الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                قاعدة :

                وما لا يشترط التعرض له جملة وتفصيلا إذا عينه وأخطأ لم يضر ، كتعيين مكان الصلاة وزمانها ، وكما إذا عين الإمام من يصلي خلفه ، أو صلى في الغيم ، أو صام الأسير ، ونوى الأداء والقضاء فبان خلافه ، وما يشترط فيه التعيين ، فالخطأ فيه مبطل ، كالخطأ من الصوم إلى الصلاة وعكسه ، ومن صلاة الظهر إلى العصر .

                وما يجب التعرض له جملة لا يشترط تعيينه تفصيلا إذا عينه وأخطأ ضر . وفي ذلك فروع :

                [ ص: 16 ] أحدها : نوى الاقتداء بزيد ، فبان عمرا لم يصح .

                الثاني : نوى الصلاة على زيد فبان عمرا ، أو على رجل فكان امرأة أو عكسه لم تصح ، ومحله في الصورتين : ما لم يشر ، كما سيأتي في مبحث الإشارة ، وقال السبكي في الصورة الأولى : ينبغي بطلان نية الاقتداء لا نية الصلاة ، ثم إذا تابعه خرج على متابعة من ليس بإمام ، بل ينبغي هنا الصحة وجعل ظنه عذرا ، وتابعه في المهمات على هذا البحث ، وأجيب بأنه قد يقال : فرض المسألة حصول المتابعة ، فإن ذلك شأن من ينوي الاقتداء ، والأصح في متابعة من ليس بإمام البطلان .

                الثالث لا يشترط تعيين عدد الركعات ، فلو نوى الظهر خمسا أو ثلاثا ، لم يصح لكن قال في المهمات : إنما فرض الرافعي في المسألة في العلم ، فيؤخذ منه أنه لا يؤثر عند الغلط .

                قلت : ذكر النووي المسألة في شرح المهذب في باب الوضوء ، وفرضها في الغلط فقال : ولو غلط في عدد الركعات ، فنوى الظهر ثلاثا أو خمسا ، قال أصحابنا : لا يصح ظهره ، هذه عبارته ، ويؤيده تعليله البطلان في باب الصلاة بتقصيره .

                ونظير هذه المسألة : من صلى على موتى ، لا يجب تعيين عددهم ولا معرفته ، فلو اعتقدهم عشرة فبانوا أكثر ، أعاد الصلاة على الجميع لأن فيهم من لم يصل عليه ، وهو غير معين ، قاله في البحر . قال : وإن بانوا أقل ، فالأظهر الصحة ، ويحتمل خلافه لأن النية قد بطلت في الزائد لكونه معدوما ، فتبطل في الباقي .

                الرابع : نوى قضاء ظهر يوم الاثنين ، وكان عليه ظهر يوم الثلاثاء ، لم يجزئه .

                الخامس : نوى ليلة الاثنين صوم يوم الثلاثاء ، أو في سنة أربع صوم رمضان سنة ثلاث ، لم يصح بلا خلاف .

                السادس : عليه قضاء يوم الأول من رمضان ، فنوى قضاء اليوم الثاني ، لم يجزئه على الأصح .

                السابع : عين زكاة ماله الغائب ، فكان تالفا لم يجزئه عن الحاضر .

                الثامن : نوى كفارة الظهار فكان عليه كفارة قتل لم يجزئه .

                التاسع : نوى دينا ، وبان أنه ليس عليه ، لم يقع عن غيره ، ذكره السبكي ، وخرج عن ذلك صور :

                منها : لو نوى رفع حدث النوم ، مثلا ، وكان حدثه غيره ، أو رفع جنابة الجماع وجنابته باحتلام ، أو عكسه ، أو رفع حدث الحيض وحدثها الجنابة ، أو عكسه ، خطأ لم يضر وصح الوضوء والغسل في الأصح .

                واعتذر عن خروج ذلك عن القاعدة بأن النية في الوضوء والغسل ليست للقربة ، بل [ ص: 17 ] للتمييز ، بخلاف تعيين الإمام والميت مثلا ، وبأن الأحداث وإن تعددت أسبابها فالمقصود منها واحد وهو المنع من الصلاة ، ولا أثر لأسبابها من نوم أو غيره . ومنها : ما لو نوى المحدث رفع الأكبر غالطا فإنه يصح كما ذكره في شرح المهذب ، ولم يستحضره الإسنوي ومن تابعه فنقلوه عن المحب الطبري وعبارة شرح المهذب لو نوى المحدث غسل أعضائه الأربعة عن الجنابة غلطا ظانا أنه جنب صح وضوءه ، وأما عكسه ، وهو أن ينوي الجنب رفع الأصغر غلطا فالأصح أنه يرتفع عن الوجه واليدين والرجلين فقط دون الرأس ; لأن فرضها في الأصغر المسح فيكون هو المنوي دون الغسل ، والمسح لا يغني عن الغسل .

                ومنها : إذا قلنا باشتراط نية الخروج من الصلاة ، لا يشترط تعيين الصلاة التي يخرج منها ، فلو عين غير التي هو فيها خطأ ، لم يضر ، بل يسجد للسهو ويسلم ثانيا ، أو عمدا بطلت صلاته . وإن قلنا بعدم وجوبها ، لم يضر الخطأ في التعيين مطلقا .

                تنبيه :

                أما لو وقع الخطأ في الاعتقاد دون التعيين فإنه لا يضر ، كأن ينوي ليلة الاثنين صوم غد ، وهو يعتقده الثلاثاء ، أو ينوي صوم غد من رمضان هذه السنة وهو يعتقدها سنة ثلاث . فكانت سنة أربع ، فإنه يصح صومه .

                ونظيره في الاقتداء : أن ينوي الاقتداء بالحاضر مع اعتقاد أنه زيد ، وهو عمرو فإنه يصح قطعا ، صرح به الروياني في البحر . وفي الصلاة : لو أدى الظهر في وقتها ، معتقدا أنه يوم الاثنين فكان الثلاثاء صح ، نقله في شرح المهذب عن البغوي قال : ولو غلط في الأذان ، فظن أنه يؤذن للظهر ، وكانت العصر فلا أعلم فيه نقلا ، وينبغي أن يصح ; لأن المقصود الإعلام ممن هو أهله ، وقد حصل .

                ولو تيمم معتقدا أن حدثه أصغر ، فبان أكبر ، أو عكسه يصح ، ولو طاف الحاج معتقدا أنه محرم بعمرة ، أو عكسه أجزأه .

                تنبيه :

                من المشكل على ما قررناه ما صححوه من أن الذي أدرك الإمام في الجمعة بعد ركوع الثانية ينوي الجمعة مع أنه إنما يصلي الظهر ، وعلله الرافعي بموافقة الإمام ، قال الإسنوي : ولا يخفى ضعف هذا التعليل ، بل الصواب ما ذكروه فيمن لا عذر له ، إذا ترك الإحرام بالجمعة ، حتى رفع الإمام من الركعة الثانية ، ثم أراد الإحرام بالظهر قبل السلام ، فإنهم قالوا : إن الأصح عدم انعقادها ، وعللوه بأنا تيقنا انعقاد الجمعة وشككنا في فواتها ; إذ يحتمل أن يكون الإمام قد ترك ركنا من الركعة الأولى ويتذكره قبل السلام ، فيأتي به ، وعلى هذا فليس لنا من ينوي غير ما يؤدي إلا في هذه الصورة .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية