الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم ليس أحد منكم بمنجيه عمله ولكن سددوا وقاربوا : قالوا ولا أنت يا رسول الله ؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة وفضل .

                                                            التالي السابق


                                                            الحديث الخامس وعنه قال قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم ليس أحدكم بمنجيه عمله ولكن سددوا وقاربوا قالوا ولا أنت يا رسول الله ؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته وفضله (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) اتفق عليه الشيخان من طريق أبي عبيد مولى ابن أزهر وأخرجه البخاري من طريق سعيد المقبري وأخرجه مسلم من طريق بسر بن سعيد ومحمد بن سيرين وأبي صالح كلهم عن أبي هريرة .

                                                            (الثانية) فيه حجة لمذهب أهل السنة أن الله تعالى لا يجب عليه شيء من الأشياء لا ثواب ولا غيره بل العالم ملكه والدنيا والآخرة في سلطانه يفعل فيهما ما يشاء فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين وأدخلهم النار كان عدلا منه وإذا أكرمهم ونعمهم وأدخلهم الجنة فهو بفضل منه ولو نعم الكافرين وأدخلهم الجنة كان له ذلك لكنه أخبر وخبره صدق أنه لا يفعل هذا بل يغفر للمؤمنين ويدخلهم الجنة برحمته ويعذب الكافرين ويدخلهم النار عدلا منه فمن نجا ودخل الجنة فليس بعمله لأنه لا يستحق على الله تعالى بعلمه شيئا وإنما هو برحمة الله وفضله وذهبت المعتزلة إلى إيجاب ثواب الأعمال على الله تعالى وحكموا العقل وأوجبوا مراعاة الأصلح [ ص: 241 ] ولهم في ذلك خبط عريض تعالى الله عن اختراعاتهم الباطلة المنابذة لنصوص الشرع .

                                                            (الثالثة) (فإن قلت) كيف الجمع بين هذا وبين قوله تعالى ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون وقوله تعالى وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ونحوهما من الآيات الظاهرة في دخول الجنة بالأعمال الصالحة (قلت) معنى الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال ، ثم التوفيق للأعمال والهداية للإخلاص فيها وقبولها برحمة الله وفضله فيصح أنه لم يدخل بمجرد العمل ، وهو المراد في هذا الحديث وغيره ويصح أنه دخل بالأعمال أي بسببها وهي من الرحمة والله أعلم .

                                                            (الرابعة) قوله بمنجيه يجوز فيه إسكان النون وتخفيف الجيم وفتح النون وتشديد الجيم يقال نجاه وأنجاه يتعدى بالهمز والتضعيف .

                                                            (الخامسة) قوله سددوا هو بالسين المهملة أي اطلبوا السداد ، وهو الصواب وذلك بين الإفراط والتفريط لا غلو ولا تقصير وقولهوقاربوا أي إن عجزتم عن السداد فقاربوه أي اقربوا منه ، وهو مثل قوله في حديث آخر استقيموا ولن تحصوا أي وجوه الاستقامة فغاية الأمر أن تقدروا على مقاربة الاستقامة وهذا الذي ذكرته في معنى قوله وقاربوا هو الذي ذكره النووي وقال أبو العباس القرطبي سددوا في الأعمال أي اعملوها مسددة لا غلو فيها ولا تقصير وقاربوا في أزمانها بحيث لا يكون فيها قصير ولا طويل انتهى .

                                                            ومقتضاه مساواة قوله وقاربوا لقوله وسددوا في المعنى وعبارة القاضي عياض بعد تفسير السداد بما تقدم ، وهو معنى قاربوا أي اقربوا من الصواب والسداد ولا تغلوا فدين الله سمحة حنيفية انتهى .

                                                            وصدر كلامه يوافق كلام القرطبي وآخره يوافق كلام النووي والله أعلم .

                                                            (السادسة) قوله ولا أنت قال أبو العباس القرطبي كأنه وقع لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لعظم معرفته بالله وكثرة عباداته أنه ينجيه عمله فرد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وسوى بينه وبينهم في ذلك المعنى وأخبر أنه عن فضله ورحمته لا يستغني .

                                                            (السابعة) قوله إلا أن يتغمدني الله برحمته أي يلبسنيها ويغمرني فيها ومنه غمدت السيف وأغمدته إذا جعلته في غمده وسترته به .




                                                            الخدمات العلمية