الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        5818 - حدثنا يونس قال : ثنا علي بن معبد قال : ثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم بن مالك عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني أعطيت أمي حديقة وإنها ماتت ولم تترك وارثا غيري . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وجبت صدقتك ورجعت إليك حديقتك .

                                                        قال أبو جعفر : أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أباح للمتصدق صدقته لما رجعت إليه بالميراث ومنع عمر بن الخطاب رضي الله عنه من ابتياع صدقته .

                                                        فثبت بهذين الحديثين إباحة الصدقة الراجعة إلى المتصدق بفعل الله كراهة الصدقة الراجعة إليه بفعل نفسه . فكذلك وجوب النفقة للأب من مال الابن لحاجته وفقره وجبت له بإيجاب الله تعالى إياها له . فأباح له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ارتجاع هبته وإنفاقها على نفسه وجعل ذلك كما رجع إليه بالميراث لا كما رجع إليه بالابتياع والارتجاع .

                                                        فإن قال قائل : فقد خص النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الوالد الواهب دون سائر الواهبين . أفيكون حكم الولد فيما وهب لأبيه خلاف حكم الوالد فيما وهب لولده ؟ قيل له : بل حكمهما في هذا سواء ، فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما على المعنى الذي ذكرنا يجزئ من ذكره إياهما ومن ذكر غيرهما ممن حكمه في هذا مثل حكمهما .

                                                        وقد قال الله عز وجل : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت . فحرم هؤلاء جميعا بالأنساب . ثم قال : وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ولم يذكر في التحريم بالرضاعة غير هاتين .

                                                        [ ص: 81 ] فكان ذكره ذلك دليلا على أن سائر من حرم بالنسب في حكم الرضاع سواء وأغناه ذكر هاتين بالتحريم بالرضاع عن ذكر من سواهما في ذلك إذ كان قد جمع بينهن جميعا في التحريم بالأنساب ، فجعل حكمهن حكما واحدا . فدل تحريمه بعضهن أيضا بالرضاع أن حكمهن في ذلك حكم واحد . فكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال : لا يحل لأحد أن يرجع في هبته ، فعم بذلك الناس جميعا . ثم قال : إلا الوالد لولده على المعنى الذي ذكرنا - دل ذلك على أن من سوى الوالد من الواهبين في رجوع الهبات إليهم يرد الله عز وجل إياها كذلك وأغناه ذكر بعضهم عن ذكر سائرهم . فلم يكن في شيء من هذه الآثار ما يدلنا على أن للواهب أن يرجع في هبته بنقضه إياها حتى يأخذها من الموهوب له ويردها إلى ملكه المتقدم الذي أخرجها منه بالهبة .

                                                        فنظرنا ، هل نجد فيما روي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئا .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية