الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر



218 - أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن امرئ القيس .

كان أبوه شريفا في الجاهلية ، رئيس الأوس يوم بعاث ، وكان أسيد بعد أبيه شريفا في قومه ، يعد من ذوي العقول والآراء ، وكان يكتب بالعربية ، ويحسن العوم والرمي ، وكان في الجاهلية يسمون من جمع فيه هذه الخصال: "الكامل" . وأسلم هو وسعد بن معاذ على يدي مصعب بن عمير في يوم واحد ، وشهد أسيد العقبة الأخيرة مع السبعين ، وكان أحد النقباء الاثني عشر ، ولم يشهد بدرا لأنه لم يظن أنه يجري قتال ، وشهد أحدا وثبت يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجرح بسبع جراحات ، وشهد الخندق والمشاهد بعده .

[أخبرنا ابن أبي طاهر قال: أخبرنا أبو إسحاق البرمكي قال: أخبرنا ابن حيويه ، قال: أخبرنا ابن معروف قال: أخبرنا الحسين بن الفهم ، قال: حدثنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا يزيد بن هارون ، وعفان ، وسليمان بن حرب قالوا: حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، ] عن أنس قال: كان أسيد بن حضير وعباد بن بشر عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة مظلمة حندس ، فتحدثا عنده حتى إذا خرجا أضاءت لهما عصا ، فمشيا في [ ص: 297 ] ضوئها ، فلما تفرق بهما الطريق أضاءت لكل واحد منهما عصاه ، فمشى في ضوئها . أخرجه البخاري .

توفي أسيد [بن حضير] في شعبان في هذه السنة ، فصلى عليه عمر بالبقيع

219 - بلال بن رباح ، مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، ويكنى أبا عبد الله .

من مولدي السراة ، واسم أمه حمامة ، وكان أدم شديد الأدمة ، نحيفا ، طوالا ، أحنى ، أشفر ، [له شعر كثير] ، خفيف العارضين ، به سمط كثير لا يغير .

[أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيويه قال:

أخبرنا ابن معروف قال: أخبرنا ابن الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي مزود ، عن يزيد بن رومان ] ، عن عروة بن الزبير قال: كان بلال بن رباح من المستضعفين ، وكان يعذب حين أسلم ليرجع عن دينه فما أعطاه قط كلمة مما يريدون ، وكان الذي يعذبه أمية بن خلف .

[قال محمد بن سعد : وأخبرنا عثمان بن عمر ، ومحمد بن عبد الله الأنصاري قالا: حدثنا] عون بن عمير بن إسحاق قال: كان بلال إذا اشتدوا عليه في العذاب قال: أحد أحد . قال: فيقولون له: قل كما نقول . فيقول: إن لساني لا يحسنه . [ ص: 298 ]

[قال ابن سعد: وأخبرنا جرير ، عن منصور ] ، عن مجاهد قال: أول من أظهر الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أبو بكر ، وبلال ، وخباب ، وصهيب ، وعمار ، وسمية ، أم عمار . فأما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمنعه عمر ، وأما أبو بكر فمنعه قومه ، وأخذ الآخرون فألبسوهم أدراع الحديد ، ثم صهروهم في الشمس حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ فأعطوهم ما سألوا ، فجاء إلى كل رجل منهم قومه بأنطاع الأدم ، فيها الماء ، فألقوهم فيه ، وحملوا جوانبه إلا بلالا ، فلما كان العشاء جاء أبو جهل ، فجعل يشتم سمية ويرفث ، ثم طعنها فقتلها ، فهي أول شهيد استشهد في الإسلام . وأما بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله . حتى ملوه ، فجعلوا في عنقه حبلا ، ثم أمروا صبيانهم أن يشتدوا به بين أخشبي مكة ، فجعل يقول: أحد أحد .

[قال ابن سعد: وأخبرنا عامر بن الفضل قال: حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ] ، عن محمد : أن بلالا ألقوه في البطحاء وجلدوا ظهره ، فجعلوا يقولون: ربك اللات والعزى . فيقول: أحد أحد . فأتى عليه أبو بكر فقال: علام تعذبون هذا الإنسان؟ فاشتراه بسبع أواق فأعتقه ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "الشركة يا أبا بكر" قال: قد أعتقته يا رسول الله .

