الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل قال إذا تلقاني عبدي بشبر تلقيته بذراع وإذا تلقاني بذراع : تلقيته بباع وإذا تلقاني بباع أتيته بأسرع لم يذكر البخاري (وإذا تلقاني الثالثة) وذكر في موضع وإن أتاني يمشي أتيته هرولة .

                                                            التالي السابق


                                                            الحديث الثالث وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل قال : إذا تلقاني عبدي بشبر تلقيته بذراع وإذا تلقاني بذراع تلقيته بباع وإذا تلقاني بباع أتيته بأسرع (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) قال الخطابي هذا مثل ومعناه حسن القبول ومضاعفة الثواب على قدر العمل الذي يتقرب به العبد إلى ربه حتى يكون ذلك ممثلا بفعل من أقبل نحو صاحبه قدر شبر فاستقبله صاحبه ذراعا وكمن مشى إليه فهرول إليه صاحبه قبولا له وزيادة في إكرامه ، وقد يكون معناه التوفيق له والتيسير للعمل الذي يقربه منه وقال القاضي عياض قيل يجوز أن يكون معنى من تقرب إلي شبرا أي بالقصد والنية قربته توفيقا وتيسيرا ذراعا ، وإن تقرب إلي بالعزم والاجتهاد ذراعا قربته بالهداية والرعاية باعا ، وإن أتاني معرضا عمن سواي مقبلا إلي أدنيته وحلت بينه وبين كل قاطع وسبقت به كل صانع ، وهو معنى الهرولة وقال النووي هذا من أحاديث الصفات ويستحيل إرادة ظاهره ومعناه من تقرب إلي بطاعتي تقربت إليه برحمتي والتوفيق والإعانة ، وإن زاد زدت ، وإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيته هرولة أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها ، ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود ، والمراد أن جزاءه يكون تضعيفه على حسب تقربه .

                                                            (الثانية) قال أبو العباس القرطبي فإن قيل مقتضى [ ص: 236 ] ظاهر هذا الخطاب أن من عمل حسنة جوزي بمثلها فإن الذراع شبران والباع ذراعان ، وفي الكتاب والسنة أن أقل ما يجازى على الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لا تحصى فكيف بوجه الجمع (قلت) هذا الحديث ما سيق لبيان مقدار الأجور وعدد تضاعيفها وإنما سيق لتحقيق أن الله لا يضيع عمل عامل قليلا كان ، أو كثيرا وأن الله تعالى يسرع إلى قبوله وإلى مضاعفة الثواب عليه إسراع من جيء إليه بشيء فبادر لأخذه وتبشبش له بشبشة من سر به ووقع منه الموقع ألا ترى قوله ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ، وفي لفظ آخر أسرعت إليه ولا تتقدر الهرولة والإسراع بضعفي المشي .

                                                            وأما عدد الأضعاف فيؤخذ من موضع آخر لا من هذا الحديث والله أعلم .

                                                            (الثالثة) الباع طول ذراعي الإنسان وعضديه وعرض صدره قال الباجي ، وهو قدر أربعة أذرع هذا حقيقة اللفظ والمراد هنا المجاز كما تقدم وقوله أتيته بأسرع أي بأسرع من ذلك .




                                                            الخدمات العلمية