الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              3314 [ ص: 29 ] 3505 - حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث قال: حدثني أبو الأسود، عن عروة بن الزبير قال: كان عبد الله بن الزبير أحب البشر إلى عائشة بعد النبي- صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر، وكان أبر الناس بها، وكانت لا تمسك شيئا مما جاءها من رزق الله الأ تصدقت. فقال ابن الزبير: ينبغي أن يؤخذ على يديها. فقالت أيؤخذ على يدي؟ علي نذر إن كلمته. فاستشفع إليها برجال من قريش، وبأخوال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خاصة فامتنعت، فقال له الزهريون-أخوال النبي- صلى الله عليه وسلم- منهم عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث والمسور بن مخرمة-: إذا استأذنا فاقتحم الحجاب. ففعل، فأرسل إليها بعشر رقاب، فأعتقتهم، ثم لم تزل تعتقهم حتى بلغت أربعين. فقالت: وددت أني جعلت حين حلفت عملا أعمله فأفرغ منه. [انظر: 3503- فتح: 6 \ 533]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه أحاديث:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث الزهري قال: كان محمد بن جبير بن مطعم بلغ معاوية -وهو عنده في وفد من قريش- أن عبد الله بن عمرو بن العاصي يحدث أنه سيكون ملك من قحطان، فغضب معاوية، فقام فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإنه بلغني أن رجالا منكم يحدثون عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحاديث ليست في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأولئك جهالكم، فإياكم والأماني التي تضل أهلها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين".

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث يأتي في الأحكام أيضا كما ستعلمه، و (قحطان) أبو اليمن، وإنكار معاوية عليه; لأنه حمل حديثه على ظاهره، وقد

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 30 ] يخرج قحطاني في ناحية من نواحي الإسلام متغلبا لا خليفة ويحمل حديث معاوية على الأكثر، ولهذا قال: "الأمر في قريش" يعني: الخلافة.

                                                                                                                                                                                                                              وقد ذكر البخاري بعد هذا حديث أبي هريرة مرفوعا: "لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه".

                                                                                                                                                                                                                              وفي الترمذي مصححا وقفه: "الملك في قريش، والقضاء في الأنصار، والأذان في الحبشة، والأمانة في الأزد" يعني اليمن. ومعنى: (ولا تؤثر) أي لا تروى، و(الأماني) بمعنى التلاوة وأنشدوا:


                                                                                                                                                                                                                              تمنى كتاب الله أول ليله وآخره لاقى حمام المقادر



                                                                                                                                                                                                                              نبه عليه ابن الجوزي. وقال ابن التين: معناه: ولا تذكر، كأن المعنى: إياكم وقراعة ما في الصحف التي تؤثر عن أهل الكتاب ما لم يأت به الشارع، فكأن ابن عمرو قرأ التوراة ويحكي عن أهلها، لا أنه حدث به عن الشارع، إذ لو حدث عنه لما استطاع أحد رده; لأنه لم يكن متهما.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("إلا كبه الله") هذا الفعل من الشواذ; لأن الفعل تعديه الهمزة وهذا الفعل ثلاثيه متعد ورباعيه لازم، قال تعالى: أفمن يمشي مكبا على وجهه [الملك: 22].

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("ما أقاموا الدين") قيل: يحتمل إن لم يقيموه فلا يسمع لهم. وقيل: يحتمل ألا يقام عليهم وإن كان لا يجوز بقاؤهم. ذكرهما ابن التين، قال: وقد أجمع على أنه إن دعا إلى كفر أو بدعة أنه يقام

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 31 ] عليه، وإن غصب الأموال وانتهك الحرم، فاختلف هل يقام عليه مع الآمر؟ فقال الأشعري مرة: نعم، ومرة: لا.

                                                                                                                                                                                                                              قيل: وليس في حديث معاوية ما يرد حديث عبد الله، وإنما أراد- صلى الله عليه وسلم- أنهم أحق بهذا الأمر، ولم يرد أنه لا يوجد في غيرهم. وظاهر الحديث خلاف هذا; لأنه خبر لقوله: "لا يزال.. " إلى آخره، و"إن هذا الأمر في قريش.. " إلى آخره. يريد: لا يسمى غيرهم بالخليفة إلا من غلب وقهر، وإخباره صدق.

                                                                                                                                                                                                                              فصل في قريش واشتقاقهم:

                                                                                                                                                                                                                              قال الزبير عن عمه: أما بنو يخلد بن النضر فهم في بني عمرو بن الحارث بن مالك بن كنانة، ومنهم قريش بن بدر بن يخلد بن النضر، وكان دليل بني كنانة في تجارتهم، فكان يقال قدمت عير قريش، فسميت قريش به، وأبوه بدر صاحب بدر الموضع.

                                                                                                                                                                                                                              وعن غيره: قريش بن الحارث بن يخلد، وابنه بدر الذي احتفر عين بدر، قال: وقد قالوا: اسم فهر بن مالك: قريش، (وما) لم يلد فهر فليس من قريش، وقال عمي: فهر هو قريش اسمه، وفهر لقبه، وكذلك حدثني المؤملي، عن عثمان بن أبي سليمان في اسم فهر بن مالك أنه قريش، وعن ابن شهاب: اسم فهر الذي أسمته أمه قريش، وإنما نبذته بهذا كما يسمى الصبي غرارة وشملة، وأشباه ذلك

                                                                                                                                                                                                                              قال: وقد أجمع النساب من قريش أن ولد فهر بن مالك قريش، وأن من جاوز فهرا بنسبه فليس بقرشي قال: وقد ذكر هشام الكلبي أن النضر بن كنانة هو: قريش، وقال في موضع آخر: ولد مالك بن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 32 ] النضر
                                                                                                                                                                                                                              فهرا وهو جماع قريش.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وهذا هو المذكور في "جمهرته" و"جامعه" قال ابن عبد البر: وهو أصح الأقاويل في النسبة لا في المعنى الذي من أجله سميت قريش قريشا، والدليل على صحته أنه لا يعلم اليوم قرشي في شيء من كتب أهل النسب ينتسب إلى أب فوق فهر، دون لقاء فهر، فلذلك قال أهل هذا الشأن مصعب والزبير وغيرهما أن فهرا جماع قريش. وذكر أبو عبد الله العدوي أن جماع قريش كلها فهر والحارث ابنا مالك بن النضر. وعن الشعبي: النضر بن كنانة هو قريش، وهو قول ابن إسحاق وغيره كأنهم تمسكوا بحديث الأشعث بن قيس لما قال للنبي: ألستم منا؟ قال: "لا، نحن بنو النضر بن كنانة لا ننتفي من أبينا" ذكره الواقدي.

                                                                                                                                                                                                                              وعن أبي عبيدة قال: منتهى من وقع عليه اسم قريش النضر فولده قريش دون سائر بني كنانة، فأما من كان من ولد كنانة فلا يقال لهم قريش. وفي تسميتها بذلك أقوال:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها: لأنه كان يقرش عن خلة الناس وحاجتهم فيسدها بماله. والتقريش: التفتيش وكان بنوه يقرشون أهل الموسم عن الحاجة فيرفدونهم بما يبلغهم، فسموا بذلك من فعلهم، وقرشهم قريشا!

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها: لتجمعهم قال أبو عبيدة: سمي بنو النضر قريشا لتجمعهم; لأن التقرش هو التجمع.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 33 ] ثالثها: للتجارة يتقارشون يتجرون، وفيه نظر; لأن قريشا لم يجتمعوا حتى جمعهم قصي بن كلاب، ولم يجمع إلا ولد فهر. ولما سأل عبد الملك بن مروان محمد بن جبير بن مطعم عن ذلك، فأجابه بتجمعهم إلى الحرم بعد تفرقهم، فذلك الجمع التقرش، فقال عبد الملك: ما سمعت بهذا، ولكني سمعت قصيا كان يقال له: القرشي، ولم يسم أحد قرشيا قبله. وقيل: جاء النضر يوما إلى قومه في ثوب له فقالوا قد تقرش في ثوبه، وقيل: بل جاء إلى قومه فقالوا لما رأوه: كأنه جمل قريش. والقرش: الشديد.

                                                                                                                                                                                                                              وقال صاحب "النجم الثاقب" في فضائلهم عن ابن أبي الجهم: كان النضر يسمى القرشي. وقال أبو اليقظان: سموا بذلك لأنهم كانوا يتقرشون في البياعات، وقال الواقدي: لما جمع قصي قومه قيل له القرشي فهو أول من سمي بذلك. وقال محمد بن سلام: لما جمع قصي قبائل النضر وحارب بهم خزاعة، وغلب على الحرم سموا قريشا; لاجتماعهم. قال الفضل بن عباس:


                                                                                                                                                                                                                              نحن كنا خضارها من قريش وبنا سميت قريش قريشا



                                                                                                                                                                                                                              وفيه قول آخر: قال ابن الأنباري: التقريش هو التحريش، ورده الزجاجي في "مختصر الزاهر" وقال: إنه ليس بمعروف; لأن المعروف في اللغة أن الترقش بتقديم الراء على القاف هو التحريش لا التقريش، قلت: وفي "المحكم": أقرش به، وقرش: وشى وحرش.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 34 ] وفيه قول آخر: قال أبو عمر المطرز: قريش مأخوذ من القرش وهو رفع الأسنة على بعض; لأنهم أحذق الناس بالطعان.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه قول آخر: قال ابن عباس فيما أخرجه ابن أبي شيبة: سموا بدابة في البحر تسمى قريشا هي ملكة الدواب وسيدتها وأشدها، إذا وقفت وقفت، وإذا مشت مشت، فكذلك قريش سادات الناس، وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                              وقريش هي التي تسكن البحـ ـر به سميت قريش قريشا



                                                                                                                                                                                                                              وفيه قول آخر: قال القزاز في "جامعه": إنه من تقرش الرجل إذا تنزه عن رذائل الأمور. وقول آخر قال ابن سيده: القرشية: حنطة صلبة في الطحن خشنة الدقيق، فيحتمل أن تكون قريش منها لصلابتها وخشونتها وشدتها، أو من تقرش الشيء إذا أخذه أولا فأولا، وكذلك قريش يأخذون من ناوأهم بحسن تدبير ورفق، أو من أقرش الرجل إذا أخبره بعيوبه فكأنهم ينكرون المنكر ويعرفون المعروف.

                                                                                                                                                                                                                              قال سيبويه: ومما غلب على الحي قريش، وإن جعلت قريشا اسم قبيلة فعربي.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                              وجاءت من أباطحها قريش كسيل أتي بيشة حين سالا



                                                                                                                                                                                                                              قال ابن سيده: عندي أنه أراد قريش غير مصروف; لأنه عنى القبيلة، ألا تراه قال: جاءت، فأنث، ويجوز أن يكون أراد: وجاءت من أباطحها جماعة قريش، فأسند الفعل إلى الجماعة، فقريش على هذا مذكر اسم للحي، والنسب إليه قريشي على القياس، وقرشي نادر.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 35 ] فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              كانت لقريش في الجاهلية مكارم منها: السقاية، والعمارة، والرفادة، والعقاب، والحجابة، والندوة، واللواء، والمشورة، والأشناق، والقبة، والأعنة، والسفارة، والإيسار، والحكومة، والأموال المحجرة، وكانوا ينتمون إلى الله وجيرانه، وفيه يقول عبد المطلب بن هاشم.


                                                                                                                                                                                                                              نحن إلى الله في ذمته لم نزل فيها على عهد إبرهم
                                                                                                                                                                                                                              لم تزل لله فينا حرمة يدفع الله بها عنا النقم



                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              روى التاريخي بإسناده من حديث عبيدة، عن علي أنه قال: من كان سئل عن نسبنا فإنا نبط من أهل كوثى ربى، ومن حديث مجاهد عن ابن عباس أنه قال لقوم من تميم: أنتم نبط من أهل كوثى، إن أبا إبراهيم كان منها.

                                                                                                                                                                                                                              ومن حديث أبي العريان، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: إنا معاشر قريش حي من النبط من كوثى، وكوثى هذه مكة. وقال الكلبي: كوثى جد إبراهيم أبو أمه نوبا بنت كرنبا بن كوثى من بني أرفخشد وهو أول من جندب بهم كوثى. وعن قتادة قال: هاجر إبراهيم ولوط من كوثى إلى الشام، ومن كوثى إلى برتقبا ستة أميال، ومنها إلى القصر تسعة. يريد قصر ابن هبيرة.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              لما خرج البخاري الحديث الأول وهو حديث معاوية في الأحكام عن أبي اليمان، قال: تابعه نعيم عن ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري. ومتابعة نعيم هذه رواها نعيم بن حماد في كتاب "الفتن"،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 36 ] وفيه أيضا من حديثه عن أبي اليمان، عن جراح، عن أرطأة قال: بعد المهدي رجل من قحطان مثقوب الأذنين على سيرة المهدي، حياته عشرون سنة، ثم يموت قتيلا بالسلاح، ثم يخرج رجل من أهل بيت أحمد حسن السيرة يفتح مدينة قيصر، وهو آخر أمير من أمة أحمد، ويخرج في زمانه الدجال، وينزل في زمانه عيسى. وفي لفظ: أمير العصب يمان.

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ: على يدي ذلك الخليفة اليماني الذي تفتح القسطنطينية ورومية (على يديه) ويخرج الدجال في زمانه، وعلى يديه يكون غزو الهند.

                                                                                                                                                                                                                              وروى رشدين والوليد، عن ابن لهيعة، نا عبد الرحمن بن قيس بن جناب الصدفي، عن أبيه، عن جده مرفوعا: "يكون بعد المهدي القحطاني والذي بعثني بالحق ما هو دونه". وعن ابن عباس، وذكر الخلفاء ثم قال: ورجل من قحطان لا يرى مثلهم كلهم (صالح).

                                                                                                                                                                                                                              وعن عبد الله بن عمرو مثله، قال: ورجل من قحطان، منهم من لا يكون إلا يومين.

                                                                                                                                                                                                                              وعن كعب أن اليمن تجتمع لمبايعة رجل (منها) لقتال قرشي ظالم

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 37 ] ببيت المقدس فبينا هم يقولون: نبايع فلانا (ثم فلانا) إذ سمعوا صوتا ما قاله إنس ولا جان: بايعوا فلانا-باسمه لهم- فإذا هو رجل قد رضوا به وقنعت به الأنفس ليس من ذي ولا ذو، وفي ولايته تقتل قضاعة بحمص وحمير.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              أسلفنا أن قحطان أبو اليمن وهو يقطان بن عابر، ويقال: عيبر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، وهو أبو اليمن كلها وجذم نسبها وموئل حسبها ووالد العرب المتعربة إذ العرب ثلاث فرق: عاربة، ومتعربة، ومستعربة، فالأولى تسع قبائل من ولد إرم بن سام: عاد، وثمود، وأميم، وعسل، وطسم، وجديس، وعمليق، وجرهم، ووبار، والثانية بنو قحطان، والثالثة بنو إسماعيل. وزعمت العرب أن قحطان ولد يعرب، وإنما سميت العرب به، وأنه أول من تكلم بالعربية، ونزل أرض اليمن.

                                                                                                                                                                                                                              وزعم السهيلي أن اسم قحطان مهرم بن عابر، وقيل: هو ابن عبد الله أخو هود، وقيل: هو هود نفسه، فهو على هذا ابن إرم ابن سام. وكانوا أربعة إخوة: قحطان، وقاحط، ومقحط، وفالغ، قال: وقحطان أول من قيل له: أبيت اللعن، وأول من قيل له: عم صباحا.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 38 ] وقال ابن دحية: من قال إن قحطان من ولد هود فهو باطل، لقوله تعالى: وإلى عاد أخاهم هودا [هود: 50]، يعني: أخاهم في النسب، ثم قال: فهل ترى لهم من باقية [الحاقة: 8] وهود من عاد، ولا ترى باقية لعاد، وإنما ادعت اليمن هودا أبا حين وقعت العصبية وفخرت مضر بأبيها إسماعيل، فادعت اليمن عند ذلك هودا أبا ليكون لهم أب في الأنبياء.

                                                                                                                                                                                                                              وذكر عبد الدائم القيرواني في كتابه "حلى العلى" أن قحطان هو الهميسع بن تيمن بن نبت بن إسماعيل قال: كذا نسبه الكلبي، وسائر اليمن يأبون ذلك وينسبونه إلى عابر.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: الذي في "الجمهرة" و"الجامع" قحطان بن عابر فقط.

                                                                                                                                                                                                                              وفي "التيجان" لابن هشام كان قحطان خليفة أبيه هود ووصيه، وتوفي بمأرب، وأوصى إلى ابنه يعرب.

                                                                                                                                                                                                                              وفي "جامع" القزاز قال بعض النساب: قحطان بن أرفخشد بن سام بعد ذكر نسبه المذكور أولا، فقد يقال: تعلقوا بظاهر حديث البخاري الآتي بعد، والسابق في الجهاد: "ارموا بني إسماعيل" فإنهم من الأزد ثم من قحطان، ولا شك أن العرب قد اختلطت بالصهورية فالقحطانية أبناء لإسماعيل بالأمهات، والنزارية أبناء لقحطان بهن، كما نسب الله عيسى إلى آباء أمه فقال: ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته إلى أن قال: وعيسى [الأنعام: 84، 85] وكذلك العلويون لا يقال لأحدهم إلا يا ابن رسول الله، وقد قال تعالى: ما كان محمد أبا

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 39 ] أحد من رجالكم
                                                                                                                                                                                                                              [الأحزاب: 40] على أن ابن عدي روى حديثا ضعيفا مرفوعا: "العرب كلها من ولد إسماعيل إلا (...) ".

                                                                                                                                                                                                                              وفي "لطائف المعارف" لأبي يوسف: ما على الأرض عربي إلا وهو من ولد إسماعيل إلا الأوزاع وحضرموت وثقيف. وذكر أبو علي بن مسكويه في "تجارب الأمم" عن يونس النحوي: ما ارتكض قحطان في رحم قط ولا جرى له ذكر على لسان أحد إلا بعد أن قصدوا لذلك، وهو غريب.

                                                                                                                                                                                                                              واشتقاقه من قولهم: شيء قحيط أي: شديد، وقيل: أصله الذي تعرفه العامة الشدة، كأن الأرض اشتدت عليهم فلم تنبت، وكأن السماء اشتدت عليهم فلم تمطر.

                                                                                                                                                                                                                              قال صاحب "المحكم": والنسبة إليه قحطاني على القياس.

                                                                                                                                                                                                                              (وقال غيره) : القياس أقحاطي وكلاهما عربي فصيح.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثالث:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار موالي، ليس لهم مولى، دون الله ورسوله".

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث ذكره أيضا موقوفا قريبا في باب ذكر أسلم بعد أن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 40 ] ذكره مرفوعا بلفظ: "أسلم وغفار وشيء من مزينة وجهينة-أو قال: شيء من جهينة أو مزينة- خير عند الله-أو قال: يوم القيامة- من أسد وتميم وهوازن وغطفان". وهو مرفوع عند مسلم وفي لفظ أيضا عنده: "أسلم وغفار ومزينة ومن كان في جهينة-أو جهينة- خير من بني تميم وبني عامر والحليفين أسد وغطفان".

                                                                                                                                                                                                                              وللترمذي مصححا: "والذي نفسي بيده لغفار وأسلم ومزينة ومن كان من جهينة، أو قال: جهينة ومن كان من مزينة-خير عند الله يوم القيامة من أسد وطيء وغطفان"، وفي لفظ: "وخير من بني عامر بن صعصعة".

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قريش قد عرفتها، والأنصار يريد بهم الأوس والخزرج ابني حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة بن مازن، وهو جماع غسان بن الأزد، واسمه دراء بالمد والقصر وكسر الدال وقد يفتح، ودرء على وزن درع.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن سيده في "عويصه": هو مصروف من قولهم أزدي إلي دراء يدا، وكان معطاء فكان الرجل يلقى الرجل فيقول: أزدي إلى دراء يدا. فكثر استعمالهم إياه حتى جعلوه اسما، والأصل أسدي بالسين فقلبوها زايا لتطابق الدال في الجهر. وقال الوزير في "أدب الخواص": يقول النسابون: إنما سمي الأسد أسدا لكثرة إسدائه المعروف، وهذا اشتقاق لا يصح عند أهل النظر.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 41 ] والصحيح في اشتقاقه ما أخبرني به أبو أسامة عن رجاله قالوا: العسد، والأزد، والأسد هذه الثلاث معناها القتل، قال: والأزد يكون أيضا بمعنى العزد وهو النكاح.

                                                                                                                                                                                                                              وروينا في "الحلية" من حديث عبد السلام بن شعيب، عن أبيه، عن أنس مرفوعا: "الأزد أسد الله في الأرض، يريد الناس أن يضعوهم ويأبى الله إلا أن يرفعهم، وليأتين على الناس زمان يقول الرجل: يا ليتني كان أبي أزديا، يا ليتني كانت أمي أزدية" هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، قال الترمذي: ووقفه أصح.

                                                                                                                                                                                                                              وقد يجيء في بعض الأنساب فلان الأزدي من أزد شنوءة، فلان الأزدي من أزد الحجرة، وفلان الأزدي من الأزد بن عمران بن عمرو، فيظن من لم يتبحر في علم النسب أن هؤلاء غير الأول؛ لاختلاف العرف في كل اسم من هذه الأسماء الثلاثة وليس كذلك.

                                                                                                                                                                                                                              وقد وهم فيه غير واحد من أئمة الحديث منهم السمعاني، والصواب أن الكل يرجع إلى المسمى بدراء بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وبعضهم يقول: مالك بن أدد بن زيد.

                                                                                                                                                                                                                              وفي الرشاطي عن يعقوب وأبي عبيد: بالسين أفصح من الزاي. وذكر ابن أبي خيثمة عن وهب بن جرير أنه قل ما ذكر الأزد إلا قال: الأسد بالسين، وكان فصيحا. وقال يحيى بن معين: هما سواء وهي

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 42 ] جرثومة من جراثيم قحطان، وبابهم واسع، وفيهم قبائل وعمائر وبطون وأفخاذ كخزاعة وغسان وبارق والعتيك وغامد وشبهها. وأما الأزد بفتح العين ويقال: بفتح الألف وكسر الزاي فبطن في همدان ليسوا من هؤلاء، قال الوزير: منهم أبو روق صاحب التفسير.

                                                                                                                                                                                                                              وعند الترمذي من حديث عامر بن أبي عامر الأشعري عن أبيه مرفوعا: "نعم الحي الأسد والأشعريون لا يفرون في القتال ولا يغلون، هم مني وأنا منهم" قال: فحدثت بذلك معاوية فقال: ليس كذا قال رسول الله، إنما قال: "هم مني وإلي" فقلت: ليس هكذا حدثني أبي، ولكنه حدثني، قال: سمعت رسول الله: "هم مني وأنا منهم" قال: فأنت أعلم بحديث أبيك، ثم قال: حديث غريب.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وجهينة ذكر ابن دريد أن الجهن: الغلظ في الوجه والجسم، وبه سمي جهينة.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو جعفر: قرأت على العباس بن المحتاج في كتاب علي بن قطرب: أما جهينة فإنا سمعنا جارية جهناة شابة. من ذلك كأنه تصغير جهانة مرخما.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الأزهري في "تهذيبه" عن أحمد بن يحيى: جهينة تصغير جهنة، وهي مثل جهمة من الليل، أبدلت الميم نونا، وهي القطعة من سواد نصف الليل.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 43 ] وفي "نوادر" أبي علي الهجري: جهن الشيء يجهن جهونا: إذا قرب من موت وغير ذلك، والجمع أجهان، والجهن الرزية في البحر غير متصلة بالبر مقدار غلوة، وإذا اتصلت الرزية إلى البر فهي شعب بفتح الشين مثل القبيلة، وهو: ابن زيد بن ليث بن سود-بضم السين المهملة وسكون الواو ثم دال مهملة- ابن أسلم بضم اللام.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حبيب: هذا، وأسلم ابن القياتة بن غافوت الشاهد بن عك، وأسلم بن تدول بن تيم اللات بن رفيدة، هذه الثلاثة مضمومة اللام، وكل ما عداها فهو أسلم بفتح اللام. وأخطأ أبو علي القالي حيث قال: كل ما في العرب أسلم فهو بالفتح إلا أسلم بن الحاف بن قضاعة.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وبالضم أيضا عبد الله بن سلمة بن أسلم بن عمر، قلت: وأسلم بن الحاف ويقال: الحافي بن قضاعة، واسمه عمرو بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ، وقيل: قضاعة بن مالك بن عمرو بن زيد، وقيل: ابن مالك بن مرة بن عمرو بن زيد بن مرة بن مالك. وقيل: عمرو بن مالك بن ربيعة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ.

                                                                                                                                                                                                                              وأما قول أبي عبيد البكري في كتابه "فصل المقال في شرح الأمثال": أهل العلم بالنسب مجمعون على أن معد بن عدنان ولد من المعصبين قضاعة، وقنصا، ونزارا، وإيادا.

                                                                                                                                                                                                                              وقال في كتابه "معجم ما استعجم": قضاعة اسمه عمرو بن معد بن عدنان. فغير جيد، وقد قال- صلى الله عليه وسلم-: "قضاعة هو ابن مالك بن حمير" وقاله علماء النسب كذلك.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 44 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              ومزينة ينتسب إليها خلق من الصحابة، وأتباعهم وهي بنت كلب بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة. وقيل: هي ابنة الحارث بن طابخة. وعلى الأول النسابون وهي أم عثمان وأوس بن عمرو بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وأولادهما ينسبون إلى مزينة، وهي تصغير مزنة، وهي السحابة البيضاء كما قاله ابن دريد، والجمع مزن.

                                                                                                                                                                                                                              وذكر أبو حاتم عن أبي زيد أن العرب تقول: فلان يتمزن على قومه، أي: يتفضل عليهم.

                                                                                                                                                                                                                              وفي "المحكم" مزنه مزنا: مدحه، وابن مزنة: الهلال.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وأسلم في خزاعة وهو ابن أفصى-وهو خزاعة- بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد.

                                                                                                                                                                                                                              وفي مذحج أسلم بن أواس الله بن سعد العشيرة بن مذحج، وفي بجيلة أسلم بن عمرو بن لؤي بن رهم بن معاوية بن أسلم بن أحمس بن الغوث، فالله أعلم من أراد رسوله بقوله.

                                                                                                                                                                                                                              ولابن أبي شيبة عن خفاف قال: صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما رفع رأسه من الركعة الأخيرة قال: "أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها" ثم

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 45 ] أقبل فقال: "إني لست أنا أقول هذا، ولكن الله قاله".

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وأشجع هو: ريث بن غطفان بن سعد بن قيس غيلان بن مضر، وهو من الشجع وهو الطول، يقال: رجل أشجع وامرأة شجعاء، والأشجع: العقد الثاني من الأصابع، والجمع أشاجع، والأشجع من الرجال الذي كأن به جنونا من جرأته. ومن قال: الأشجع الممسوس فقد أخطأ، واللبؤة الشجعاء هي الجريئة والجسور، ذكره ثابت في "دلائله".

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وغفار من غفر إذا ستر، كما قال ابن دريد، وهو ابن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وأما الحكم بن عمرو الغفاري الصحابي فهو من ولد نعيلة بن مليل أخي غفار ينسب إلى أخي جده، وكثيرا ما تصنع العرب ذلك إذا كان أشهر من جده. وفي كتاب الكلبي وولد العتر بن معاذ بن عمرو بن الحارث بن معاوية بن بكر بن هوازن الغفار أهل بيت بمصر، وغفار غير مصروف; لاجتماع التعريف والتأنيث.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              هذه القبائل كانوا في الجاهلية خاملين لم يكونوا كبني تميم وعامر وأسد وغطفان، ألا ترى قول الأقرع بن حابس الآتي لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-: إنما بايعك سراق الحجيج من أسلم وغفار ومزينة. فلما سبقت هذه القبائل أولئك بالإسلام وحسن بلاؤهم فيه شرفوا بذلك وفضلهم الله

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 46 ] على غيرهم من سادات العرب ممن تأخر إسلامه كما شرف بلالا وعمارا وشبههما على صناديد قريش، وكأن هذا التفضيل كان جوابا لمن احتقر هذه القبائل مطلقا.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وقوله ("موالي") نقل ابن التين عن الشيخ أبي الحسن أنه قال: (موالي) بتخفيف الياء وروي بتشديدها كأنه أضافهم إليه، وتحقيق القول فيهم إما أن يكتب موال بغير ياء، أو يضيفهم إلى نفسه فشدد الياء، وأما ياء مخففة، فلعله على نية الوقف، قال الداودي: أراد من أسر منهم لم يجر عليه رق، ولا ولاء.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: قال لهم موالي; لأنهم ممن بادر الإسلام ولم يسبوا فيرقوا كغيرهم من قبائل العرب، وقال يونس: هم أولياء الله مثل: وأن الكافرين لا مولى لهم [محمد: 11] قال: والموالي العصبة، ومنه قول زكريا: وإني خفت الموالي من ورائي [مريم: 5] والمولى الناصر وغير ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              البخاري روى هذا الحديث فقال: أبو نعيم، ثنا سفيان، عن سعد، قال أبو عبد الله: وقاله يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي، عن أبيه حدثني عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة- رضي الله عنه-.

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو مسعود: كذا أخرجه البخاري وحمل حديث يعقوب، عن أبيه، عن صالح بن كيسان على متن حديث الثوري عن سعد، ورواية يعقوب تخالف رواية سفيان بن سعيد في المتن والإسناد; لأن الثوري يرويه عن سعد، عن الأعرج; كما ذكره البخاري عنه في باب: (ذكر)

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 47 ] أسلم مفصولا. ويعقوب إنما يرويه عن أبيه، عن صالح، عن الأعرج باللفظ الذي ذكره من طريقه، ولا يرويه عن أبيه إبراهيم، عن أبيه سعد، عن الأعرج كما ذكره البخاري عقب حديث الثوري. قلت: لكن جد يعقوب معروف (بالرواية) عن [صالح] والأعرج، فيجوز أن يكون رواه عن هذا تارة كما ذكره البخاري، وعن هذا أخرى كما رواه مسلم.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الرابع:

                                                                                                                                                                                                                              حديث جبير بن مطعم: قال مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أعطيت بني المطلب وتركتنا، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة. فقال- عليه السلام-: "إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد". وسلف في الخمس واضحا.

                                                                                                                                                                                                                              قال البخاري: وقال الليث: حدثني أبو الأسود محمد، عن عروة بن الزبير قال: ذهب عبد الله بن الزبير مع أناس من بني زهرة إلى عائشة، وكانت أرق شيء عليهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكره إثره أطول منه متصلا، حدثنا عبد الله بن يوسف، نا الليث، فذكره وفيه: أن عبد الله بن الزبير قال: ينبغي أن يؤخذ على يدي عائشة، وأنها قالت: علي نذر إن كلمته. ورواه أبو نعيم، عن أبي أحمد، عن قتيبة بن سعيد، ثنا الليث

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 48 ] فذكره. ورواه البخاري في الأدب أيضا عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، حدثني عوف بن مالك بن الطفيل- وهو ابن أخي عائشة لأمها- عن عائشة أنها حدثت أن ابن الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة: والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها، فلما بلغها قالت: علي نذر إن كلمته.. الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              بنو زهرة تقرب من النبي- صلى الله عليه وسلم- من جهتين، هم أخواله وهم (من) قريش، والزهريون هم بنو زهرة، واسمه المغيرة بن كلاب بن مرة، فيما ذكره الكلبي. وقال: كان يقال: صريحا قريش ابنا كلاب. ووقع في "الصحاح" و"معارف ابن قتيبة" أن زهرة امرأة ينسب إليها ولدها دون الأب، وهو غريب.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن دريد: وزهرة فعلة من الزهر وهو الأرض وما أشبهه، ويكون من الشيء الزاهر وهو المضيء، من قولهم: أزهر النهار إذا أضاء.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي: وإنما ذكر ها هنا قول عثمان وجبير لذكر قرابتهم من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وذكر أن هاشما والمطلب وعبد شمس جد عثمان كانوا إخوة أبوهم عبد مناف.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("شيء واحد") كذا في الرواية: وذكره ابن التين بحذف

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 49 ] الواو، وقال: كذا في أكثر الروايات قال: وقيل ما يستعمل (أحد) إلا في النفي تقول: ما جاءني أحد، وتقول في الإثبات: قد جاءني واحد.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن الفيء لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يضعه حيث شاء.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وقول عائشة- رضي الله عنها-: (وددت أني جعلت حين حلفت عملا أعمله فأفرغ منه) تريد أن النذر المبهم يحتمل أن ينطلق على أكثر مما فعلت; لأنها نذرت إن كلمت ابن الزبير فاقتحم عليها الحجاب وأرسل إليها بعشر رقاب فأعتقتهم ثم لم تزل تعتقهم حتى بلغت أربعين ثم قالت: (وددت..) إلى آخره، فلو كان شيئا معلوما كانت متيقنة بأنها أدته وبرئت ذمتها.

                                                                                                                                                                                                                              ومشهور مذهب مالك أن النذر المجهول ينعقد وتلزمه به كفارة يمين. وقال الشافعي مرة: يلزمه أقل ما يقع عليه الاسم، وقال مرة: لا ينعقد. وقد صح في مسلم: "كفارة النذر كفارة اليمين" وروي: "من نذر نذرا ولم يسمه فعليه كفارة يمين" ولعله لم يبلغها.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              كيف استجازت عائشة- رضي الله عنها- هذا مع منع الشارع الهجران فوق ثلاث؟ ولعلها تأولت إن بلغها.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية