الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3031 (5) باب ميراث الكلالة

                                                                                              [ 1720 ] عن جابر بن عبد الله قال: مرضت، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يعوداني ماشيين، فأغمي علي، فتوضأ ثم صب علي من وضوئه، فأفقت فقلت: يا رسول الله، كيف أقضي في مالي؟ فلم يرد علي شيئا، حتى نزلت آية الميراث: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة [النساء: 176].

                                                                                              وفي رواية: فقلت: يا رسول الله، إنما يرثني كلالة - فنزلت آية الميراث. قال شعبة: فقلت لمحمد بن المنكدر: (يستفتونك قل الله يفتيك في الكلالة)؟ قال: هكذا أنزلت.

                                                                                              وفي أخرى: فنزلت: يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين [النساء: 11].


                                                                                              رواه البخاري (194)، ومسلم (1616)، وأبو داود (2886 و 2887)، والترمذي (2098 و 3019).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (5) ومن باب: ميراث الكلالة

                                                                                              قول جابر رضي الله عنه " مرضت، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يعوداني ماشيين "، إنما أتياه ماشيين مبالغة في التواضع وفي كثرة أجر المشي؛ لأن المشي للقرب التي لا يحتاج فيها إلى كبير مؤونة ولا نفقة أفضل من الركوب بدليل ما ذكرناه في الجمعة، وقد ذكرنا الخلاف في ذلك في الحج.

                                                                                              وقوله: " فأغمي علي، فتوضأ فصب علي من وضوئه فأفقت " فيه دليل [ ص: 570 ] على جواز المداواة ومحاولة دفع المرض بما ترجى فائدته، وخصوصا بما يرجع إلى التبرك بما عظمه الله ورسوله.

                                                                                              وفيه ظهور بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما باشره أو لمسه ، وكم له منها وكم ! وقد ذكرنا من ذلك جملة صالحة في كتاب "الإعلام بمعجزات النبي عليه الصلاة والسلام ".

                                                                                              وقوله: " فقلت: يا رسول الله، كيف أقضي في مالي؟ إنما يرثني كلالة "، هذا السؤال كان قبل نزول آيات المواريث على ما يدل عليه قوله " فنزلت: يوصيكم الله في أولادكم [النساء: 11] "، وقد تقدم أن الحكم كان قبل ذلك وجوب الوصية للأقربين ، وعلى هذا فيكون سؤال جابر للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " كيف أقضي في مالي؟ ": كيف أوصي فيه؟ وبماذا أوصي؟ ولمن أوصي؟ فأنزل الله تعالى: يوصيكم الله [النساء: 11] فنسخت وجوب الوصية للأقربين على ما قدمناه. وأما إن كان الذي نزل في جوابه يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة [النساء: 176] فيكون هذا السؤال بعد نزول يوصيكم الله... وقبل نزول آية الكلالة، وهذا هو الأقرب والأنسب لقوله: " إنما يرثني كلالة "، وذلك السؤال هو الذي عنى الله تعالى بقوله: يستفتونك ثم قال: قل الله يفتيكم في الكلالة وقد تقدم ذكر الاختلاف في اشتقاق الكلالة وفي معناها في كتاب الصلاة، والقول هنا في بيان المختار من الأقوال، ولا شك أن جابرا قد أطلق على ورثته " كلالة " وما كان له وارث يومئذ سوى أخواته، فإن أباه كان قتل يوم أحد وترك سبع بنات وجابرا ، [ ص: 571 ] فهن اللاتي سماهن كلالة، وهن اللاتي أجيب فيهن بقوله: قل الله يفتيكم في الكلالة [النساء: 176] ولم يكن له ولد ولا والد، فقد ظهرت صحة قول من قال: إن الكلالة ما عدا الولد والوالد، وإن الإخوة المذكورين فيها ليسوا إخوة لأم قطعا؛ لأن أخوات جابر لم يكن لأم، ولأن الإخوة للأم لا يقتسمون للذكر مثل حظ الأنثيين. ومقصود هذه الآية بيان حكم الإخوة والأخوات للأب والأم أو للأب إذا لم يكن معهن ولد ولا والد، وإنما قلنا ذلك لأن الولد مصرح بنفيه في الآية بقوله: ليس له ولد والأب أيضا لا بد من نفيه في هذه الآية؛ لأنه لو كان أب مع الإخوة لحجبهم كلهم جملة بغير تفصيل. وأما الجد مع الإخوة الأشقاء أو للأب فيقاسمهم ما لم تنقصه المقاسمة من الثلث فله أن يأخذه، وعلى هذا فالجد تصح معه الكلالة لأنه كالأخ معهم، وأما الآية التي في أول السورة فالمراد بالكلالة فيها الإخوة للأم إذا لم يكن معهم ابن ولا أب ولا جد؛ لأن هؤلاء كلهم يحجبون الإخوة للأم. ولقراءة سعد : " وله أخ أو أخت لأم "، ولأن الإخوة الأشقاء أو للأب لا يرث الواحد منهم السدس ولا الاثنان فصاعدا الثلث، وإنما ذلك فرض الإخوة للأم، فقد ظهر بهذا البحث الدقيق أن القول ما قاله أبو بكر الصديق . وأما قولا الاشتقاق فكلاهما معنى صحيح بالاتفاق؛ لأن من فقد الطرفين فقد تكلله نفي المانعين، أو لأنه لما كل منه الرحم الوالد وثب على متروكه الأباعد.

                                                                                              وقوله تعالى: وإن كان رجل يورث كلالة [النساء: 12] القراءة المشهورة يورث بفتح الراء على أنه فعل مضارع مبني لما لم يسم فاعله، وفيه [ ص: 572 ] ضمير مفعول لم يسم فاعله عائدا على رجل، و كلالة حال من ذلك الضمير، فتكون الكلالة الميت. وقرأه الحسن (يورث) بكسر الراء مبنيا للفاعل، وتكون (كلالة) مفعولا ب (يورث) وقرئ كذلك مضعف الراء، وعلى هذا فيصح أن تكون الكلالة الوارث ويصح أن تكون المال، وأحد مفعولي (يورث) مسكوت عنه لأنه يجوز الاقتصار على أحدهما، والله تعالى أعلم.




                                                                                              الخدمات العلمية