الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) اعلم أنه ( إن تعمد عملا ينافيها بعد جلوسه قدر التشهد ) ولو بعد سبق حدثه ( تمت ) لتمام فرائضها ، نعم تعاد لترك واجب السلام ( ولو ) وجد المنافي ( بلا صنعه ) قبل القعود بطلت اتفاقا ، ولو ( بعده بطلت ) في المسائل الاثني عشرية عنده . وقالا : صحت ، [ ص: 607 ] ورجحه الكمال . وفي الشرنبلالية : والأظهر قولهما بالصحة في الاثني عشرية ، وهي ما ذكره بقوله ( كما تبطل ) لو فرع بالفاء كما في الدرر لكان أولى ( بقدرة المتيمم على الماء ) وأما مسألة رؤية المتوضئ المؤتم بمتيمم الماء ففيها خلاف زفر فقط وتنقلب نفلا ( ومضى مدة مسحه إن وجد ماء ) ولم يخف تلف رجله من برد ، وإلا فيمضي ( على الأصح ) كما مر في بابه

التالي السابق


( قوله إن تعمد عملا ينافيها ) أي ينافي الصلاة كالقهقهة ; فلو تعمدها بعد جلوسه قدر التشهد فصلاته تامة وإن بطل وضوءه لوجودها في أثناء الصلاة دون وضوء القوم لخروجهم منها بحدث إمامهم ، وتمامه في البحر وسيأتي ( قوله ولو بعد سبق حدثه ) نص عليه الزيلعي ولم يحك فيه خلافا ، ففيه رد لما في الحلية من أنها تبطل عنده لعدم الخروج بصنعه لا عندهما .

ووجه الرد كما في البحر أنه إذا أتى بمناف بعد سبق الحدث فقد خرج منها بصنعه ( قوله تمت ) أي صحت ، إذ لا شك أنها ناقصة لترك الواجب ط ( قوله نعم تعاد ) أي وجوبا ط ( قوله ولو وجد المنافي ) أي سوى الحدث السماوي المتقدم لأنه وإن كان منافيا قياسا ، لكن الشرع اعتبره غير مناف أفاده ح ( قوله بلا صنعه ) مقابل : قوله أن تعتمد إلخ ( قوله ولو بعده بطلت ) أي بعد القعود قدر التشهد وشمل ما لو سلم الإمام وعليه سهو فعرض واحد مما سيجيء ، فإن سجد بطلت وإلا فلا ; ولو سلم القوم قبل الإمام بعدما قعد قدر التشهد ثم عرض له واحد منها بطلت صلاته دون القوم وكذا إذا سجد هو للسهو ولم يسجد القوم ثم عرض له بحر . المسائل الاثنا عشرية

( قوله في المسائل الاثني عشرية ) اشتهرت هذه النسبة ، وهي خطأ عند أهل العربية لأن العدد المركب العلمي إنما ينسب إلى صدره فتقول في خمسة عشر علما لرجل أو غيره خمسي وغير العلمي لا ينسب إليه بحر ونهر ( قوله عنده ) أي عند أبي حنيفة ووجه بطلانها عنده على ما خرجه البردعي أن الخروج من الصلاة بصنع المصلي فرض عنده لأنه لا يمكن أداء فرض آخر إلا بالخروج من الأولى . وما لا يتوصل إلى الفرض إلا به يكون فرضا . وقال الكرخي : هذا غلط لأن الخروج قد يكون بمعصية كالحدث العمد ، ولو كان فرضا لاختص بما هو قربة وهو السلام ، فلا خلاف بينهم في أن الخروج بصنعه ليس فرضا . وإنما قال الإمام بالبطلان في هذه المسائل لمعنى آخر . وهو أن العوارض [ ص: 607 ] الآتية مغيرة للفرض كرؤية المتيمم ماء ، فإنه كان فرضه التيمم فتغير إلى الوضوء

. وكذا بقية المسائل ، بخلاف الكلام فإنه قاطع لا مغير والحدث العمد والقهقهة ونحوهما مبطلة لا مغيرة . وأيده في البحر بما في المجتبى بأن عليه المحققين من أصحابنا ، وبأنه صححه شمس الأئمة لكن قدمنا في فرائض الصلاة عن المسائل البهية الزكية على الاثني عشرية للعلامة الشرنبلالي تأييد كلام البردعي بأنه قد مشى على افتراض الخروج بصنعه صاحب الهداية وتبعه الشراح وعامة المشايخ وأكثر المحققين والإمام النسفي في الوافي الكافي والكنز وشروحه وصاحب المجمع وإمام أهل السنة الشيخ أبو منصور الماتريدي ( قوله ورجحه الكمال إلخ ) أقول : إن الكمال لم يرجح قولهما صريحا وإنما بحث في توجيه كلام الإمام على ما قاله كل من البردعي والكرخي كما أوضحته فيما علقته على البحر ( قوله وفي الشرنبلالية والأظهر قوله إلخ ) أقول : عزا ذلك الشرنبلالي في رسالته إلى البرهان ثم رده بأنه لا وجه لظهوره فضلا عن كونه أظهر لأنه استدل على ذلك بما ليس فيه دلالة عليه .

ثم قال الشرنبلالي بعدما أطال في رده : ومن المقرر طلب الاحتياط في صحة العبادة لتبرأ ذمة المكلف بها وليس الاحتياط إلا بقول الإمام الأعظم إنها تبطل . ا هـ . قلت : وعليه المتون ( قوله لكان أولى ) لأن كلامه يوهم أن قوله ولو بلا صنعه بعده بطلت ، مفروض في غير المسائل الاثني عشرية مع أنه مخصوص بها وبما ألحق بها من المزايدات الآتية وغيره ( قوله وأما مسألة إلخ ) جواب عما أورده الزيلعي على الكنز من أن التقييد بالمتيمم غير مفيد لأن المتوضئ خلف المتيمم لو رأى الماء في صلاته بطلت أيضا لعلمه أن إمامه قادر على الماء بإخباره وصلاة الإمام تامة لعدم قدرته ، فلو قال : والمقتدي به لعلمه . وأجاب في البحر بأن المقتدي لم تبطل صلاته أصلا بل وصفا ورده في النهر بأن المصنف استعمل البطلان بالمعنى الأعم وهو إعدام الفرض بقي الأصل أولا ثم قال : فالأولى ما قاله العيني : إن مسألة المقتدي بمتيمم ليس فيها إلا خلاف زفر ، والخلاف في هذه المسائل مفروض بين الإمام وصاحبيه ا هـ فقول الشارح وتنقلب نفلا ناظر لجواب البحر أيضا ، وقد علمت ما فيه أفاده ح .

( قوله ففيها خلاف زفر ) أي حيث قال بعدم الفساد كما قدمناه في الباب السابق ( قوله كما مر في بابه ) ومر أيضا أنه إذا لم يجد ماء لغسل الرجلين بعد تمام مدة المسح وهو في الصلاة فالأشبه الفساد لسراية الحدث إلى الرجل لأن عدم الماء لا يمنع السراية ، ثم يتيمم له ويصلي قال الزيلعي ، وتبعه في فتح القدير وشرح المنية وقدمنا أيضا هناك فيما إذا خاف تلف رجليه من البرد بطلان المسح السابق ولزوم استئناف مسح آخر يعم الخف كالجبيرة ، فكان المناسب عدم التقييد بشيء من القيدين




الخدمات العلمية