الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5199 51 - حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب بن أبي تميمة، عن القاسم، عن زهدم قال: كنا عند أبي موسى الأشعري، وكان بيننا وبين هذا الحي من جرم إخاء، فأتي بطعام فيه لحم دجاج، وفي القوم رجل جالس أحمر فلم يدن من طعامه قال: ادن فقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل منه، قال: إني رأيته أكل شيئا فقذرته فحلفت أن لا آكله، فقال: ادن أخبرك أو أحدثك إني أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في نفر من الأشعريين فوافقته وهو غضبان وهو يقسم نعما من نعم الصدقة، فاستحملناه فحلف أن لا يحملنا، قال: ما عندي ما أحملكم عليه، ثم أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنهب من إبل فقال: أين الأشعريون؟ أين الأشعريون؟ قال: فأعطانا خمس ذود غر الذرى، فلبثنا غير بعيد فقلت لأصحابي: نسي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمينه فوالله لئن تغفلنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمينه لا نفلح أبدا فرجعنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: يا رسول الله إنا استحملناك فحلفت أن لا تحملنا فظننا أنك نسيت يمينك؟ [ ص: 127 ] فقال: إن الله هو حملكم، إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة، وأبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو المقعد البصري، وعبد الوارث هو ابن سعيد البصري، وأيوب هو السختياني، وذكره هنا بكنية أبيه أبي تميمة واسمه كيسان أبو بكر البصري، والقاسم بن عاصم الكلبي التميمي البصري، وهنا روى أيوب عن القاسم عن زهدم، وفي الرواية التي سبقت عن أيوب عن أبي قلابة عن زهدم. ومضى الحديث في باب قدوم الأشعريين، ومضى الكلام فيه مستوفى.

                                                                                                                                                                                  قوله: "بيننا وبين هذا الحي" هكذا وقع في رواية الكشميهني، وقال ابن التين: "بيننا وبينه هذا الحي" وهذا الحي بالجر بدلا من الضمير في بينه، قيل: رد هذا لفساد المعنى؛ لأنه يصير تقدير الكلام أن زهدما الجرمي قال: كان بيننا وبين هذا الحي من جرم إخاء، وليس المراد، وإنما المراد أن أبا موسى وقومه الأشعريين كانوا أهل مودة وإخاء لقوم زهدم وهم بنو جرم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "إخاء" بكسر الهمزة والمد أي مؤاخاة، وقال ابن التين: ضبطه بعضهم بالقصر وهو خطأ انتهى.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أحمر" أي أحمر اللون، وفي رواية حماد بن زيد: رجل من بني تيم الله أحمر كأنه من الموالي أي العجم، قيل: هذا الرجل هو زهدم الراوي أبهم نفسه.

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): قد وصف الرجل في رواية حماد بأنه من تيم الله وزهدم من بني جرم.

                                                                                                                                                                                  (قلت): لا بعد في هذا؛ لأنه يصح أن ينسب زهدم تارة إلى بني تيم الله وتارة إلى بني جرم، وقد روى أحمد هذا الحديث عن عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان الثوري فقال في روايته: رجل من بني تيم الله يقال له زهدم، قال: كنا عند أبي موسى فأتي بلحم دجاج.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فقذرته" بكسر الذال المعجمة وفتحها أي كرهته، وفي رواية أبي عوانة: "إني رأيتها تأكل قذرا".

                                                                                                                                                                                  قوله: "فقال ادن أخبرك" كذا هو عند الأكثرين أمر من الدنو، ووقع عند المستملي والسرخسي "إذن" بكسر الهمزة وبذال معجمة مع التنوين وهو تحريف، فعلى الأول "أخبرك" مجزوم وعلى الثاني منصوب.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أو أحدثك" شك من الراوي.

                                                                                                                                                                                  قوله: "خمس ذود" بفتح الذال المعجمة وسكون الواو وبالدال المهملة وهو من الإبل ما بين الثلاث إلى العشرة، وقوله: "خمس ذود" بالإضافة، واستنكره أبو البقاء في (غريبه) فقال: الصواب تنوين خمس وأن يكون ذود بدلا من خمس، فإنه لو كان من غير تنوين لتغير المعنى; لأن العدد المضاف غير المضاف إليه، فيلزم أن يكون خمس ذود خمسة عشر بعيرا; لأن الإبل الذود ثلاثة، ورده بعضهم بقوله: وليكن عدد الإبل خمسة عشر بعيرا، فما الذي يضر وقد ثبت في بعض طرقه خذ هذين القرينين وهذين القرينين إلى أن عد ست مرات.

                                                                                                                                                                                  (قلت): رده مردود عليه; لأن أبا البقاء إنما قال ما قاله في هذه الرواية ولم يقل إن الذي قاله يتأتى في جميع طرق هذا الحديث.

                                                                                                                                                                                  قوله: "غر الذرى" الغر بضم الغين المعجمة جمع أغر وهو الأبيض، والذرى بضم الذال المعجمة والقصر جمع ذروة، وذروة كل شيء أعلاه، والمراد هنا أسنمة الإبل، ولعلها كانت بيضاء حقيقة أو أراد وصفها بأنها لا علة فيها ولا دبر.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فاستحملناه" أي طلبنا منه إبلا تحملنا.

                                                                                                                                                                                  قوله: "تغفلنا" أي طلبنا غفلته أو سألناه في وقت شغله.

                                                                                                                                                                                  قوله: "حملكم" أي ساق هذا النهب إلينا ورزقنا هذه الغنيمة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وتحللتها" من التحلل وهو التفصي عن عهدة اليمين والخروج منها بالكفارة أو الاستثناء.

                                                                                                                                                                                  وفي الحديث جواز أكل لحم الدجاج، وفي (التوضيح): قام الإجماع على حله وهو من رقيق المطاعم وناعمها، ومن كره ذلك من المتقشفين من الزهاد فلا عبرة بكراهته، وقد أكل منها سيد الزهاد وإن كان يحتمل أن تكون جلالة.

                                                                                                                                                                                  وروى الطبراني عن ابن عمر أنه كان لا يأكلها حتى يقصرها أياما، وروي عنه أيضا أنه كان إذا أراد أن يأكل بيض الدجاجة قصرها ثلاثة أيام، وقال أبو حنيفة: الدجاجة تخلط، والجلالة لا تأكل غير العذرة وهي التي تكره، وزعم ابن حزم أن الجلالة من ذوات الأربع خاصة ولا يسمى الطير والدجاجة جلالة، وقال ابن بطال: والعلماء مجمعون على جواز أكل الجلالة، وقد سئل سحنون عن خروف أرضعته خنزيرة فقال: لا بأس بأكله، وقال الطبري: والعلماء مجمعون على أن جملا أو جديا غذي بلبن كلبة أو خنزيرة غير حرام أكله، ولا خلاف أن ألبان الخنازير نجسة كالعذرة، والله تعالى أعلم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية