الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                القاعدة الخامسة هل العبرة بصيغ العقود ، أو بمعانيها ؟ " خلاف : والترجيح مختلف في الفروع : فمنها : إذا قال : اشتريت منك ثوبا ، صفته كذا بهذه الدراهم . فقال : بعتك ; فرجح الشيخان : أنه ينعقد بيعا ، اعتبارا باللفظ ، والثاني ورجحه السبكي سلما ، اعتبارا بالمعنى ومنها : إذا وهب بشرط الثواب ، فهل يكون بيعا اعتبارا بالمعنى ، أو هبة اعتبارا باللفظ ؟ الأصح الأول .

                ومنها : بعتك بلا ثمن ، أو لا ثمن لي عليك فقال : اشتريت وقبضه ، فليس بيعا ، وفي انعقاده هبة قولا تعارض اللفظ ، والمعنى .

                ومنها : إذا قال : بعتك ، ولم يذكر ثمنا ، فإن راعينا المعنى انعقد هبة ، أو اللفظ ، فهو بيع فاسد .

                ومنها : إذا قال : بعتك : إن شئت ، إن نظرنا إلى المعنى صح ، فإنه لو لم يشأ لم يشتر ، وهو الأصح ، وإن نظرنا إلى لفظ التعليق بطل .

                ومنها : لو قال أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد ، فليس بسلم قطعا ، ولا ينعقد بيعا على الأظهر . لاختلال اللفظ ، والثاني : نعم ، نظرا إلى المعنى .

                ومنها : إذا قال لمن عليه الدين : وهبته منك ، ففي اشتراط القبول وجهان :

                أحدهما : يشترط اعتبارا بلفظ الهبة .

                والثاني : لا اعتبارا بمعنى الإبراء وصححه الرافعي في كتاب الصداق . ومنها : لو صالحه من ألف في الذمة على خمسمائة في الذمة ، صح وفي اشتراط القبول وجهان .

                [ ص: 167 ] قال الرافعي : الأظهر اشتراطه . قيل وقد يقال : إنه مخالف لما صححه في الهبة ، وليس كذلك فقد قال السبكي ، إن اعتبرنا اللفظ اشترط القبول في الهبة والصلح ، وإن اعتبرنا المعنى اشترط في الهبة دون الصلح .

                ومنها : إذا قال : أعتق عبدك عني بألف هل هو بيع أو عتق بعوض ؟ وجهان .

                فائدتهما إذا قال : أنت حر غدا على ألف ، إن قلنا : بيع فسد ، ولا تجب قيمة العبد ، وإن قلنا عتق بعوض صح ووجب المسمى ، ذكرها الهروي وشريح في أدب القضاء .

                ومنها : إذا قال خالعتك ولم يذكر عوضا ، قال الهروي فيه قولان بناء على القاعدة أحدهما : لا شيء .

                والثاني : خلع فاسد يوجب مهر المثل ، وهو المصحح في المنهاج ، على كلام فيه سيأتي في مبحث التصريح والكناية .

                ومنها : لو قال : خذ هذه الألف مضاربة ، ففي قول إبضاع لا يجب فيه شيء ، وفي آخر مضاربة فاسدة توجب المثل .

                ومنها : الرجعة بلفظ النكاح ، فيها خلاف خرجه الهروي على القاعدة والأصح صحتها به .

                ومنها : لو باع المبيع للبائع قبل قبضه بمثل الثمن الأول ، فهو إقالة بلفظ البيع ، ذكره صاحب التتمة وخرجه السبكي على القاعدة .

                قال : ثم رأيت التخريج للقاضي حسين . قال : إن اعتبرنا اللفظ لم يصح ، وإن اعتبرنا المعنى فإقالة .

                ومنها : إذا قال : استأجرتك لتتعهد نخلي بكذا من ثمرتها ، فالأصح أنه إجارة فاسدة . نظرا إلى اللفظ وعدم وجود شرط الإجارة ، والثاني أنه يصح مساقاة ، نظرا إلى المعنى ومنها : لو تعاقدا في الإجارة بلفظ المساقاة فقال : ساقيتك على هذه النخيل مدة كذا بدراهم معلومة ، فالأصح أنه مساقاة فاسدة نظرا إلى اللفظ وعدم وجود شرط المساقاة ، إذ من شرطها أن لا تكون بدراهم ، والثاني : تصح إجارة نظرا إلى المعنى .

                ومنها : إذا عقد بلفظ الإجارة على عمل في الذمة ، فالصحيح اعتبار قبض الأجرة في المجلس ; لأن معناه معنى السلم ، وقيل : لا ، نظرا إلى لفظ الإجارة .

                ومنها : لو عقد الإجارة بلفظ البيع فقال : بعتك منفعة هذه الدار شهرا ، فالأصح لا ينعقد نظرا إلى اللفظ . وقيل ينعقد نظرا إلى المعنى

                ومنها : إذا قال : قارضتك على أن كل الربح لك فالأصح أنه قراض فاسد رعاية للفظ ، والثاني قراض صحيح رعاية للمعنى .

                وكذا لو قال : على أن كله لي ، فهل هو قراض فاسد أو إبضاع ؟ الأصح الأول .

                [ ص: 168 ] وكذا لو قال : أبضعتك على أن نصف الربح لك ; فهل هو إبضاع ، أو قراض ؟ فيه الوجهان .

                ومنها : إذا وكله أن يطلق زوجته طلاقا منجزا وكانت قد دخلت الدار فقال لها : إن كنت دخلت الدار فأنت طالق فهل يقع الطلاق ؟ فيه وجهان ، لأنه منجز من حيث المعنى ، معلق من حيث اللفظ .

                ومنها : إذا اشترى جارية بعشرين ، وزعم أن الموكل أمره فأنكر ، يتلطف الحاكم بالموكل ليبيعها له ، فلو قال إن كنت أمرتك بعشرين فقد بعتكها بها ، فالأصح الصحة نظرا إلى المعنى ; لأنه مقتضى الشرع .

                والثاني لا ، نظرا إلى صيغة التعليق .

                ومنها : إذا قال لعبد بعتك نفسك بكذا ، صح ، وعتق في الحال ، ولزمه المال في ذمته نظرا للمعنى ، وفي قول لا يصح نظرا إلى اللفظ

                ومنها : إذا قال : إن أديت لي ألفا فأنت حر ، فقيل : كتابة فاسدة ، وقيل معاملة صحيحة . ومنها : إذا قصد بلفظ الإقالة البيع ، فقيل يصح بيعا نظرا للمعنى ، وقيل لا يصح نظرا إلى اختلال اللفظ .

                ومنها : إذا قال ضمنت ما لك على فلان بشرط أنه بريء ، ففي قول أنه ضمان فاسد نظرا إلى اللفظ وفي قول ، حوالة بلفظ الضمان نظرا إلى المعنى والأصح الأول .

                ومنها : لو قال أحلتك بشرط أن لا أبرأ ، ففيه القولان والأصح : فساده .

                ومنها : البيع من البائع قبل القبض ، قيل يصح ويكون فسخا اعتبارا بالمعنى والأصح لا ، نظرا إلى اللفظ .

                ومنها : إذا وقف على قبيلة غير منحصرة ، كبني تميم مثلا ، وأوصى لهم ، فالأصح الصحة اعتبارا بالمعنى ، ويكون المقصود الجهة لا الاستيعاب كالفقراء والمساكين .

                والثاني لا يصح اعتبارا باللفظ ، فإنه تمليك لمجهول .

                ومنها : إذا قال : خذ هذا البعير ببعيرين ، فهل يكون قرضا فاسدا نظرا إلى اللفظ أو بيعا نظرا إلى المعنى ؟ وجهان

                ومنها لو ادعى الإبراء فشهد له شاهدان أنه وهبه ذلك ، أو تصدق عليه ، فهل يقبل نظرا إلى المعنى أو لا ، نظرا إلى اللفظ ؟ وجهان .

                ومنها : هبة منافع الدار هل تصح وتكون إعارة نظرا إلى المعنى أو لا ؟ وجهان حكاهما الرافعي في الهبة من غير ترجيح ، ورجح البلقيني : أنه تمليك منافع الدار ، وأنه لا يلزم إلا ما استهلك من المنافع .

                ومنها : لو قال : إذا دخلت الدار فأنت طالق ، فهل هو حلف نظرا إلى المعنى ; لأنه [ ص: 169 ] تعلق به منع أو لا ، نظرا إلى اللفظ لكون " إذا " ليست من ألفاظه لما فيه من التأقيت بخلاف " إن " وجهان ، الأصح الأول .

                ومنها : لو وقف على دابة فلان ، فالأصح البطلان نظرا إلى اللفظ ، والثاني يصح نظرا إلى المعنى ويصرف في علفها .

                فلو لم يكن لها مالك بأن كانت وقفا ، فهل يبطل نظرا للفظ ، أو يصح نظرا للمعنى ، وهو الإنفاق عليها إذ هو من جملة القرب ؟ وجهان ، حكاهما ابن الوكيل .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية