الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 56 ] 122 - باب

                                أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي لا يتم ركوعه بالإعادة

                                760 793 - حدثنا مسدد، نا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، حدثني سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فرد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: " ارجع فصل فإنك لم تصل "، فصلى ثم جاء، فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: " ارجع فصل فإنك لم تصل " - ثلاثا - فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره، فعلمني. قال: " إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها ".

                                التالي السابق


                                استدل بعضهم بهذا الحديث على أن من دخل المسجد وفيه قوم جلوس ، فإنه يبدأ فيصلي تحية المسجد، ثم يسلم على من فيه، فيبدأ بتحية المسجد قبل تحية الناس.

                                وفي هذا نظر، وهذه واقعة عين، فيحتمل أنه لما دخل المسجد صلى في مؤخره قريبا من الباب، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- في صدر المسجد، فلم يكن قد مر عليهم قبل صلاته، أو أنه لما دخل المسجد مشى إلى قريب من قبلة المسجد، بالبعد من الجالسين في المسجد، فصلى فيه، ثم انصرف إلى الناس.

                                يدل على ذلك: أنه روي في هذا الحديث: أن رجلا دخل المسجد، [ ص: 57 ] فصلى، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ناحية المسجد، فجاء فسلم - وذكر الحديث -.

                                خرجه ابن ماجه .

                                فأما من دخل المسجد فمر على قوم فيه، فإنه يسلم عليهم ثم يصلي.

                                وفيه: دليل على أن من قام عن قوم لحاجته، ثم عاد إليهم، فإنه يسلم عليهم وإن لم يكن قد غاب عنهم.

                                وفيه: دليل على أن من أساء في الصلاة فإنه يؤمر بإحسان صلاته مجملا، حتى يتبين أنه جاهل، فيعلم ما جهله.

                                وفيه: دليل على أن من أساء في صلاة تطوع فإنه يؤمر بإعادتها.

                                وهذا مما يتعلق به من يقول بلزوم النوافل بالشروع، ووجوب إعادتها إذا أفسدها.

                                ومن خالف في ذلك حمل الأمر بالإعادة على الاستحباب، وأن الأمر بالإعادة كان تغليظا على هذا المسيء في صلاته؛ لأن ذلك أزجر له عن الإساءة، وأقرب إلى عدم عوده إليها.

                                وقد ذكرنا - فيما تقدم - الاستدلال بهذا الحديث على وجوب التكبير والقراءة.

                                والمقصود منه في هذا الباب: وجوب إتمام الركوع والطمأنينة فيه؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يركع حتى يطمئن راكعا.

                                وقد أشار البخاري إلى أنه إنما أمر بالإعادة؛ لأنه لم يتم الركوع، وليس في سياق هذا الحديث ما يدل على ذلك.

                                ولكن؛ روي في حديث رفاعة بن رافع : أن الداخل إلى المسجد صلى [ ص: 58 ] وأخف صلاته.

                                خرجه الترمذي وغيره.

                                وخرجه النسائي ، وعنده: فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرمق صلاته، ولا يدرى ما يعيب منها.

                                وقد قيل: إن المذكور في حديث رفاعة غير المذكور في حديث أبي هريرة ؛ لأن في حديث رفاعة تعليم النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض مستحبات الصلاة؛ كالاستفتاح وغيره، بخلاف حديث أبي هريرة ؛ فإنه ليس فيه غير تعليم فرائض الصلاة.

                                وأكثر أهل العلم على أن إتمام الركوع بالطمأنينة فرض، لا تصح الصلاة بدون ذلك.

                                قال الترمذي : العمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم؛ يرون أن يقيم الرجل صلبه في الركوع والسجود.

                                وقال الشافعي وأحمد وإسحاق : من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود فصلاته فاسدة؛ لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: " لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود ".

                                وهذا الحديث الذي أشار إليه خرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في " صحيحه " من حديث أبي مسعود الأنصاري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                وقال الترمذي : حسن صحيح.

                                [ ص: 59 ] ولفظ أبي داود : " لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود ".

                                وإقامة الظهر في الركوع والسجود: هو سكونه من حركته.

                                وقدر الطمأنينة المفروضة: أدنى سكون بين حركتي الخفض والرفع عند أصحاب الشافعي ، وأحد الوجهين لأصحابنا.

                                والثاني لأصحابنا: أنها مقدرة بقدر تسبيحة واحدة.

                                وذهب أبو حنيفة إلى أن الطمأنينة ليست فرضا في ركوع ولا غيره، لظاهر قوله: اركعوا واسجدوا

                                وللجمهور: أن الأمر بالركوع والسجود مطلق، وقد فسره النبي -صلى الله عليه وسلم- وبينه بفعله وأمره، فرجع إلى بيانه في ذلك كما رجع إلى بيانه في عدد السجود وعدد الركعات، ونحو ذلك.



                                الخدمات العلمية