قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير
قال
علي - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=838106لما أراد الله تعالى أن ينزل فاتحة الكتاب وآية الكرسي وشهد الله وقل اللهم مالك الملك إلى قوله بغير حساب تعلقن بالعرش وليس بينهن وبين الله حجاب وقلن يا رب تهبط بنا دار الذنوب وإلى من يعصيك فقال الله تعالى وعزتي وجلالي لا يقرؤكن عقب كل صلاة مكتوبة إلا أسكنته حظيرة القدس على ما كان منه ، وإلا نظرت إليه بعيني المكنونة في كل يوم سبعين نظرة ، وإلا قضيت له في كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة ، وإلا أعذته من كل عدو ونصرته عليه ولا يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت . وقال
معاذ بن جبل :
nindex.php?page=hadith&LINKID=838107احتبست عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوما فلم أصل معه الجمعة فقال : ( يا معاذ ما منعك من صلاة الجمعة ؟ ) قلت : يا رسول الله ، كان ليوحنا بن باريا اليهودي علي أوقية من تبر وكان على بابي يرصدني فأشفقت أن يحبسني دونك . قال : ( أتحب يا معاذ أن يقضي الله دينك ؟ ) قلت : نعم . قال : ( قل كل يوم nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26قل اللهم مالك الملك - إلى قوله - بغير حساب رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطي منهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء اقض عني ديني فلو كان عليك ملء الأرض ذهبا لأداه الله عنك ) . خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم الحافظ ، أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني أن
معاذ بن جبل قال :
علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آيات من القرآن - أو كلمات - ما في الأرض مسلم يدعو بهن وهو مكروب أو غارم أو ذو دين إلا قضى الله عنه وفرج همه ، احتبست عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ; فذكره . غريب من حديث
عطاء أرسله عن
معاذ . وقال
ابن عباس [ ص: 51 ] nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك :
لما افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة ووعد أمته ملك فارس والروم قال المنافقون واليهود : هيهات هيهات ! من أين لمحمد ملك فارس والروم هم أعز وأمنع من ذلك ، ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم ; فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقيل : نزلت دامغة لباطل
نصارى أهل نجران في قولهم : إن
عيسى هو الله ; وذلك أن هذه الأوصاف تبين لكل صحيح الفطرة أن
عيسى ليس في شيء منها . قال
ابن إسحاق : أعلم الله عز وجل في هذه الآية بعنادهم وكفرهم ، وأن
عيسى - صلى الله عليه وسلم - وإن كان الله تعالى أعطاه آيات تدل على نبوته من إحياء الموتى وغير ذلك فإن الله عز وجل هو المنفرد بهذه الأشياء ; من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=27تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب فلو كان
عيسى إلها كان هذا إليه ; فكان في ذلك اعتبار وآية بينة .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26قل اللهم اختلف النحويون في تركيب لفظة " اللهم " بعد إجماعهم أنها مضمومة الهاء مشددة الميم المفتوحة ، وأنها منادى ; وقد جاءت مخففة الميم في قول
الأعشى :
كدعوة من أبي رباح يسمعها إليهم الكبار
قال
الخليل nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه وجميع
البصريين : إن أصل اللهم يا ألله ، فلما استعملت الكلمة دون حرف النداء الذي هو " يا " جعلوا بدله هذه الميم المشددة ، فجاءوا بحرفين وهما الميمان عوضا من حرفين وهما الياء والألف ، والضمة في الهاء هي ضمة الاسم المنادى المفرد . وذهب
الفراء والكوفيون إلى أن الأصل في اللهم يا ألله أمنا بخير ; فحذف وخلط الكلمتين ، وإن الضمة التي في الهاء هي الضمة التي كانت في أمنا لما حذفت الهمزة انتقلت الحركة . قال
النحاس : هذا عند
البصريين من الخطأ العظيم ، والقول في هذا ما قال
الخليل nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه . قال
الزجاج : محال أن يترك الضم الذي هو دليل على النداء المفرد ، وأن يجعل في اسم الله ضمة أم ، هذا إلحاد في اسم الله تعالى . قال
ابن عطية : وهذا غلو من
الزجاج ، وزعم أنه ما سمع قط " يا ألله أم " ، ولا تقول العرب يا اللهم . وقال
الكوفيون : إنه قد يدخل حرف النداء على " اللهم " وأنشدوا على ذلك قول الراجز :
غفرت أو عذبت يا اللهما
[ ص: 52 ] آخر :
وما عليك أن تقولي كلما سبحت أو هللت يا اللهما
اردد علينا شيخنا مسلما فإننا من خيره لن نعدما
آخر :
إني إذا ما حدث ألما أقول يا اللهم يا اللهما
قالوا : فلو كان الميم عوضا من حرف النداء لما اجتمعا . قال
الزجاج : وهذا شاذ ولا يعرف قائله ، ولا يترك له ما كان في كتاب الله وفي جميع ديوان العرب ; وقد ورد مثله في قوله :
هما نفثا في في من فمويهما على النابح العاوي أشد رجام
قال
الكوفيون : وإنما تزاد الميم مخففة في " فم وابنم " ، وأما ميم مشددة فلا تزاد . وقال بعض النحويين : ما قاله
الكوفيون خطأ ; لأنه لو كان كما قالوا كان يجب أن يقال : " اللهم " ويقتصر عليه لأنه معه دعاء . وأيضا فقد تقول : أنت اللهم الرزاق . فلو كان كما ادعوا لكنت قد فصلت بجملتين بين الابتداء والخبر . قال
النضر بن شميل : من قال اللهم فقد دعا الله تعالى بجميع أسمائه كلها وقال
الحسن : اللهم تجمع الدعاء .
nindex.php?page=treesubj&link=28974قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26مالك الملك قال
قتادة :
بلغني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل الله - عز وجل - أن يعطي أمته ملك فارس فأنزل الله هذه الآية . وقال
مقاتل :
سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل الله له ملك فارس والروم في أمته ; فعلمه الله تعالى بأن يدعو بهذا الدعاء . وقد تقدم معناه . و " مالك " منصوب عند
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه على أنه نداء ثان ; ومثله قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=46قل اللهم فاطر السماوات والأرض ولا يجوز عنده أن يوصف اللهم لأنه قد ضمت إليه الميم . وخالفه
محمد بن يزيد وإبراهيم بن السري الزجاج فقالا : " مالك " في الإعراب صفة لاسم الله تعالى ، وكذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=46فاطر السماوات والأرض . قال
أبو علي ; هو مذهب
أبي العباس المبرد ; وما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أصوب وأبين ; وذلك أنه ليس في الأسماء الموصوفة شيء على حد " اللهم " لأنه اسم مفرد ضم إليه صوت ، والأصوات لا توصف ; نحو غاق وما أشبهه . وكان حكم الاسم المفرد ألا يوصف وإن كانوا قد وصفوه في مواضع . فلما ضم هنا ما لا يوصف إلى ما كان قياسه ألا يوصف صار بمنزلة صوت ضم إلى صوت ; نحو حيهل فلم يوصف . و " الملك " هنا النبوة ; عن
مجاهد . وقيل ، الغلبة . وقيل : المال والعبيد .
الزجاج : المعنى مالك العباد وما ملكوا .
[ ص: 53 ] وقيل : المعنى مالك الدنيا والآخرة .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26تؤتي الملك أي الإيمان والإسلام . من تشاء أي من تشاء أن تؤتيه إياه ، وكذلك ما بعده ، ولا بد فيه من تقدير الحذف ، أي وتنزع الملك ممن تشاء أن تنزعه منه ، ثم حذف هذا ، وأنشد
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه :
ألا هل لهذا الدهر من متعلل على الناس مهما شاء بالناس يفعل
قال
الزجاج : مهما شاء أن يفعل بالناس يفعل .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26وتعز من تشاء يقال : عز إذا علا وقهر وغلب ; ومنه ،
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=23وعزني في الخطاب .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26وتذل من تشاء ذل يذل إذا غلب وعلا وقهر . قال
طرفة :
بطيء عن الجلى سريع إلى الخنا ذليل بأجماع الرجال ملهد
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26بيدك الخير أي بيدك الخير والشر فحذف ; كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81سرابيل تقيكم الحر . وقيل : خص الخير لأنه موضع دعاء ورغبة في فضله . قال
النقاش : بيدك الخير ، أي النصر والغنيمة . وقال أهل الإشارات . كان
أبو جهل يملك المال الكثير ، ووقع في الرس يوم
بدر ، والفقراء
صهيب وبلال وخباب لم يكن لهم مال ، وكان ملكهم الإيمان ،
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء تقيم الرسول يتيم
أبي طالب على رأس الرس حتى ينادي أبدانا قد انقلبت إلى القليب : يا
عتبة ، يا
شيبة تعز من تشاء وتذل من تشاء . أي
صهيب ، أي
بلال ، لا تعتقدوا أنا منعناكم من الدنيا ببغضكم . بيدك الخير ما منعكم من عجز
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26إنك على كل شيء قدير إنعام الحق عام يتولى من يشاء .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
قَالَ
عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=838106لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُنَزِّلَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ وَشَهِدَ اللَّهُ وَقُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ إِلَى قَوْلِهِ بِغَيْرِ حِسَابٍ تَعَلَّقْنَ بِالْعَرْشِ وَلَيْسَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ وَقُلْنَ يَا رَبُّ تَهْبِطُ بِنَا دَارَ الذُّنُوبِ وَإِلَى مَنْ يَعْصِيكَ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا يَقْرَؤُكُنَّ عَقِبَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ إِلَّا أَسْكَنْتُهُ حَظِيرَةَ الْقُدُسِ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ ، وَإِلَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ بِعَيْنِي الْمَكْنُونَةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ نَظْرَةً ، وَإِلَّا قَضَيْتُ لَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ حَاجَةً أَدْنَاهَا الْمَغْفِرَةُ ، وَإِلَّا أَعَذْتُهُ مِنْ كُلِّ عَدُوٍّ وَنَصَرْتُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ . وَقَالَ
مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=838107احْتَبَسْتُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا فَلَمْ أُصَلِّ مَعَهُ الْجُمُعَةَ فَقَالَ : ( يَا مُعَاذُ مَا مَنَعَكَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ؟ ) قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَانَ لِيُوحَنَّا بْنِ بَارِيَا الْيَهُودِيِّ عَلَيَّ أُوقِيَّةٌ مِنْ تِبْرٍ وَكَانَ عَلَى بَابِي يَرْصُدُنِي فَأَشْفَقْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي دُونَكَ . قَالَ : ( أَتُحِبُّ يَا مُعَاذُ أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ دَيْنَكَ ؟ ) قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : ( قُلْ كُلَّ يَوْمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ - إِلَى قَوْلِهِ - بِغَيْرِ حِسَابٍ رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا تُعْطِي مِنْهُمَا مَنْ تَشَاءُ وَتَمْنَعُ مِنْهُمَا مَنْ تَشَاءُ اقْضِ عَنِّي دَيْنِي فَلَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا لَأَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ ) . خَرَّجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12181أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ ، أَيْضًا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16566عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّ
مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ :
عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ - أَوْ كَلِمَاتٍ - مَا فِي الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو بِهِنَّ وَهُوَ مَكْرُوبٌ أَوْ غَارِمٌ أَوْ ذُو دَيْنٍ إِلَّا قَضَى اللَّهُ عَنْهُ وَفَرَّجَ هَمَّهُ ، احْتَبَسْتُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; فَذَكَرَهُ . غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ
عَطَاءٍ أَرْسَلَهُ عَنْ
مُعَاذٍ . وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ [ ص: 51 ] nindex.php?page=showalam&ids=9وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ :
لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ وَوَعَدَ أُمَّتَهُ مُلْكَ فَارِسَ وَالرُّومِ قَالَ الْمُنَافِقُونَ وَالْيَهُودُ : هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ! مِنْ أَيْنَ لِمُحَمَّدٍ مُلْكُ فَارِسَ وَالرُّومِ هُمْ أَعَزُّ وَأَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ، أَلَمْ يَكْفِ مُحَمَّدًا مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ حَتَّى طَمِعَ فِي مُلْكِ فَارِسَ وَالرُّومِ ; فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ . وَقِيلَ : نَزَلَتْ دَامِغَةً لِبَاطِلِ
نَصَارَى أَهْلِ نَجْرَانَ فِي قَوْلِهِمْ : إِنَّ
عِيسَى هُوَ اللَّهُ ; وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَوْصَافَ تُبَيِّنُ لِكُلِّ صَحِيحِ الْفِطْرَةِ أَنَّ
عِيسَى لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا . قَالَ
ابْنُ إِسْحَاقَ : أَعْلَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِعِنَادِهِمْ وَكُفْرِهِمْ ، وَأَنَّ
عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى أَعْطَاهُ آيَاتٍ تَدُلُّ عَلَى نُبُوَّتِهِ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ ; مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=27تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَلَوْ كَانَ
عِيسَى إِلَهًا كَانَ هَذَا إِلَيْهِ ; فَكَانَ فِي ذَلِكَ اعْتِبَارٌ وَآيَةٌ بَيِّنَةٌ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26قُلِ اللَّهُمَّ اخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ فِي تَرْكِيبِ لَفْظَةِ " اللَّهُمَّ " بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ أَنَّهَا مَضْمُومَةُ الْهَاءِ مُشَدَّدَةُ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ ، وَأَنَّهَا مُنَادَى ; وَقَدْ جَاءَتْ مُخَفَّفَةَ الْمِيمِ فِي قَوْلِ
الْأَعْشَى :
كَدَعْوَةٍ مِنْ أَبِي رَبَاحٍ يَسْمَعُهَا إِلَيْهِمُ الْكُبَارُ
قَالَ
الْخَلِيلُ nindex.php?page=showalam&ids=16076وَسِيبَوَيْهِ وَجَمِيعُ
الْبَصْرِيِّينَ : إِنَّ أَصْلَ اللَّهُمَّ يَا أَللَّهُ ، فَلَمَّا اسْتُعْمِلَتِ الْكَلِمَةُ دُونَ حَرْفِ النِّدَاءِ الَّذِي هُوَ " يَا " جَعَلُوا بَدَلَهُ هَذِهِ الْمِيمَ الْمُشَدَّدَةَ ، فَجَاءُوا بِحَرْفَيْنِ وَهُمَا الْمِيمَانِ عِوَضًا مِنْ حَرْفَيْنِ وَهُمَا الْيَاءُ وَالْأَلِفُ ، وَالضَّمَّةُ فِي الْهَاءِ هِيَ ضَمَّةُ الِاسْمِ الْمُنَادَى الْمُفْرَدِ . وَذَهَبَ
الْفَرَّاءُ وَالْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي اللَّهُمَّ يَا أَللَّهُ أُمَّنَا بِخَيْرٍ ; فَحَذَفَ وَخَلَطَ الْكَلِمَتَيْنِ ، وَإِنَّ الضَّمَّةَ الَّتِي فِي الْهَاءِ هِيَ الضَّمَّةُ الَّتِي كَانَتْ فِي أُمِّنَا لَمَّا حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ انْتَقَلَتِ الْحَرَكَةُ . قَالَ
النَّحَّاسُ : هَذَا عِنْدَ
الْبَصْرِيِّينَ مِنَ الْخَطَأِ الْعَظِيمِ ، وَالْقَوْلُ فِي هَذَا مَا قَالَ
الْخَلِيلُ nindex.php?page=showalam&ids=16076وَسِيبَوَيْهِ . قَالَ
الزَّجَّاجُ : مُحَالٌ أَنْ يُتْرَكَ الضَّمُّ الَّذِي هُوَ دَلِيلٌ عَلَى النِّدَاءِ الْمُفْرَدِ ، وَأَنْ يُجْعَلَ فِي اسْمِ اللَّهِ ضَمَّةُ أُمَّ ، هَذَا إِلْحَادٌ فِي اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهَذَا غُلُوٌّ مِنَ
الزَّجَّاجِ ، وَزَعَمَ أَنَّهُ مَا سُمِعَ قَطُّ " يَا أَللَّهُ أُمَّ " ، وَلَا تَقُولُ الْعَرَبُ يَا اللَّهُمَّ . وَقَالَ
الْكُوفِيُّونَ : إِنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ حَرْفُ النِّدَاءِ عَلَى " اللَّهُمَّ " وَأَنْشَدُوا عَلَى ذَلِكَ قَوْلَ الرَّاجِزِ :
غَفَرْتَ أَوْ عَذَّبْتَ يَا اللَّهُمَّا
[ ص: 52 ] آخَرُ :
وَمَا عَلَيْكِ أَنْ تَقُولِي كُلَّمَا سَبَّحْتِ أَوْ هَلَّلْتِ يَا اللَّهُمَّا
ارْدُدْ عَلَيْنَا شَيْخنَا مُسَلَّمَا فَإِنَّنَا مِنْ خَيْرِهِ لَنْ نُعْدَمَا
آخَرُ :
إِنِّي إِذَا مَا حَدَثٌ أَلَمَّا أَقُولُ يَا اللَّهُمَّ يَا اللَّهُمَّا
قَالُوا : فَلَوْ كَانَ الْمِيمُ عِوَضًا مِنْ حَرْفِ النِّدَاءِ لَمَا اجْتَمَعَا . قَالَ
الزَّجَّاجُ : وَهَذَا شَاذٌّ وَلَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ ، وَلَا يُتْرَكُ لَهُ مَا كَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَفِي جَمِيعِ دِيوَانِ الْعَرَبِ ; وَقَدْ وَرَدَ مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ :
هُمَا نَفَثَا فِي فِيِّ مَنْ فَمَوَيْهِمَا عَلَى النَّابِحِ الْعَاوِي أَشَدَّ رِجَامِ
قَالَ
الْكُوفِيُّونَ : وَإِنَّمَا تُزَادُ الْمِيمُ مُخَفَّفَةً فِي " فَمٍ وَابْنُمٍ " ، وَأَمَّا مِيمٌ مُشَدَّدَةٌ فَلَا تُزَادُ . وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ : مَا قَالَهُ
الْكُوفِيُّونَ خَطَأٌ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا كَانَ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ : " اللَّهُمَّ " وَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعَهُ دُعَاءٌ . وَأَيْضًا فَقَدْ تَقُولُ : أَنْتَ اللَّهُمَّ الرَّزَّاقُ . فَلَوْ كَانَ كَمَا ادَّعَوْا لَكُنْتُ قَدْ فَصَلْتُ بِجُمْلَتَيْنِ بَيْنَ الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ . قَالَ
النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ : مَنْ قَالَ اللَّهُمَّ فَقَدْ دَعَا اللَّهَ تَعَالَى بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ كُلِّهَا وَقَالَ
الْحَسَنُ : اللَّهُمَّ تَجْمَعُ الدُّعَاءَ .
nindex.php?page=treesubj&link=28974قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26مَالِكَ الْمُلْكِ قَالَ
قَتَادَةُ :
بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يُعْطِيَ أُمَّتَهُ مُلْكَ فَارِسَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ . وَقَالَ
مُقَاتِلٌ :
سَأَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهَ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ مُلْكَ فَارِسَ وَالرُّومِ فِي أُمَّتِهِ ; فَعَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ يَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ . وَ " مَالِكٌ " مَنْصُوبٌ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ عَلَى أَنَّهُ نِدَاءٌ ثَانٍ ; وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=46قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُمَّ لِأَنَّهُ قَدْ ضُمَّتْ إِلَيْهِ الْمِيمُ . وَخَالَفَهُ
مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ فَقَالَا : " مَالِكَ " فِي الْإِعْرَابِ صِفَةٌ لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=46فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ . قَالَ
أَبُو عَلِيٍّ ; هُوَ مَذْهَبُ
أَبِي الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدِ ; وَمَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ أَصْوَبُ وَأَبْيَنُ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَسْمَاءِ الْمَوْصُوفَةِ شَيْءٌ عَلَى حَدِّ " اللَّهُمَّ " لِأَنَّهُ اسْمٌ مُفْرَدٌ ضُمَّ إِلَيْهِ صَوْتٌ ، وَالْأَصْوَاتُ لَا تُوصَفُ ; نَحْوَ غَاقٍ وَمَا أَشْبَهَهُ . وَكَانَ حُكْمُ الِاسْمِ الْمُفْرَدِ أَلَّا يُوصَفَ وَإِنْ كَانُوا قَدْ وَصَفُوهُ فِي مَوَاضِعَ . فَلَمَّا ضُمَّ هُنَا مَا لَا يُوصَفُ إِلَى مَا كَانَ قِيَاسُهُ أَلَّا يُوصَفَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ صَوْتٍ ضُمَّ إِلَى صَوْتٍ ; نَحْوَ حَيَّهَلْ فَلَمْ يُوصَفْ . وَ " الْمُلْكَ " هُنَا النُّبُوَّةُ ; عَنْ
مُجَاهِدٍ . وَقِيلَ ، الْغَلَبَةُ . وَقِيلَ : الْمَالُ وَالْعَبِيدُ .
الزَّجَّاجُ : الْمَعْنَى مَالِكُ الْعِبَادِ وَمَا مَلَكُوا .
[ ص: 53 ] وَقِيلَ : الْمَعْنَى مَالِكُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26تُؤْتِي الْمُلْكَ أَيِ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ . مَنْ تَشَاءُ أَيْ مَنْ تَشَاءُ أَنْ تُؤْتِيَهُ إِيَّاهُ ، وَكَذَلِكَ مَا بَعْدَهُ ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَقْدِيرِ الْحَذْفِ ، أَيْ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ أَنْ تَنْزِعَهُ مِنْهُ ، ثُمَّ حَذَفَ هَذَا ، وَأَنْشَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ :
أَلَا هَلْ لِهَذَا الدَّهْرِ مِنْ مُتَعَلَّلِ عَلَى النَّاسِ مَهْمَا شَاءَ بِالنَّاسِ يَفْعَلِ
قَالَ
الزَّجَّاجُ : مَهْمَا شَاءَ أَنْ يَفْعَلَ بِالنَّاسِ يَفْعَلُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ يُقَالُ : عَزَّ إِذَا عَلَا وَقَهَرَ وَغَلَبَ ; وَمِنْهُ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=23وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ذَلَّ يَذِلُّ إِذَا غَلَبَ وَعَلَا وَقَهَرَ . قَالَ
طَرَفَةُ :
بَطِيءٍ عَنِ الْجُلَّى سَرِيعٍ إِلَى الْخَنَا ذَلِيلٍ بِأَجْمَاعِ الرِّجَالِ مُلَهَّدِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26بِيَدِكَ الْخَيْرُ أَيْ بِيَدِكَ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ فَحُذِفَ ; كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ . وَقِيلَ : خَصَّ الْخَيْرَ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ دُعَاءٍ وَرَغْبَةٍ فِي فَضْلِهِ . قَالَ
النَّقَّاشُ : بِيَدِكَ الْخَيْرُ ، أَيِ النَّصْرُ وَالْغَنِيمَةُ . وَقَالَ أَهْلُ الْإِشَارَاتِ . كَانَ
أَبُو جَهْلٍ يَمْلِكُ الْمَالَ الْكَثِيرَ ، وَوَقَعَ فِي الرَّسِّ يَوْمَ
بَدْرٍ ، وَالْفُقَرَاءُ
صُهَيْبٌ وَبِلَالٌ وَخَبَّابٌ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ ، وَكَانَ مُلْكُهُمُ الْإِيمَانَ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ تُقِيمُ الرَّسُولَ يَتِيمَ
أَبِي طَالِبٍ عَلَى رَأْسِ الرَّسِّ حَتَّى يُنَادِيَ أَبْدَانًا قَدِ انْقَلَبَتْ إِلَى الْقَلِيبِ : يَا
عُتْبَةُ ، يَا
شَيْبَةُ تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ . أَيْ
صُهَيْبُ ، أَيْ
بِلَالُ ، لَا تَعْتَقِدُوا أَنَّا مَنَعْنَاكُمْ مِنَ الدُّنْيَا بِبُغْضِكُمْ . بِيَدِكَ الْخَيْرُ مَا مَنْعَكُمْ مِنْ عَجْزٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ إِنْعَامُ الْحَقِّ عَامٌّ يَتَوَلَّى مَنْ يَشَاءُ .