الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5061 3 - حدثنا علي بن عبد الله، أخبرنا سفيان، قال الوليد بن كثير: أخبرني أنه سمع وهب بن كيسان، أنه سمع عمر بن أبي سلمة يقول: كنت غلاما في حجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك. فما زالت تلك طعمتي بعد.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للجزء الثاني للترجمة، وهو قوله: "والأكل باليمين" وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "قال الوليد بن كثير" بالثاء المثلثة المخزومي القرشي من أهل المدينة "أخبرني أنه" أي أن الوليد سمع وهب بن كيسان مولى عبد الله بن الزبير بن العوام، وهكذا وقع أخبرنا سفيان قال الوليد بن كثير: أخبرني أنه سمع وهب بن كيسان، وآخر لفظه "أخبرني" وزاد لفظ "قال" وهذا التصرف من الراوي جائز، وقد أخرجه الحميدي في مسنده، وأبو نعيم في المستخرج من طريقه عن سفيان قال: حدثنا الوليد بن كثير إلى آخره، وعمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، واسم أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد، وأمه برة بنت عبد المطلب بن هاشم، وأم عمر المذكور هي أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ربيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وله أحاديث توجب له فضل الصحبة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطال عمره.

                                                                                                                                                                                  قوله: "كنت غلاما" أي: دون البلوغ، يقال للصبي من حين يولد إلى أن يبلغ "غلام" وقد ذكر ابن عبد البر أنه ولد في السنة الثانية من الهجرة بأرض الحبشة، وتبعه غير واحد قيل: فيه نظر، بل الصواب أنه ولد قبل ذلك، فقد صح في حديث عبد الله بن الزبير أنه قال: كنت أنا وعمر بن أبي سلمة مع النسوة يوم الخندق، وكان أكبر مني بسنتين ومولد ابن الزبير في السنة الأولى على الصحيح، فيكون مولد عمر قبل الهجرة بسنتين، انتهى.

                                                                                                                                                                                  قلت: في نظر هذا القائل نظر; لأن ابن عبد البر ذكر: قيل إن عمر كان يوم قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن تسع سنين، فافهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم" ضبطه بعضهم بفتح الحاء وسكون الجيم، أي: في تربيته وتحت نظره، وأنه يربيه في حضنه تربية الولد، واقتصر عليه، وقال الكرماني: في حجره، بفتح المهملة وكسرها، وهو الصواب، بل الأصوب بالكسر على ما نقول.

                                                                                                                                                                                  وقال عياض: الحجر يطلق على الحضن وعلى الثوب، فيجوز فيه الفتح والكسر، وإذا أريد به الحضانة فبالفتح لا غير، وإن أريد به المنع من التصرف فبالفتح في المصدر وبالكسر في الاسم لا غير، وفي المغرب: حجر الإنسان بالفتح والكسر حضنه، وهو ما دون إبطه إلى الكشح، ثم قالوا: فلان في حجر فلان، أي: في كنفه ومنعته، ومنه قوله تعالى: وربائبكم اللاتي في حجوركم .

                                                                                                                                                                                  قوله: "وكانت يدي تطيش " بالطاء المهملة والشين المعجمة، أي: تتحرك حوالي الصحفة، ولا تقتصر على موضع واحد، وقال الطيبي: والأصل أطيش بيدي، فأسند الطيش إلى يده مبالغة، والصحفة ما يشبع خمسة، والقصعة ما يشبع عشرة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فما زالت تلك طعمتي بعد" أشار بقوله: "تلك" إلى جميع ما ذكر من الابتداء بالتسمية والأكل باليمين والأكل مما يليه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "طعمتي" بكسر الطاء، وهذه الصيغة للنوع، وأراد أن أكله كان بعد ذلك على هذا النوع المذكور الذي أشار إليه بقوله: "تلك" وقال الكرماني: ويروى بضم الطاء، والطعمة بالضم بمعنى الأكلة، يقال: طعم طعمة إذا أكل أكلة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "بعد" مبني على الضم، أي: بعد ذلك، فلما حذف المضاف إليه بني على الضم.

                                                                                                                                                                                  وقد ذكرنا عن قريب أن الأمر بالتسمية محمول على الندب عند الجمهور، وأما الأكل باليمين فقد ذهب بعضهم إلى أنه واجب لظاهر الأمر، ولورود الوعيد في الأكل بالشمال، ففي صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يأكل بشماله، فقال: كل بيمينك، قال: لا أستطيع -فما منعه إلا الكبر- فقال: لا استطعت، فما رفعها إلى فيه بعد".

                                                                                                                                                                                  وروى أحمد بسند حسن، عن عائشة رفعته: " من أكل بشماله أكل معه الشيطان " وروى مسلم من حديث جابر، عن رسول الله [ ص: 30 ] صلى الله عليه وسلم قال: "لا تأكلوا بالشمال فإن الشيطان يأكل بالشمال" وقال الطيبي: معنى قوله: "إن الشيطان يأكل بشماله" أي: يحمل أولياءه من الإنس على ذلك؛ ليضار به عباد الله الصالحين، وقال بعضهم: فيه عدول عن الظاهر، والأولى حمل الخبر على ظاهره، وأن الشيطان يأكل حقيقة; لأن العقل لا يحيل ذلك، وقد ثبت الخبر به، فلا يحتاج إلى تأويله.

                                                                                                                                                                                  قلت: للناس فيه ثلاثة أقوال:

                                                                                                                                                                                  أحدها: أن صنفا منهم يأكلون ويشربون.

                                                                                                                                                                                  والثاني: أن صنفا منهم لا يأكلون ولا يشربون.

                                                                                                                                                                                  والثالث: أن جميعهم يأكلون ولا يشربون، وهذا قول ساقط.

                                                                                                                                                                                  وروى أبو عمر بإسناده عن وهب بن منبه بقوله: وسئل عن الجن ما هم وهل يأكلون ويشربون ويتناكحون ويموتون؟ فقال: هم أجناس، فأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يتوالدون، ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتوالدون ويتناكحون، منهم السعالي والغول والقطرب وغير ذلك.

                                                                                                                                                                                  والذين يقولون هم يأكلون ويشربون، اختلفوا على قولين: أحدهما أن أكلهم وشربهم تشمم واسترواح لا مضغ وبلع، وهذا قول لم يرد عليه الدليل، والآخر أن أكلهم وشربهم مضغ وبلع، وهذا القول الذي تشهد له الأحاديث الصحيحة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية