الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1058 [ 848 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن طاوس; أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[قال] " "لا يحل لواهب أن يرجع فيما وهب إلا الوالد من ولده" . .

التالي السابق


الشرح

محمد: هو ابن النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري، سكن دمشق. سمع: أباه، وروى عنه: الزهري .

[ ص: 106 ] وأبوه: النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس بن زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصاري أبو عبد الله، كان يلي الكوفة.

سمع: النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى عنه: الشعبي، وأبو إسحاق السبيعي، وسالم بن أبي الجعد، وسماك .

وحديث النعمان صحيح رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك، ومسلم عن يحيى بن يحيى عنه، ورواه عن النعمان: عروة بن الزبير والشعبي.

وفي رواية حصين عن الشعبي عن النعمان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" قال: فرجع فرد عطيته.

وفي رواية داود بن أبي هند عن الشعبي: "فأشهد على هذا غيري" ثم قال: "أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ قال: بلى. قال: فلا إذا" .

وفي رواية أبي حيان عن الشعبي قال: "فلا تشهدني إذا; فإني لا أشهد على جور ".

وبين أبو العباس أنه لم قال: أبنا سفيان أو مالك بالشك، والمشهور في الحديث رواية الشافعي عن مالك وكذلك هو في كتاب "اختلاف الحديث" وغيره.

[ ص: 107 ] وحديث طاوس مرسل، لكن أخرجه أبو داود بإسناده عن طاوس عن ابن عمر وابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقصة نحلة النعمان رواها أيضا أبو الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وقوله: "نحلت" أي: أعطيت، يقال: نحلته أنحله نحلا، ومن القول نحلا بالفتح، والنحل: العطية بغير عوض، ويروى أنه - صلى الله عليه وسلم - قال له: "هل لك معه ولد"؟ قال: نعم. قال: "فهل أبنت كل واحد منهم مثل الذي أبنت هذا؟ قال: لا" . أي: هل أعطيت كل واحد منهم مالا تبينه به، والاسم البائنة، يقال: طلب فلان إلى أبيه البائنة إذا طلب إليه مالا يفرده به، وأبانه أبواه حتى بان يبين بيونا، ويقال: إن البائنة لا تكون إلا من الوالدين أو أحدهما.

والقصة تدل على استحباب التسوية بين الأولاد إذا كانوا ذكورا أو إناثا في النحل وأنواع الإكرام، والمعنى فيه أن التفضيل قد يؤثر في نفس المفضول فيمنعه من البر ويفسد ما بينه وبين سائر الأولاد، وفي الذكر والأنثى وجهان:

أحدهما: أنه لا بأس بأن يجعل العطية بينهما على قضية الميراث.

وأظهرها: أنه يسوي أيضا، ويدل عليه قوله: "أيسرك أن يكونوا في البر سواء "فإنه لم يفرق بين الذكر والأنثى.

[ ص: 108 ] ويدل على أنه إذا فضل بعضهم على بعض تقذف الهبة وإن عدل عن المأمور خلافا لسفيان الثوري وداود; لأنه قال: "فارجعه" ولو لم ينفذ تصرفه وبقي المال على ملكه لما احتاج إلى أن يرجع، وأيضا فقد قال: "أشهد على هذا غيري" ولو كان لغوا لما أمر بالإشهاد عليه، وتسميته جورا لما فيه من الميل والعدول عن الأفضل والأحسن، وتدل أيضا على أن للأب أن يرجع فيما وهب من ولده، والأولى أن لا يفعل ذلك إلا لغرض صحيح ويدل عليه حديث طاوس.

وفيه دليل على أن الأجنبي لا يرجع فيما وهب من الأجنبي، وقد روي عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "العائد في هبته كالعائد في قيئه . والعود في القيء حرام، وفرق بين الأب والأجنبي بأن يد الولد كيد الوالد; ألا ترى أنه لا حد بوطء جاريته، ولا يقطع بسرقة ماله; فكان الوالد في الهبة من الولد في معنى من وهب ولم يقبض.




الخدمات العلمية