهما إذا بناه على شبهة له لا يكفر وإن كان قوله كفرا في حد ذاته لأنهم ينكرون حجية الإجماع بإتهامهم الصحابة ، فكان شبهة في الجملة وإن كانت باطلة ، بخلاف من ادعى أن عليا إله وأن جبريل غلط لأنه ليس عن شبهة واستفراغ وسع في الاجتهاد ، بل محض هوى ، وتمامه فيه فراجعه : وقد أوضحت هذا المقام في كتابي : [ تنبيه الولاة والحكام على أحكام شاتم خير الأنام أو أحد أصحابه الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام ] ( قوله لكونه عن تأويل إلخ ) علة لقوله لا يكفر بها . قال المحقق ابن الهمام في أواخر التحرير : وجهل المبتدع كالمعتزلة مانعي ثبوت الصفات الزائدة وعذاب القبر والشفاعة وخروج مرتكب الكبيرة والرؤية لا يصلح عذرا ، لوضوح الأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة ، لكن لا يكفر ، إذ تمسكه بالقرآن أو الحديث أو العقل ، وللنهي عن تكفير أهل القبلة والإجماع على قبول شهادتهم ولا شهادة لكافر على مسلم ، وعدمه في الخطابية ليس لكفرهم : أي بل لتدينهم شهادة الزور لمن كان على رأيهم أو حلف أنه محق .

وأورد أن استباحة المعصية كفر . وأجيب إذا كان عن مكابرة وعدم دليل ، بخلاف ما عن دليل شرعي ، والمبتدع مخطئ في تمسكه لا مكابر ، والله أعلم بسرائر عباده . ا هـ . ( قوله ومنا من كفرهم ) أي منا معشر أهل السنة والجماعة من كفر الخوارج : أي أصحاب البدع ; أو المراد منا معشر الحنفية . وأفاد أن المعتمد عندنا خلافه ، فقد نقل في البحر عن الخلاصة فروعا تدل على كفر بعضهم . ثم قال : والحاصل أن المذهب عدم تكفير أحد من المخالفين فيما ليس من الأصول المعلومة من الدين ضرورة إلخ فافهم ( قوله كقوله جسم كالأجسام ) وكذا لو لم يقل كالأجسام ، وأما لو قال لا كالأجسام فلا يكفر لأنه ليس فيه إلا إطلاق لفظ الجسم الموهم للنقص فرفعه بقوله لا كالأجسام ، فلم يبق إلا مجرد الإطلاق وذلك معصية ، وتمامه في البحر ( قوله وإنكاره صحبة الصديق ) لما فيه من تكذيب قوله تعالى - { إذ يقول لصاحبه } - ح . وفي الفتح عن الخلاصة : ومن أنكر خلافة الصديق أو عمر فهو كافر ا هـ ولعل المراد إنكار استحقاقهما الخلافة ، فهو مخالف لإجماع الصحابة لا إنكار وجودها لهما بحر . [ ص: 562 ] وينبغي تقييد الكفر بإنكار الخلافة بما إذا لم يكن عن شبهة كما مر عن شرح المنية ، بخلاف إنكار صحبة الصديق تأمل ( قوله أصلا ) تأكيد ، وليس المراد به في حالة كذا ولا في حالة كذا إذ ليس هنا أحوال ح ( قوله وولد الزنا ) إذ ليس له أب يربيه ويؤدبه ويعلمه فيغلب عليه الجهل بحر ، أو لنفرة الناس عنه ( قوله هذا ) أي ما ذكر من كراهة إمامة المذكورين ( قوله إن وجد غيرهم ) أي من هو أحق بالإمامة منهم ( قوله بحر بحثا ) قد علمت أنه موافق للمنقول عن الاختيار وغيره ( قوله نال فضل الجماعة ) أفاد أن الصلاة خلفهما أولى من الانفراد ، لكن لا ينال كما ينال خلف تقي ورع لحديث " { من صلى خلف عالم تقي فكأنما صلى خلف نبي } " قال في الحلية : ولم يجده المخرجون نعم أخرج الحاكم في مستدركه مرفوعا " { إن سركم أن يقبل الله صلاتكم فليؤمكم خياركم ، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم } " . ا هـ . مطلب في إمامة الأمرد

( قوله وكذا تكره خلف أمرد ) الظاهر أنها تنزيهية أيضا . والظاهر أيضا كما قال الرحمتي أن المراد به الصبيح الوجه لأنه محل الفتنة ، وهل يقال هنا أيضا : إذا كان أعلم القوم تنتفي الكراهة : فإن كانت علة الكراهة خشية الشهوة وهو الأظهر فلا ، وإن كانت غلبة الجهل أو نفرة الناس من الصلاة خلفه فنعم فتأمل . والظاهر أن ذا العذار الصبيح المشتهى كالأمرد تأمل

هذا ، وفي حاشية المدني عن الفتاوى العفيفية : سئل العلامة الشيخ عبد الرحمن بن عيسى المرشدي عن شخص بلغ من السن عشرين سنة وتجاوز حد الإنبات ولم ينبت عذاره ، فهل يخرج بذلك عن حد الأمردية ، وخصوصا وقد نبت له شعرات في ذقنه تؤذن بأنه ليس من مستديري اللحى ، فهل حكمه في الإمامة كالرجال الكاملين أم لا أجاب : سئل العلامة الشيخ أحمد بن يونس المعروف بابن الشلبي من متأخري علماء الحنفية عن هذه المسألة .

فأجاب بالجواز من غير كراهة ، وناهيك به قدوة ، والله أعلم . وكذلك عنها المفتي محمد تاج الدين القلعي فأجاب كذلك . ا هـ . ( قوله وسفيه ) هو الذي لا يحسن التصرف على مقتضى الشرع أو العدل كما سيذكره في الحجر ط ( قوله ومفلوج وأبرص شاع برصه ) وكذلك أعرج يقوم ببعض قدمه ، فالاقتداء بغيره أولى تتارخانية ، وكذا أجذم برجندي ، ومجبوب وحاقن ، ومن له يد واحدة فتاوى الصوفية عن التحفة . والظاهر أن العلة النفرة ، ولذا قيد الأبرص بالشيوع ليكون ظاهرا ولعدم إمكان إكمال الطهارة أيضا في المفلوج والأقطع والمجبوب ، ولكراهة صلاة الحاقن أي ببول ونحوه ( قوله وشارب الخمر إلى قوله ومتصنع ) تكرار مع قول المتن فاسق ح .

والنمام : من ينقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد ، وهي من الكبائر . ويحرم على الإنسان قبولها .

والمرائي : من يقصد أن يراه الناس ، سواء تكلف تحسين الطاعات أو لا . والمتصنع : من يتكلف تحسينها فهو أخص مما قبله ط




الخدمات العلمية