الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                القول في الكتابة :

                فيها مسائل الأولى : في الطلاق فإن كتبه الأخرس فأوجه ، أصحها أنه كناية ، فيقع الطلاق إن نوى ، ولم يشر .

                والثاني : لا بد من الإشارة .

                والثالث : صريح . وأما الناطق : فإن تلفظ بما كتبه ، حال الكتابة أو بعدها طلقت ، وإن لم يتلفظ فإن لم ينو إيقاع الطلاق لم يقع على الصحيح ، وقيل يقع فيكون صريحا . وإن نوى فأقوال أظهرها تطلق والثاني لا والثالث إن كانت غائبة عن المجلس طلقت وإلا فلا .

                قال في أصل الروضة : وهذا الخلاف جار في سائر التصرفات التي لا تحتاج إلى قبول كالإعتاق والإبراء والعفو عن القصاص وغيرها . وأما ما يحتاج إلى قبول فهو نكاح وغيره ، فغير النكاح كالبيع والهبة والإجارة ففي انعقادها بالكتابة خلاف مرتب على الطلاق وما في معناه إن لم يصح بها فهنا أولى ، وإلا فوجهان للخلاف في انعقاد هذه التصرفات بالكنايات ; ولأن القبول شرط فيها فيتأخر عن الإيجاب ، والمذهب الانعقاد ، ثم المكتوب إليه : له أن يقبل بالقول وهو أقوى وله أن يكتب القبول .

                وأما النكاح : ففيه خلاف مرتب ، والمذهب منعه بسبب الشهادة فلا اطلاع للشهود على النية . ولو قالا بعد الكتابة : نوينا : كان شهادة على إقرارهما ، لا على نفس العقد ، ومن جوز ، اعتمد الحاجة . وحيث جوزنا انعقاد البيع ونحوه بالكتابة ، فذلك في حال الغيبة ، فأما عند الحضور : فخلاف مرتب ، والأصح الانعقاد .

                [ ص: 309 ] وحيث جوزنا انعقاد النكاح بها فيكتب : زوجتك بنتي ، ويحضر الكتاب عدلان ; ولا يشترط أن يحضرهما ولا أن يقول : اشهدا ، فإذا بلغه يقبل لفظا أو يكتب القبول ويحضره شاهدا الإيجاب ، ولا يكفي غيرهما في الأصح ، ولو كتب إليه بالوكالة فإن قلنا : لا يحتاج إلى القبول فهو ككتابة الطلاق وإلا فكالبيع ونحوه . وولاية القضاء كالوكالة ، فالمذهب صحتها بالكتابة ، وكذا يقع العزل بالكتابة . وإن كتب إليه : إذا أتاك كتابي فأنت معزول ، لم ينعزل قبل أن يصل إليه الكتاب قطعا قاضيا كان أو وكيلا ، وكذا في الطلاق .

                وإن كتب : أنت معزول أو عزلتك ، فالأظهر العزل في الحال في الوكيل دون القاضي لعظم الضرر في نقض أقضيته . ولا خلاف في وقوع الطلاق في نظير ذلك ، في الحال . وإن كتب : إذا قرأت كتابي فأنت معزول أو طالق ، لم يحصل العزل والطلاق بمجرد البلوغ ، بل بالقراءة ، فإن قرئ عليه أو عليها - وهما أميان - وقع الطلاق والعزل .

                وإن كانا قارئين ، فالأصح انعزال القاضي ; لأن الغرض إعلامه وعدم وقوع الطلاق لعدم قراءتها مع الإمكان ، وقيل : لا ينعزل القاضي أيضا . وقيل : يقع الطلاق كالعزل .

                والفرق : أن منصب القاضي يقتضي القراءة عليه دون المرأة .

                تنبيه :

                قال ابن الصلاح : ينبغي للمجيز في الرواية كتابة أن يتلفظ بالإجازة أيضا ، فإن اقتصر على الكتابة ولم يتلفظ مع قصد الإجازة صحت ، وإن لم يقصد الإجازة . قال ابن الصلاح : فغير مستبعد تصحيح ذلك في هذا الباب كما أن القراءة على الشيخ - إذا لم يتلفظ بما قرأ عليه - جعلت إخبارا منه بذلك وقال الحافظ أبو الفضل العراقي : الظاهر عدم الصحة .

                المسألة الثانية قال النووي في الأذكار : من كتب سلاما في كتاب ، وجب على المكتوب إليه رد السلام إذا بلغه الكتاب ، قاله المتولي وغيره ، وزاد في شرح المهذب أنه يجب الرد على الفور .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية