الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  200 66 - حدثنا عمرو بن خالد الحراني قال : حدثنا الليث ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعد بن إبراهيم ، عن نافع بن جبير ، عن عروة بن المغيرة ، عن أبيه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ، عن [ ص: 99 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه خرج لحاجته فاتبعه المغيرة بإداوة فيها ماء ، فصب عليه حين فرغ من حاجته ، فتوضأ ومسح على الخفين .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة .

                                                                                                                                                                                  بيان رجاله :

                                                                                                                                                                                  وهم سبعة : الأول : عمرو بالواو ، ابن خالد بن فروخ بالفاء المفتوحة ، وضم الراء المشددة ، وفي آخره خاء معجمة ، أبو الحسن الحراني ، ونسبته إلى " حران " بفتح الحاء المهملة ، وتشديد الراء ، وبعد الألف نون ، قال الكرماني : موضع بالجزيرة بين العراق والشام .

                                                                                                                                                                                  قلت : ليس كما قاله ، بل هي مدينة قديمة بين دجلة والفرات ، كانت تعدل ديار مصر ، واليوم خراب ، وقيل : هي مولد إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ، ويوسف ، وإخوته عليهم الصلاة والسلام .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن الكلبي : لما خرج نوح عليه الصلاة والسلام من السفينة بناها ، وقيل : إنما بناها هران خال يعقوب عليه الصلاة والسلام ، فأبدلت العرب الهاء حاء ، فقالوا حران .

                                                                                                                                                                                  الثاني : الليث بن سعد المصري .

                                                                                                                                                                                  الثالث : يحيى بن سعيد الأنصاري ، تقدما في كتاب الوحي .

                                                                                                                                                                                  الرابع : سعد بسكون العين ، ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف .

                                                                                                                                                                                  الخامس : نافع بن جبير بن مطعم .

                                                                                                                                                                                  السادس : عروة بن المغيرة بن شعبة .

                                                                                                                                                                                  السابع : أبو المغيرة بن شعبة .

                                                                                                                                                                                  بيان لطائف إسناده :

                                                                                                                                                                                  الأول : أن فيه التحديث بصيغة الجمع ، والعنعنة الكثيرة .

                                                                                                                                                                                  والثاني : أن رواته ما بين حراني ، ومصري ، ومدني .

                                                                                                                                                                                  والثالث : فيه أربعة من التابعين على الولاء : وهم يحيى ، وسعد ، ونافع ، وعروة .

                                                                                                                                                                                  بيان تعدد موضعه ، ومن أخرجه غيره :

                                                                                                                                                                                  أخرجه البخاري في مواضع : في الطهارة عن عمرو بن علي ، عن عبد الوهاب الثقفي ، وعن عمرو بن خالد ، عن الليث ، كلاهما عن يحيى بن سعيد ، وفي المغازي عن يحيى بن بكير ، عن الليث ، عن عبد العزيز بن أبي سلمة ، كلاهما عن سعد بن إبراهيم ، عن نافع بن جبير بن مطعم عنه به ، وفي الطهارة أيضا ، وفي اللباس عن أبي نعيم ، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن الشعبي عنه به .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه مسلم في الطهارة عن قتيبة ، وفي الصلاة عن محمد بن رافع ، وزاد في قصة الصلاة خلف عبد الرحمن بن عوف .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه أبو داود في الطهارة ، عن أحمد بن صالح ، ولم يذكر قصة الصلاة ، وعن مسدد ، عن عيسى بن يونس .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه النسائي فيه ، عن سليمان بن داود ، والحارث بن مسكين ، وعن قتيبة مختصرا ، وعن عبد الله بن سعد بن إبراهيم . وأخرجه ابن ماجه فيه عن محمد بن رمح .

                                                                                                                                                                                  بيان المعاني :

                                                                                                                                                                                  قوله ( أنه خرج لحاجته ) وفي الباب الذي بعد هذا : أنه كان في غزوة تبوك ، على تردد في ذلك من بعض رواته ، ولمالك ، وأحمد ، وأبي داود من طريق عباد بن زيد ، عن عروة بن المغيرة : أنه كان في غزوة تبوك بلا تردد ، وأن ذلك كان عند صلاة الفجر .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فاتبعه المغيرة ) من الاتباع بتشديد التاء ، من باب الافتعال ، ويروى : فأتبعه ، من الإتباع بالتخفيف ، من باب الإفعال ، وفي رواية للبخاري من طريق مسروق ، عن المغيرة في الجهاد وغيره : أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، هو الذي أمره أن يتبعه بالإداوة ، وزاد : حتى توارى عني ، فقضى حاجته ، ثم أقبل فتوضأ .

                                                                                                                                                                                  وعند أحمد من طريق أخرى ، عن المغيرة : أن الماء الذي توضأ به أخذه المغيرة من أعرابية صبته له من قربة كانت جلد ميتة ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : سلها إن كانت دبغتها ، فهو طهور ماؤها ، قالت : إني والله دبغتها .

                                                                                                                                                                                  قوله ( بإداوة بكسر الهمزة ) أي بمطهرة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فتوضأ ) وفي رواية البخاري في الجهاد زيادة ، وهي : وعليه جبة شامية ، وفي رواية أبي داود : من صوف من جباب الروم ، وللبخاري في روايته التي مضت في باب الرجل يوضئ صاحبه : فغسل وجهه ويديه ، وذهل الكرماني عن هذه الرواية فقال : فإن قلت : المفهوم من قوله ( فتوضأ ومسح ) أنه غسل رجليه ومسح خفيه ; لأن التوضؤ لا يطلق إلا على غسل تمام أعضاء الوضوء ، ثم قال : قلت : المراد به ها هنا غسل غير الرجلين بقرينة عطف مسح الخفين عليه للإجماع على عدم وجوب الجمع بين الغسل والمسح .

                                                                                                                                                                                  أقول : وفي رواية للبخاري في الجهاد : أنه تمضمض واستنشق وغسل وجهه . زاد أحمد في ( مسنده ) : ثلاث مرات ، فذهب يخرج يديه من كميه فكانا ضيقين ، فأخرجهما من تحت الجبة . ولمسلم من وجه آخر : وألقى الجبة على منكبيه . ولأحمد : فغسل يده اليمنى ثلاث مرات ، ويده اليسرى ثلاث مرات . وللبخاري في رواية أخرى : ومسح برأسه . وفي رواية لمسلم : ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين . ولو تأمل الكرماني هذه الروايات لما التجأ إلى هذا السؤال والجواب .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 100 ] بيان استنباط الأحكام :

                                                                                                                                                                                  الأول : فيه مشروعية المسح على الخفين .

                                                                                                                                                                                  الثاني : فيه جواز الاستعانة كما مر في بابه .

                                                                                                                                                                                  الثالث : فيه الانتفاع بجلود الميتات إذا كانت مدبوغة .

                                                                                                                                                                                  الرابع : فيه الانتفاع بثياب الكفار حتى يتحقق نجاستها ; لأنه عليه الصلاة والسلام لبس الجبة الرومية ، واستدل به القرطبي على أن الصوف لا يتنجس بالموت ; لأن الجبة كانت شامية ، وكان الشام إذ ذاك دار كفر ، ومأكول أهلها الميتات .

                                                                                                                                                                                  الخامس : فيه الرد على من زعم أن المسح على الخفين منسوخ بآية الوضوء التي في المائدة ; لأنها نزلت في غزوة المريسيع ، وكانت هذه القصة في غزوة تبوك ، وهي بعدها بلا خلاف .

                                                                                                                                                                                  السادس : فيه التشمير في السفر ، ولبس الثياب الضيقة فيه لكونها أعون على ذلك .

                                                                                                                                                                                  السابع : فيه قبول خبر الواحد في الأحكام ، ولو كانت امرأة ، سواء كان ذلك فيما تعم به البلوى أم لا ; لأنه عليه الصلاة والسلام قبل خبر الأعرابية .

                                                                                                                                                                                  الثامن : فيه استحباب التواري ، عن أعين الناس عند قضاء الحاجة ، والإبعاد عنهم .

                                                                                                                                                                                  التاسع : فيه جواز خدمة السادات بغير إذنهم .

                                                                                                                                                                                  العاشر : فيه استحباب الدوام على الطهارة ; لأنه صلى الله عليه وسلم أمر المغيرة أن يتبعه بالماء لأجل الوضوء .

                                                                                                                                                                                  الحادي عشر : فيه أن الاقتصار على غسل معظم المفروض غسله لا يجوز ; لإخراجه صلى الله عليه وسلم يديه من تحت الجبة ، ولم يكتف بما بقي .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية