الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              الفصل الثاني من هذا الباب : في إثباته على منكريه

              إثباته على منكريه .

              والمنكر إما جوازه عقلا أو وقوعه سمعا ، أما جوازه عقلا فيدل عليه أنه لو امتنع لكان إما ممتنعا لذاته وصورته أو لما يتولد عنه من مفسدة أو أداء إلى محال . ولا يمتنع لاستحالة ذاته وصورته بدليل ما حققناه من معنى الرفع ودفعناه من الإشكالات عنه .

              ولا يمتنع لأدائه إلى مفسدة وقبح ، فإنا أبطلنا هذه القاعدة وإن سامحنا بها ، فلا بعد في أن يعلم الله تعالى مصلحة عباده في أن يأمرهم بأمر مطلق حتى يستعدوا له ويمتنعوا بسبب العزم عن معاص وشهوات ثم يخفف عنهم . وأما وقوعه سمعا فيدل عليه الإجماع والنص ، أما الإجماع فاتفاق الأمة قاطبة على أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم نسخت شرع من قبله إما بالكلية وإما فيما يخالفها فيه ، وهذا متفق عليه فمنكر هذا خارق للإجماع .

              وقد ذهب شذوذ من المسلمين إلى إنكار النسخ وهم مسبوقون بهذا الإجماع فهذا الإجماع حجة عليهم وإن لم يكن حجة على اليهود . وأما النص فقوله تعالى : { وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر } الآية . والتبديل يشتمل على رفع وإثبات ، والمرفوع إما تلاوة وإما حكم ، وكيفما كان فهو رفع ونسخ .

              فإن قيل : ليس المعني به رفع المنزل ، فإن ما أنزل لا يمكن رفعه وتبديله ، لكن المعني به تبديل مكان الآية بإنزال آية بدل ما لم ينزل ، فيكون ما لم ينزل كالمبدل بما أنزل ، قلنا : هذا تعسف بارد ، فإن الذي لم ينزل كيف يكون مبدلا والبدل يستدعي مبدلا ؟ وكيف يطلق اسم التبديل على ابتداء الإنزال ؟ فهذا هوس وسخف . والدليل الثاني : قوله تعالى : { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم } ولا معنى للنسخ [ ص: 90 ] إلا تحريم ما أحل ، وكذلك قوله تعالى : { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } .

              فإن قيل لعله أراد به التخصيص . قلنا : قد فرقنا بين التخصيص والنسخ فلا سبيل إلى تغيير اللفظ ، كيف والتخصيص لا يستدعي بدلا مثله أو خيرا منه وإنما هو بيان معنى الكلام ؟ الدليل الثالث : ما اشتهر في الشرع من نسخ تربص الوفاة حولا بأربعة أشهر وعشر ، ونسخ فرض تقديم الصدقة أمام مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال تعالى : { فقدموا بين يدي نجواكم صدقة } ومنه نسخ تحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة بقوله تعالى : { فول وجهك شطر المسجد الحرام } وعلى الجملة اتفقت الأمة على إطلاق لفظ النسخ في الشرع .

              فإن قيل : معناه نسخ ما في اللوح المحفوظ إلى صحف الرسل والأنبياء وهو بمعنى نسخ الكتاب ونقله . قلنا : فإذا شرعنا منسوخ كشرع من قبلنا ، وهذا اللفظ كفر بالاتفاق ، كيف وقد نقلنا من قبلة إلى قبلة ومن عدة إلى عدة ؟ فهو تغيير وتبديل ورفع قطعا .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية