الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
618 [ 383 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان بن عيينة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة حتى كان بكراع الغميم وهو صائم، ثم رفع إناء فوضعه على يده وهو على الرحل فحبس من بين يديه وأدركه من وراءه، ثم شرب والناس ينظرون.

[ ص: 81 ]

التالي السابق


[ ص: 81 ] الشرح

هذا حديث صحيح أخرجه مسلم والترمذي عن قتيبة عن عبد العزيز الدراوردي واللفظ: حتى بلغ كراع الغميم فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام.

فقال: أولئك العصاة أولئك العصاة.


وكراع الغميم: الغين منه مفتوحة والميم مكسورة، وقد تضم الغين وتفتح الميم، وذكر أنه واد أمام عسفان، والكراع مضاف إليه وهو جبل أسود بطرف الحرة، وكراع كل شيء طرفه ومنه أكارع الدابة.

وفيه أنه - صلى الله عليه وسلم - صام في السفر أياما ثم أفطر، فدل على جواز الصوم والإفطار، وسيأتي في الصيام حديث حمزة بن عمرو الأسلمي أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصيام في السفر فقال: إن شئت فصم وإن شئت فأفطر، وعن أبي سعيد الخدري قال: كنا نسافر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان فما يعاب على الصائم صومه ولا على المفطر إفطاره وعنه أيضا قال: كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر، فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ومن وجد ضعفا فأفطر فإن ذلك حسن.

[ ص: 82 ] وفيه أنه يجوز للمسافر لو أتم الصوم المشروع فيه كان مؤديا للفرض، والمتطوع لو أتم ما شرع كان مؤديا للنفل فإذا جاز الخروج هناك فأولى أن يجوز ها هنا، وروي عن ابن عباس أنه خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر ، وفي رواية أخرى حتى بلغ عسفان ، والروايتان في الصحيح.

وقد يبحث عن الحال فيهما، وفي رواية "الكتاب" حيث قال: حتى بلغ كراع الغميم.

اعلم أنه قد قيل: إن الكديد على اثنين وأربعين ميلا من مكة، وذكر البخاري في الصحيح أنه ماء بين عسفان وقديد، وقد قدمنا أن عسفان على ستة وثلاثين من مكة، وهذه المسافات متقاربة وربما انتهوا في اليوم الواحد إلى هذه البقاع جميعا فكل من الرواة ذكر بقعة، ثم عن الزهري أن الفطر كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره ويرونه الناسخ، وقد يؤيد هذا ما روي أنه لما قيل له: إن بعض الناس قد صام.

فقال: "أولئك العصاة" لكن المنع والتعصية كانا مخصوصين بتلك الحالة، يبينه ما في الصحيح عن أبي سعيد الخدري قال: سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة ونحن صيام فنزلنا منزلا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فكانت رخصة [ ص: 83 ] فمنا من صام ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلا فقال: "إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا" وكانت عزمة فأفطرنا، ثم لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك في السفر .

وقوله: وفي حديثهما أو حديث أحدهما: وذلك بعد العصر وقع من الروايتين وحقه أن يكون بعدهما; لأنه لا اختلاف ولا تعدد إلا في الدراوردي وسفيان ولا معنى لقوله: في حديثهما أو في حديث أحدهما ما لم يذكر حديثهما، ثم الكلمة من رواية الدراوردي قد نقلناها عن الصحيح.




الخدمات العلمية