الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2898 260 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن حميد بن هلال ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذها جعفر فأصيب ، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب ، ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح عليه ، وما يسرني ، أو قال : ما يسرهم أنهم عندنا ، وقال : وإن عينيه لتذرفان .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة " .

                                                                                                                                                                                  ويعقوب بن إبراهيم بن كثير الدورقي ، وابن علية بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد الياء آخر الحروف هو إسماعيل بن إبراهيم البصري ، وعلية أمه مولاة لبني أسد ، وأيوب هو السختياني ، ومضى هذا الحديث في أوائل الجهاد في باب تمني الشهادة .

                                                                                                                                                                                  وهذا الحديث في غزوة مؤتة وسيأتي بأتم منه في المغازي ، وكانت في السنة الثامنة من الهجرة في جمادى الأولى ، وكان السبب في ذلك ما قاله الواقدي عن الزهري : بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كعب بن عمير الغفاري في خمسة عشر رجلا حتى انتهوا إلى ذات أطلاح من الشام ، وهو موضع على ليلة من البلقاء ، وقيل : موضع من وراء وادي القرى ، فوجدوا جمعا كثيرا من بني قضاعة ، فدعوهم إلى الإسلام فلم يستجيبوا أو رشقوهم بالنبل ، فلما رآهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوهم أشد القتال ، فقتلوا فأفلت منهم رجل جريح في القتلى ، فلما أن برد عليه الليل تحامل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر بذلك ، وبعث سرية عليها زيد بن حارثة في نحو من ثلاثة آلاف إلى أرض البلقاء لأجل هؤلاء الذين قتلوا ، وقال : إن أصيب زيد فجعفر على الناس ، وإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة ، فخرجوا حتى نزلوا معان من أرض الشام ، فبلغهم أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم ، وانضم إليه من لخم وجذام والقين وبهرام وبلي مائة ألف منهم ، عليهم رجل من بلي ، ثم أحد أراشه يقال له مالك بن نافلة ، فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين ينظرون في أمرهم ، وقالوا : نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخبره بعدد عدونا فإما أن يمدنا بالرجال وإما أن يأمرنا بأمر فنمضي له ، قال : فشجع الناس عبد الله بن رواحة وقال : يا قوم إن الذي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة ، وما نقاتل بعدد ولا قوة ، ولا نقاتل إلا لهذا الدين ، فانطلقوا فإحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة ، فصدقوه فمضوا حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال [ ص: 309 ] لها مشارف ، ولما دنا العدو انحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة ، فتلاقوا عندها فاقتتلوا ، فقتل زيد بن حارثة ، ثم أخذ الراية جعفر فقاتل بها حتى قتل ، قال ابن هشام : إن جعفرا أخذ اللواء بيمينه فقطعت ، فأخذها بشماله فقطعت ، فاحتضنها بعضديه حتى قتل ، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء ، ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل ، ثم أخذها ثابت بن أقرم فقال : يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم ، قالوا : أنت ، قال : ما أنا بفاعل ، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه ، قال الواقدي : لما أخذ خالد الراية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الآن حمي الوطيس ، فهزم الله العدو وظهر المسلمون وقتلوا منهم مقتلة عظيمة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال الواقدي : حدثني عبد الجبار بن عمارة بن غزية ، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم قال : لما التقى الناس بمؤتة جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وكشف له ما بينه وبين الشام فهو ينظر إلى معركتهم ، فقال : أخذ الراية زيد ، وهو زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب الكلبي القضاعي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قوله : " فأصيب " أي قتل ، قوله : " ثم أخذها " أي الراية " جعفر " وهو ابن أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم ، قوله : " ثم أخذها عبد الله بن رواحة " بن ثعلبة بن امرئ القيس الأنصاري الخزرجي ، قوله : " من غير إمرة " بلفظ المصدر النوعي ، أي صار أميرا بنفسه من غير أن يفوض إليه الإمام ، قوله : " ففتح عليه " أي على خالد ، قوله : " وما يسرني " أو قال : " ما يسرهم أنهم عندنا " لأن حالهم فيما هم فيه أفضل مما لو كانوا عندنا ، قوله : " قال " أي قال أنس : " وإن عينيه لتذرفان " بكسر الراء ، يعني : تسيلان دمعا ، وقال الداودي : أي تدفعان ، وقيل : تدمعان الدمع .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية