الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

1708 - إبراهيم بن هانئ ، أبو إسحاق النيسابوري .

رحل في طلب العلم إلى الشام و [ بغداد ] ، ومصر ، ومكة ، واستوطن بغداد ، وحدث عن قبيصة وخلق كثير . وروى عنه : عبد الله بن أحمد ، والبغوي ، وابن صاعد ، [ ص: 198 ] وغيرهم . وكان ثقة صالحا ، واختفى أحمد بن حنبل في بيتهم في زمن المحنة ، فقال لابنه إسحاق : أنا لا أطيق ما يطيق أبوك من العبادة .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرني محمد بن عبد الواحد ، حدثنا محمد بن العباس الخزاز ، حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد النيسابوري قال : حدثني أبو موسى الطوسي قال : سمعت ابن زنجويه يقول : قال أحمد بن حنبل : إن كان ببغداد رجل من الأبدال فأبو إسحاق النيسابوري .

أخبرنا أبو منصور القزاز ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال : أخبرني عبيد الله بن [أبي] الفتح ، حدثنا محمد بن العباس الخزاز ، حدثنا أبو بكر النيسابوري قال : حضرت إبراهيم بن هانئ عند وفاته ، فقال لابنه إسحاق : أنا عطشان ، فجاءه بماء ، فقال : غابت الشمس؟ قال : لا . قال : فرده . ثم قال : لمثل هذا فليعمل العاملون ، ثم خرجت روحه . توفي إبراهيم في ربيع الآخر من هذه السنة .

1709 - إبراهيم بن القعقاع ، أبو إسحاق .

بغوي الأصل ، حدث عن عبيد بن إسحاق العطار ، وغيره ، روى عنه : قاسم المطرز ، والقاضي المحاملي ، وكان ثقة . توفي في ذي الحجة من هذه السنة .

1710 - إبراهيم بن محمد بن يونس بن مروان بن عبد الملك ، مولى عثمان بن عفان ، أبو إسحاق .

بصري قدم بغداد ، فتوفي بها في رمضان هذه السنة . [ ص: 199 ]

1711 - [جعفر بن الوراق ، الواسطي المفلوج] .

سكن بغداد ، وحدث بها عن : يعلى بن عبيد الطنافسي وغيره . روى عنه : ابن أبي داود ، والمحاملي ، ونفطويه ، وغيرهم . وكان ثقة .

وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة .

1712 - سعدان بن نصر بن منصور ، أبو عثمان الثقفي البزاز ، اسمه : سعيد ، وغلب عليه سعدان .

سمع سفيان بن عيينة ، ووكيعا ، وأبا معاوية . روى عنه : ابن أبي الدنيا ، وابن صاعد ، والمحاملي ، وابن مخلد قال أبو حاتم الرازي : هو صدوق .

توفي في ذي القعدة من هذه السنة ، وقد جاز التسعين ] .

1713 - صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل ، [أبو الفضل] الشيباني .

ولد في سنة ثلاث ومائتين ، وسمع أباه ، وأبا الوليد الطيالسي ، وعلي بن المديني . روى عنه : ابنه زهير ، والبغوي ، وكان صدوقا ثقة كريما . ولي قضاء أصبهان ، فخرج إليها ، فلما دخلها بدأ بالجامع ، فصلى فيه ركعتين ، واجتمع الناس والشيوخ ، وقرئ عليهم عهده ، فجعل يبكي بكاء شديدا ، ويقول : ذكرت أبي أن يراني في مثل هذه الحالة . وكان عليه الثياب السود ، وقال : كان أبي إذا جاءه رجل زاهد متقشف يبعث خلفي لأنظر إليه يحب أن أكون مثله . وكان إذا انصرف من مجلس الحكم يخلع سواده ، ويقول : ترى أموت وأنا علي هذا . فتوفي بأصبهان في رمضان هذه السنة ، وقيل : في سنة ست وستين ، وله حينئذ ثلاث وستون سنة . [ ص: 200 ]

1714 - عبد الله بن محمد بن أيوب بن صبيح أبو محمد المخرمي .

سمع سفيان بن عيينة ، وغيره . روى عنه : عبد الرحمن بن أبي حاتم ، وقال : هو صدوق .

أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أبو بكر [أحمد بن علي] بن ثابت ، حدثنا علي بن أبي علي ، حدثنا القاضي أبو القاسم عمر بن محمد بن إبراهيم البجلي قال : حدثني محمد بن محمد بن سليمان الباغندي قال : كنت بسر من رأى ، وكان عبد الله بن أيوب المخرمي يقرب إلي ، فخرج توقيع الخليفة بتقليده القضاء ، فانحدرت في الحال من سر من رأى إلى بغداد حتى دققت على عبد الله بن أيوب بابه ، فخرج إلي ، فقلت : البشرى . فقال : بشرك الله بخير ، ما هي؟ فقلت : خرج توقيع الخليفة بتقليدك القضاء لأحد البلدين : إما بغداد ، أو سر من رأى - البجلي يشك - قال : فأطبق الباب ، وقال : بشرك الله بالنار . وجاء أصحاب السلطان إليه فلم يظهرهم ، فانصرفوا .

فتوفي المخرمي في [ جمادى الأولى من ] هذه السنة ، وقد جاز السبعين .

1715 - علي بن حرب بن محمد بن علي ، أبو الحسن الطائي الموصلي .

ولد في شعبان سنة خمس وسبعين ومائة ، ورحل في طلب الحديث إلى [ ص: 201 ] البلاد ، وسمع سفيان بن عيينة ، ووكيعا ، وابن فضيل ، ويزيد بن هارون ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهم . وروى عنه : البغوي ، وابن صاعد ، والمحاملي ، وكان صدوقا ثقة .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد [بن علي] بن ثابت قال : كتب إلى محمد بن إدريس بن محمد الموصلي يذكر أن المظفر بن محمد الطوسي حدثهم قال : حدثنا أبو زكريا يزيد بن محمد بن إياس الأزدي قال : علي بن حرب ، سمع وصنف حديثه ، وأخرج المسند ، وكان عالما بأخبار العرب وأنسابها ، أديبا شاعرا ، ووفد على المعتز بسر من رأى في سنة أربع وخمسين ومائتين ، فكتب المعتز عنه بخطه ، ودقق الكتاب فقال علي : أخذت يا أمير المؤمنين في شؤم أصحاب الحديث . فضحك المعتز أو نحوه .

أخبرنا بهذا غير واحد من شيوخنا ، وأحضره المعتز للطعام فأكل بحضرته ، وأوغر له بضياع حرب كلها فلم يزل ذلك جاريا عليه إلى أيام المعتضد .

وتوفي في شوال سنة خمس وستين ومائتين .

قال المصنف رحمه الله : وبسامراء مات ، وقد جاوز التسعين . وقيل : مات في سنة ست وستين ، والأول أصح . [ ص: 202 ]

1716 - علي بن الموفق العابد .

حدث عن منصور بن عمار ، وأحمد بن أبي الحواري ، وكان ثقة .

أخبرنا [أبو منصور] القزاز ، أخبرنا أبو بكر بن ثابت ، أخبرنا مكي بن علي ، حدثنا أبو إسحاق المزكي قال : سمعت أبا الحسن [علي بن الحسن] بن أحمد البلخي يقول : سمعت عبد الرحمن بن عبد الباقي قال : سمعت بعض مشايخنا يقول : قال علي بن الموفق : لما تم لي ستون حجة خرجت من الطواف ، وجلست بحذاء الميزاب ، وجعلت أتفكر لا أدري كيف حالي عند الله تعالى وقد كثر ترددي إلى هذا المكان؟ قال : فغلبتني عيني ، وكأن قائلا يقول : يا علي ، أتدعو إلى بيتك إلا من تحب؟ فانتبهت وقد سري عني ما كنت فيه .

أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد] ، أخبرنا أحمد [بن علي] أخبرنا علي بن أحمد الرزاز ، حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق ، حدثنا محمد بن أحمد بن المهدي قال : سمعت علي بن الموفق يقول : خرجت يوما لأؤذن ، فأصبت قرطاسا فأخذته ، فوضعته في كمي ، فأقمت وصليت ، فلما صليت قرأته ، فإذا فيه مكتوب : بسم الله الرحمن الرحيم : يا علي بن الموفق ، تخاف الفقر وأنا ربك .

وسمعت علي بن الموفق ما لا أحصيه يقول : اللهم إن كنت تعلم أني أعبدك خوفا من نارك فعذبني بها ، وإن كنت تعلم أني أعبدك حبا مني لجنتك وشوقا مني إليها فاحرمنيها ، وإن كنت تعلم أني أعبدك حبا مني لك ، وشوقا إلى وجهك الكريم ، فأبحنيه واصنع بي ما شئت ، [ ص: 203 ] توفي ابن الموفق في هذه السنة .

1717 - عمرو بن مسلم ، أبو حفص الزاهد النيسابوري ، ويقال : [عمرو بن سلمة] .

أنبأنا زاهر بن طاهر قال : أنبأنا البيهقي أنبأنا الحاكم أبو عبد الله قال : سمعت أبا الحسن بن أبي إسحاق المزكي يقول : سمعت جعفر الحيري يقول : سمعت أبا عثمان سعيد بن إسماعيل يقول : قال لي أبو حفص : اذهب فاستقرض من بعض إخواننا ألف درهم إلى شهر ، فذهبت واستقرضت ، وحملت إلى حضرته ، فوضع لعياله قوت سنة ، ثم شد الثياب وخرج إلى الحج ، فتحيرت في أمري ، وجعلت أعد الأيام وأقول : قد قرب الأجل فمن أين أؤدي هذه الألف ، فلما كان يوم التاسع والعشرين خرجت لصلاة الصبح ، فرأيت السكة من أولها إلى آخرها جوالقات سودا مطروحة والحمالون عليها قعود ، فقلت : ترى لمن هذا؟ فلما فرغت من صلاة الصبح دخل علي حمال منهم فقال : هذه الحنطة بعث بها فلان وفلان : تستعين بها في بعض حوائجك . فأمر ببيعها ، وقضيت الألف درهم عن أبي حفص ، وفضل ، فلما انصرف أبو حفص من الحج كان أول كلمة كلمني بها أن قال : إيش كان الفكر الذي شغلك شهرا ، أما جاز لك أن تثق بربك ! ؟ .

[أخبرنا عبد الرحمن ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، أخبرنا أبو عبيد محمد بن علي النيسابوري قال : سمعت أبا عمرو بن حمدون يقول : سمعت] أبا عثمان سعيد بن [ ص: 204 ] إسماعيل يقول : دخلت مع أبي حفص على مريض ، فقال المريض : آه [ فقال : ممن؟ ] فسكت فقال : مع من ؟

توفي أبو حفص يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول من هذه السنة ، وقيل : بل توفي في سنة سبع وستين ، وقيل : سنة أربع وستين ، وقيل : سنة سبعين ، والأول أصح .

1718 - محمد بن عبد الرحمن ، أبو جعفر الصيرفي .

ولد سنة خمس وسبعين ومائة ، وحدث عن سفيان بن عيينة ، ويزيد بن هارون ، وشبابة بن سوار ، وغيرهم . روى عنه : محمد بن خلف ، ووكيع ، [ و ] القاضي المحاملي ، وغيرهم ، وكان ثقة .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي الحافظ ، أخبرنا الجوهري ، أخبرنا محمد بن العباس ، حدثنا أبو الحسن أحمد بن جعفر بن محمد قال : كان أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن الصيرفي يعد من العقلاء ، وكان مذهبه في بذل الحديث : أن كان يسأل من يقصده عن مدينة بعد مدينة هل بقي فيها أحد يحدث ، فإذا قيل له : ما بقي بها محدث خرج إليها في سر ، ثم حدثهم ورجع ، وكان من الديانة على نهاية . وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة .

1719 - محمد بن مسلم بن عثمان بن عبد الله ، أبو عبد الله الرازي ، المعروف : بابن واره .

سمع خلقا كثيرا ، وحدث عنه : محمد بن يحيى الذهلي ، والبخاري ، وابن [ ص: 205 ] صاعد ، وكان عالما حافظا متقنا فهما ثقة ، بعيد النظر ، غير أنه كان معجبا بنفسه متكبرا على أبناء جنسه .

أخبرنا القزاز ، أخبرنا [أبو بكر] الخطيب ، أخبرنا أبو سعيد الماليني [قال : ] أخبرنا عبد الله بن عدي قال : سمعت عبد المؤمن بن أحمد حوثرة يقول : كان أبو زرعة الرازي لا يقوم لأحد ولا يجلس أحد في مكانه إلا ابن واره ، فإني رأيته يفعل ذلك .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا [أحمد بن علي] بن ثابت ، أخبرنا أبو سعد الماليني ، أخبرنا عبد الله بن عدي الحافظ ، أخبرنا القاسم بن صفوان ، حدثنا عثمان بن خرزاذ قال : سمعت سليمان الشاذكوني يقول : جاءني محمد بن مسلم بن واره فقعد يتقعر في كلامه . قال : قلت له : من أي بلد أنت؟ قال : من أهل الري ، [ ثم قال ] : أو لم يأتك خبري ، أو لم تسمع بنبئي؟ أنا ذو الرحلتين ، قلت : من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم : "إن من الشعر حكمة ، وإن من البيان سحرا" . قال : فقال : حدثني بعض أصحابنا قال : قلت : من أصحابك؟ . قال : أبو نعيم ، وقبيصة . قال : قلت : يا غلام ، ائتني بالدرة ، قال : فأتاني الغلام بالدرة فأمرته فضربه خمسين ، فقلت : أنت تخرج من عندي ما آمن تقول حدثنا بعض غلماننا .

توفي ابن واره بالري في هذه السنة وقد وقيل : سنة سبعين . [ ص: 206 ]

1720 - محمد بن هارون ، أبو جعفر الفلاس ، يلقب : شيطا .

من أهل الحفظ والمعرفة بالحديث الثقات . سمع أبا نعيم الفضل بن دكين ، ويحيى بن معين ، وغيرهما .

توفي بالنهروان في محرم هذه السنة .

1721 - يعقوب بن الليث الخارجي ، المعروف : بالصفار .

الذي ذكرنا له الوقعات ، توفي بالأهواز في هذه السنة ، فحمل تابوته إلى جنديسابور ، وخلف في بيت ماله خمسين ألف ألف درهم ، وألف ألف دينار ، وكتب على قبره : هذا قبر يعقوب المسكين . وكتب على قبره :


أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت ولم تخف سوء ما يأتي به القدر     وسالمتك الليالي فاغتررت بها
وعند صفو الليالي يحدث الكدر

.

التالي السابق


الخدمات العلمية