الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6623 6624 6625 6626 ص: وقد حدثنا يونس ، قال: أنا ابن وهب ، قال: أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال: حدثني عطاء بن أبي رباح ، أن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: إن رسول الله -عليه السلام- قال: " من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا -أو ليعتزل مسجدنا- فيقعد في بيته، وإنه أتي بقدر -أو ببدر- طبق فيه خضرات من بقول فوجد لها ريحا، فسأل عنها، فأخبر بما فيها من البقول، فقال: قربوها إلى بعض أصحابه كان معه، فلما رآه كره أكله، قال: كل، فإني أناجي من لا تناجي". .

                                                حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب ، قال: أنا ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر أن رسول الله -عليه السلام- قال: " من أكل الكراث فلا يغشانا في مساجدنا حتى يذهب ريحها؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان". .

                                                حدثنا عبد العزيز بن معاوية العتابي ، قال: ثنا عبد الله بن رجاء (ح).

                                                وحدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا شبابة بن سوار، قالا: أنا إسرائيل ، عن مسلم الأعور ، عن حبة ، عن علي - رضي الله عنه - قال: " أمرنا رسول الله -عليه السلام- أن نأكل الثوم، وقال: لولا أن الملك ينزل علي لأكلته". .

                                                [ ص: 233 ] فقد دل ما ذكرنا على إباحة أكلها مطبوخا كان أو غير مطبوخ لمن قعد في بيته، وكراهة حضور المسجد وريحه موجود؛ لئلا يؤذي بذلك من يحضره من الملائكة وبني آدم.

                                                فبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، -رحمهم الله-.

                                                التالي السابق


                                                ش: أخرج حديث جابر وعلي - رضي الله عنهما - شاهدا لما قاله من أن أكل الثوم قبل الطبخ أيضا مباح كما هو مباح بعده.

                                                وأخرج حديث جابر من طريقين صحيحين رجالهما رجال الصحيح:

                                                الأول: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن يونس بن يزيد الأيلي ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عطاء بن أبي رباح المكي ، عن جابر - رضي الله عنه - .

                                                أخرجه مسلم: عن أبي الطاهر وحرملة، كلاهما عن ابن وهب ... . إلى آخره نحوه.

                                                الثاني: عن يونس أيضا، عن عبد الله بن وهب عن عبد الملك بن جريج عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي عن جابر .

                                                وأخرجه مسلم: من حديث ابن جريج ، عن عطاء ، عن جابر ، عن النبي -عليه السلام- قال: "من أكل من هذه البقلة -الثوم- وقال مرة: من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم".

                                                وفي لفظ له: "من أكل من هذه الشجرة -يريد الثوم- فلا يغشينا في مسجدنا" ولم يذكر البصل والكراث.

                                                قوله: "أو ببدر" شك من الراوي.

                                                [ ص: 234 ] قال القاضي عياض: قالوا: ولعل قولهم "قدر" تصحيف من الرواة، وذلك أن في كتاب أبي داود: "أنه -عليه السلام- أتي ببدر"، والبدر هاهنا الطبق، شبه بذلك لاستدارته كاستدارة البدر.

                                                ثم قال: والصواب: "ببدر" أي طبق، وكذا ذكره البخاري عن أحمد بن صالح ، عن ابن وهب في هذا الحديث، وقال: "أتي ببدر" وقال ابن وهب: يعني طبقا، وذكر ابن عفير. رواه عنه "بقدر".

                                                قلت: الصواب ما قاله القاضي أنه "ببدر" لأن في نسخة القدر قالوا: ظاهر هذا أن الكراهة باقية مع الطبخ، وهذا خلاف للحديث الذي فيه: "فمن أكلهما فليمتهما طبخا" فإذا كانت النسخة "بدرا" لم يكن هذا مناقضا لحديث الطبخ؛ لأنه يحتمل حينئذ أن يكون كانت نيئة؛ فافهم.

                                                قوله: "طبق" بالجر، عطف بيان، من قوله: "ببدر"، وهو ليس بموجود في غالب النسخ، والصواب تركه.

                                                قوله: "خضرات" بفتح الخاء وكسر الضاد، جمع خضرة.

                                                وأخرج حديث علي - رضي الله عنه - أيضا من طريقين:

                                                الأول: عن عبد العزيز بن معاوية بن عبد العزيز العتابي البصري ، عن عبد الله بن رجاء بن عمر الغداني شيخ البخاري ، عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، عن مسلم بن كيسان الضبي الملائي البراد الكوفي الأعور، فيه مقال، فعن يحيى: لا شيء. وعن أبي زرعة: ضعيف الحديث. وعن النسائي: متروك. وهو يروي عن حبة -بالحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة- بن جوين البجلي الكوفي، قال الطبراني: يقال: إنه رأى رسول الله -عليه السلام-، وفي "الميزان": حبة العرني الكوفي ، عن علي، من غلاة الشيعة، وهو الذي حدث أن عليا - رضي الله عنه - كان معه بصفين ثمانون بدريا، وهذا غال، وقال العجلي: تابعي ثقة.

                                                [ ص: 235 ] الثاني: عن علي بن حسين بن نصر بن المعارك ، عن شبابة بن سوار الفزاري ، عن إسرائيل ... . إلى آخره.

                                                وأخرجه البزار في "مسنده": نا عبد الله بن سعيد، قال: نا عقبة بن خالد ، عن إسرائيل ، عن مسلم ، عن حبة -يعني ابن جوين العرني- عن علي (ح).

                                                ثنا محمد بن عمر، نا عبد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن مسلم ، عن حبة ، عن علي - رضي الله عنه - قال: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأكل الثوم، وقال: لولا أن الملك ينزل علي لأكلته". وهو حديث لا نعلم رواه عن النبي -عليه السلام- إلا علي بهذا الإسناد.

                                                قوله: "لا يغشينا" أي لا يقربنا.

                                                وقوله: "أمرنا أن نأكل الثوم" الأمر به أمر إباحة. فافهم.




                                                الخدمات العلمية