[قال ابن سعد: أنبأنا الحميدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة ، عن إسماعيل ، ] عن قيس قال: اشترى أبو بكر بلالا بخمس أواق . [ ص: 299 ]

[وأخبرنا الفضل بن دكين قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، عن محمد بن المنكدر ] ، عن جابر بن عبد الله : أن عمر رضي الله عنه كان يقول: أبو بكر سيدنا ، وأعتق سيدنا؛ يعني بلالا .

قال علماء السير: شهد بلال بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأذن يوم الفتح على ظهر الكعبة ، والحارث بن هشام ، وصفوان بن أمية قاعدان ، فقال أحدهما للآخر: انظر إلى هذا الحبشي ، فقال الآخر: إن يكرهه الله يغيره .

ولما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان بلال يؤذن ، فإذا قال: "أشهد أن محمدا رسول الله" انتحب الناس ، فلما دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له أبو بكر: أذن . فقال له: إن كنت إنما أعتقتني لأن أكون معك ، فسبيل ذلك ، وإن كنت أعتقتني لله فخلني ومن أعتقتني له .

فقال: ما أعتقتك إلا لله . قال: فإني لا أؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . قال: فذاك إليك . قال: فأقام حتى خرجت بعوث الشام ، فسار معهم .

وقيل: إنما أقام حياة أبي بكر ، فلما ولي عمر رحل [إلى] الشام ، فمات هناك في هذه السنة . وهو ابن بضع وستين سنة .

220 - خويلد بن مرة ، أبو خراش الهذلي .

شاعر مجيد من شعراء هذيل ، أدرك الجاهلية والإسلام فأسلم ، ولم أر أحدا ذكره في الصحابة ، وعاش بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى مات في خلافة عمر ، نهشته أفعى فمات ، وكان إذا عدا سبق الخيل .

قال الأصمعي: حدثني رجل من هذيل قال: دخل أبو خراش الهذلي مكة وللوليد بن المغيرة فرسان يريد أن يرسلهما في الحلبة ، فقال للوليد: ما تجعل لي إن [ ص: 300 ] سبقتهما؟ قال: إن فعلت ذلك فهما لك . فأرسلا وعدا بينهما فسبقهما وأخذهما .

221 - زينب بنت جحش

تزوجها زيد بن حارثة ثم طلقها ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سنة أربع ، وبسببها نزلت آية الحجاب ، وكانت تفخر على النساء فتقول: زوجكن أهاليكن ، وزوجني الله من فوق سبع سماوات ، ولما نزل قوله عز وجل: زوجناكها دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا إذن ، وكانت تعمل بيدها وتتصدق .

[أخبرنا عبد الله بن علي المقرئ ، ومحمد بن ناصر الحافظ قالا: أخبرنا طراد بن محمد ، أخبرنا علي بن محمد بن بشران ، حدثنا ابن صفوان ، حدثنا أبو بكر القرشي قال: حدثنا يزيد بن هارون ، عن محمد بن عمر قال: حدثني يزيد بن خصيفة ، عن عبد الله بن رافع ] ، عن برزة بنت رافع قالت: لما جاء العطاء بعث عمر رضي الله عنه إلى زينب بنت جحش بالذي لها ، فلما دخل عليها قالت: غفر الله لعمر ، لغيري من أخواتي كان أقوى على قسم هذا مني . قالوا: هذا كله لك . فقالت: سبحان الله . واستترت دونه بثوب وقالت: صبوه واطرحوا عليه ثوبا . وقالت لي: أدخلي يدك فاقبضي منه قبضة ، فاذهبي بها إلى فلان وإلى فلان من أيتامها وذوي رحمها ، فقسمته حتى بقيت منه بقية فقالت لها برزة: غفر الله لك ، والله لقد كان لنا في هذا حظ ، قالت: فلكم ما تحت الثوب . قالت: فرفعنا الثوب فوجدنا خمسة وثمانين درهما ، ثم رفعت يديها فقالت: اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا ، فماتت [قبل الحول] .

[أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي قال: أخبرنا الجوهري ، أخبرنا ابن حيويه ، أخبرنا أحمد بن معروف ، أخبرنا الحسين بن الفهم ، حدثنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني محمد بن عبد الله ، عن الزهري ] ، عن سالم ، عن أبيه ، [ ص: 301 ] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو جالس مع نسائه: "أطولكن [باعا] أسرعكن لحوقا بي" ، فكن يتطاولن إلى الشيء ، إنما عنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك الصدقة . وكانت زينب امرأة صناعا ، وكانت تتصدق به ، وكانت أسرع نسائه به لحوقا .

[قال محمد بن عمر : وحدثني موسى بن عمران ، عن عاصم بن عبد الله ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلى على زينب بنت جحش سنة عشرين ، في يوم صائف ، ورأيت ثوبا مد على قبرها وعمر قائم ، والأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قيام ، فأمر عمر محمد بن عبد الله بن جحش ، وأسامة بن زيد ، وعبد الله بن أبي أحمد بن جحش ، ومحمد بن طلحة -وهو ابن أختها- فنزلوا من قبرها .

قالوا: وتوفيت بنت ثلاث وخمسين سنة

222 - سعيد بن عامر بن حذيم بن سلامان .

أسلم قبل خيبر ، وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما بعدها .

[أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيويه قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا ابن الفهم قال: حدثنا ابن سعد قال: حدثنا مالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي قال: حدثنا مسعود بن سعد الجعفي قال: حدثنا يزيد بن أبي زياد] ، عن عبد الرحمن بن سابط قال: أرسل عمر إلى سعيد بن عامر فقال: إنا مستعملوك على هؤلاء تسير بهم إلى أرض العدو فتجاهد بهم . فقال: يا عمر ، لا تفتني ، فقال عمر: والله لا أدعكم ، جعلتموها في عنقي ثم تخليتم مني ، إنما أبعثك على قوم لست بأفضلهم ، ولست أبعثك لتضرب أبشارهم ولا تنتهك أعراضهم ، ولكن تجاهد بهم عدوهم وتقسم بينهم فيهم . فقال: اتق الله يا عمر ، أحب لأهل الإسلام ما تحب لنفسك ، وحض العمرات إلى الحق حيث علمته ، ولا تخش في الله [ ص: 302 ] لومة لائم . فقال عمر: ويحك يا سعيد ، ومن يطق هذا؟ فقال: من وضع الله في عنقه مثل الذي وضع في عنقك ، إنما عليك أن تأمر فيطاع أمرك ، أو تترك فيكون لك الحجة .

فقال عمر: إنا سنجعل لك رزقا . قال: لقد أعطيت ما يكفيني دونه -يعني عطاءه- وما أنا بمزداد من مال المسلمين شيئا . قال: وكان إذا خرج عطاؤه نظر إلى قوت أهله من طعامهم وكسوتهم وما يصلحهم فيعزله ، وينظر إلى بقيته فيتصدق به ، فيقول أهله: أين بقية المال؟ فيقول: أقرضته . قال: فأتاه نفر من قومه ، فقالوا: لولا أن لأهلك عليك حقا وإن لأصهارك عليك حقا ، وإن لقومك عليك حقا . فقال: ما استأثر عليهم أن يرى لمع أيديهم ، وما أنا بطالب أو ملتمس رضى أحد من الناس بطلبي الحور العين ، الذي لو اطلعت واحدة منهن لأشرقت لها الأرض كما تشرق الشمس ، وما أنا بمستخلف عن العتق الأول بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "يجيء فقراء المهاجرين يزفون كما يزف الحمام ، قال: فيقال لهم: قفوا للحساب . فيقولون: والله ما تركنا شيئا يحاسب به . فيقول الله عز وجل: صدق عبادي . فيدخلون الجنة [قبل الناس] بسبعين عاما" . [أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك ، أخبرنا أحمد بن أحمد ، أخبرنا أحمد بن عبد الله الأصبهاني ، حدثنا محمد بن عبد الله ، حدثنا الحسن بن علي الطوسي ، حدثنا محمد بن عبد الكريم العبدي ، حدثنا الهيثم بن عدي ، حدثنا ثور بن يزيد ، حدثنا خالد بن معدان] قال: استعمل عمر بن الخطاب بحمص سعيد بن عامر بن حذيم ، فلما قدم عمر حمص قال: يا أهل حمص ، كيف وجدتم عاملكم؟ فشكوه إليه ، وكان يقال لحمص "الكويفة" الصغرى لشكايتهم العمال ، قالوا: فشكوا أربعا: لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار . قال: أعظم بها . قال: وماذا؟ قالوا: لا يجيب أحدا بالليل . قال: وعظيمة . قال: وماذا؟ قالوا: وله يوم في الشهر لا يخرج فيه إلينا ، قال: وعظيمة . قال: وماذا؟ قالوا: يغبط الغبطة بين الأيام -أي: تأخذه موتة- قال: فجمع عمر بينهم وبينه ، وقال: اللهم لا يقبل رأي فيه اليوم ، ما تشكون منه . قال: ولا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار . [ ص: 303 ]

قال: والله إن كنت لأكره ذكره؛ ليس لي ولأهلي خادم فأعجن عجيني ، ثم أجلس حتى يختمر ، ثم أخبز خبزي ، ثم أتوضأ ، ثم أخرج إليهم . فقال: ما تشكون منه؟ فقالوا: لا يجيب أحدا بالليل . قال: ما يقولون؟ قال: إن كنت لأكره ذكره؛ إني جعلت النهار لهم والليل لله عز وجل . قال: وما تشكون منه؟ قالوا: إن له يوما في الشهر لا يخرج إلينا فيه .

قال: ما يقولون؟ قال: ليس لي خادم يغسل ثيابي ولا لي ثياب أبدلها ، فأجلس حتى تجف ، ثم أدلكها ، ثم أخرج إليهم من آخر النهار . قال: ما تشكون منه؟ قالوا: يغبط الغبطة بين الأيام . قال: ما يقولون؟ قال: شهدت مصرع خبيب الأنصاري بمكة ، وقد بضعت قريش لحمه ، ثم حملوه على جدعه ، فقالوا: أتحب أن محمدا مكانك؟ قال: والله ما أحب أني في أهلي وولدي ، وأن محمدا أشيك بشوكة . ثم نادى: يا محمد . ما ذكرت ذلك اليوم ، وتركي نصرته في تلك الحال وأنا مشرك لا أؤمن بالله العظيم إلا ظننت أن الله لا يغفر لي ذلك الذنب أبدا ، فتصيبني تلك الغبطة . فقال عمر: الحمد لله الذي لم يقبل فراستي . فبعث إليه بألف دينار ، وقال: استعن بها على أمرك . فقالت امرأته: الحمد لله الذي أغنانا عن خدمتك . فقال لها: فهل لك في خير من ذلك؟ ندفعها إلى من يأتينا بها أحوج ما يكون إليها . قالت: نعم . فدعا رجلا من أهله يثق به ، فصررها صررا ، ثم قال: انطلق بهذه إلى أرملة آل فلان ، وإلى يتيم آل فلان ، وإلى مسكين آل فلان ، وإلى مبتلى آل فلان ، فبقيت منها ذهبية ، فقال: أنفقي هذه . ثم عاد إلى عمله . فقالت: ألا تشتري لنا خادما ، ما فعل ذلك المال؟! قال: سيأتيك أحوج ما تكونين .

توفي سعيد في هذه السنة .

223 - عياض بن غنم بن زهير الفهري

شهد الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحضر فتح المدائن مع سعد بن أبي وقاص ، وفتح فتوحا كثيرة ببلاد الشام ، ونواحي الجزيرة ، ولما احتضر أبو عبيدة بالشام ولى عياض بن غنم عمله ، فأقره عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعثه سعد إلى [ ص: 304 ] الجزيرة ، فنزل بجنده على الرها ، فصالحه أهلها على الجزية ، وصالحت حران حيث صالحت الرها ، فكان فتح الجزيرة ، والرها ، وحران ، والرقة على يده في سنة ثمان عشرة ، وكتب لهم كتابا ، وكان جوادا ، فقيل لعمر: إنه يبذر المال . فقال: إن سماحه في ذات يده ، فإذا بلغ مال الله لم يعط منه شيئا ، فلا أعزل من ولاه أبو عبيدة .

[أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثني الأزهري ، حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا أحمد بن سليمان الطوسي ، حدثنا الزبير بن بكار قال: كان عياض بن غنم شريفا ، وله فتوح بنواحي الجزيرة . في زمان عمر ، وهو أول من أجاز الدرب إلى أرض الروم] .

[أنبأنا أبو بكر بن أبي طاهر قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيويه قال: أخبرنا ابن معروف ، قال: أخبرنا ابن الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله ] ، عن موسى بن عقبة قال: لما ولي عياض بن غنم قدم عليه نفر من أهل بيته يطلبون صلته ، فلقيهم بالبشر وأنزلهم وأكرمهم ، فأقاموا أياما ، ثم كلموه في الصلة ، وأخبروه بما لقوه من المشقة في السفر رجاء صلته ، فأعطى كل رجل منهم عشرة دنانير ، وكانوا خمسة ، فردوها وتسخطوا ونالوا منه فقال: أي بني عم ، والله ما أنكر قرابتكم ولا حقكم ولا بعد شقتكم ، ولكن -والله- ما خلصت إلى ما وصلتكم به إلا ببيع خادمي وبيع ما لا غنى لي عنه ، فاعذروا . قالوا: والله ما عذرك الله؛ فإنك والي نصف الشام ، وتعطي الرجل منا ما جهده يبلغه إلى أهله . قال: فتأمرونني أن أسرق مال الله ، فوالله لئن أشق بالمنشار أحب إلي من أن أخون فلسا أو أتعدى . قالوا: عذرناك في ذات يدك ، فولنا أعمالا من أعمالك نؤدي ما يؤدي الناس إليك ، ونصيب من المنفعة ما يصيبون ، فأنت تعرف حالنا ، وأنا ليس نعدو ما جعلت لنا . قال: والله لأني أعرفكم بالفضل والخير ، ولكن يبلغ عمر أني وليت نفرا من قومي فيلومني . قالوا: فقد ولاك أبو عبيدة وأنت منه في القرابة بحيث أنت ، فأنفذ ذلك عمر ، فلو [ ص: 305 ] وليتنا أنفذه . قال: إني لست عند عمر كأبي عبيدة . فمضوا لائمين له .

ومات ولا مال له ، ولا عليه دين لأحد ، سنة [عشرين] وهو ابن ستين سنة

224 - مالك بن التيهان ، أبو الهيثم

كان يكره الأصنام في الجاهلية ، ويقول بالتوحيد هو وأسعد بن زرارة ، وكان أول من أسلم من الأنصار الذين لقوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة ، ثم شهد العقبة مع السبعين ، وهو أحد النقباء الاثني عشر ، شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى خيبر خارصا .

وتوفي بالمدينة في هذه السنة

225 - هرقل ملك الروم

وقد سبقت أخباره ومكاتبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إياه ، وغير ذلك .

مات في هذه السنة ، وولي مكانه ابنه قسطنطين .

226 - أم ورقة بنت الحارث

أسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت قد جمعت القرآن ، وأمرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تؤم أهل دارها ، فكانت تؤمهم .

[أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن سليمان قال: أخبرنا أحمد بن أحمد الحداد ، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ ، قال: حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن ، قال: حدثنا إسحاق الحربي قال: حدثنا أبو نعيم قال]: حدثنا الوليد بن جميع قال:

حدثتني جدتي عن أمها أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث الأنصارية -وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزورها ويسميها الشهيدة ، وكانت قد جمعت القرآن ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين [ ص: 306 ] غزا بدرا قالت له: ائذن لي فأخرج معك وأداوي جرحاكم وأمرض مرضاكم لعل الله يهدي لي الشهادة . قال: "إن الله عز وجل مهد لك الشهادة" حتى عدا عليها جارية وغلام لها كانت قد دبرتهما فقتلاها في إمارة عمر رضي الله عنه ، فقال عمر: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: "انطلقوا بنا نزور الشهيدة" . [ ص: 307 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية